(الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي) كتاب للأستاذ عبد الهادي الفكيكي رحمه الله

عراق العروبة
2021-09-21T00:43:11+02:00
ثقافة وأدب
7 مارس 2021
(الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي) كتاب للأستاذ عبد الهادي الفكيكي رحمه الله

(الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي) كتاب للأستاذ عبد الهادي الفكيكي رحمه الله

عراق العروبة

مهدي شاكر العبيدي

(الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي) كتاب للأستاذ عبد الهادي الفكيكي رحمه الله

أذكرني كتاب الأستاذ عبد الهادي الفكيكي هذا الذي أصدره بعنوان (الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي) ، بالسفر العظيم و الموسوم : (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) ، الذي أطلع به على العالمين العربي و الإسلامي قبل سنوات قد تكون بعيدة من القرن الماضي ، العالم المصري الشهير محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله ، فقد طويت حياته في غضون عام 1968م ، مبقياً بعده أثره الخالد الذي يعول على الاستفادة منه في استذكار آيات القرآن المجيد سائر المشتغلين بالدراسات و المباحث الإسلامية من العلماء الحصفاء و الدارسين المتوثقين الأثبات ، و حفظة التنزيل الحكيم ، دالاً به على هـمــةٍ وجهدٍ في ضبط آياته البينات ، و تعيين أرقامها في جميع سوره ، و بذلك يتكشف للعيان مدى ما كابده في تصنيفه من رهق و عناء ، على حين تقصر عنه كفايات أفراد مجتمعين و يتدنى مجهودهم ، و كذلك شأنه حيال الحديث الشريف من تنسيقه و تبويبه و وضعه بين أيدي ملتمسي فوائده المرجوة ، من الاستهداء به في إيثار السلوك الحياتي المستقيم الذي يتنزه به المرء و لا يشينه في حياته إزراء أو ذم ، و غدا الباحث و مؤلـفه بموجب هذه السمات مرجعاً موثوقاً يأتم به الباحثون و يروق لهم أن يركنوا له إن استعصت عليهم المشكلات و داخل اليأس و الخور نفوسهم ، إزاء تفشي الأوهام و الأضاليل بين بني جلدتهم ، و أحوجهم من يتصدى لنقضها و تعرية زيفها و فضح ما تنويه من إشاعةٍ و تمكينٍ للإفساد و الهدم وسط هذه البيئات و المجتمعات الإسلامية التي ما عـرفت في حياتها غير الوفاق و الألفة و سعيها لإعلاء قيمها الدينية ، متجاوزة في ذلك أي استئثار و تفردٍ يدل به نفر أو شلة من جنس معين أو عنصر بذاته منها ، بالغلبة و التسيد على بقية الأجناس و العناصر المنضوية تحت راية الإسلام ، أو ادعاء الرجحان عليها في الميزات و المؤهلات.

و يكفي للتدليل على جلالة قدره أن العقاد الذي اعتاد تحاشي النص على مصادره و مراجعه و هو يؤلف كتبه ، بل ينظر لقراءاته كلها و مجانيه منها على أنها من مكونات ثقافته ، و بذلك يصير ما يسوقه من رأي أو فكر في سياق مقالاته ، هو من ابتداعه ، بعد ما جهد في صياغته و إفراغه في تركيباته المعهودة و التي تحتاج لسوغها و تشربها مزيدا من التركيز الذهني و فراغ البال حتى يفطن القارئ بعد فراغه منها ، أنه استوعب شيئاً جديداً من المعرفة و الرأي و الفكر ، لا يدانيه ــ أي العقاد ــ أحد من المؤلفين في ثرارته و عمقه ، قلت أن العقاد هذا الكاتب المتمكن و المعتد بكفاياته ، لا يني في الاعتراف و الإقرار بدالة الفهامة محمد فؤاد عبد الباقي عليه ، و مراجعاته آثاره قصد الاستيثاق من صحة الأخبار و الوقائع فيما ينشئ من أبحاث و فصول ، وإذا عرف عن العقاد أن تحصيله المدرسي لا يتعدى الدراسة الثانوية ، فإن مؤلف المعجم المتداول في المحافل العلمية و بين أيدي كبار الأساطين وأرباب الرأي في الدنيا العربية و الإسلامية ، يفتقر إلى الشهادة الابتدائية إذا صدقت وصحت رواية (معجم الأعلام) الذي أصدره بيت الحكمة ببغداد أواخر تسعينيات القرن العشرين.

عذراً إزاء هذا الاستطراد الذي ما جرني إليه وساقني فيه غير وجداني كتاب الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي من جملة مصادر الأستاذ الفكيكي في تبويب مادته و إحسان ترتيبها ، و قوامه استدلاله على شغف شعراء العربية في مختلف العصور ، بقراءة القرآن المجيد ، و تمحيص آياته في مواضعها من سوره البينات ، و الانخطاف بمعانيه و مضموناته ، و التدقيق في سر إعجازه في ألفاظه و تراكيبه ، مع عجز الإنسان عن محاولته تقليده و الإتيان بشيءٍ من روعته و سحره ، غير أن رهطاً من البشر ــ و جراء مداومتهم قراءته ــ أمكن لهم استلهامه و استيحاؤه فيما راموا التعبير عنه من نوازع و خطرات راودت وجدانهم آناً ، فتفهموا قصصه وحكاياته و أحاطوا بالأسباب و الدواعي التي استدعت اغتناءه بها بقصد تذكير أولي الألباب من بني آدم بمصائر من اشتطوا في المكابرة و العناد أو تمادوا في الاغترار و الزهو ، كي يطامنوا من نفوسهم ، و يأخذوا منها العظة و العبرة ، فإن كانوا من ذوي الشاعرية و على قدر و درجة من الإبداع و التفنن فيها ، تسنى لهم تضمين شعرهم و توشيحه بالألفاظ القرآنية ، و هذا ما يدعى بـ (الاقتباس) ، غير أنه لا يعني إفراغها من محتواها وتجريدها من حكايتها ، بل يحرص الشاعر وقد أسلم نفسه لنجوى الرب و استغرقه البهر بما في التنزيل من إحكام و سلاسة معاً ، فليغامر بنسج شعره ، محتوياً المفردات التي يستذكر معها القصة القرآنية ، و غالباً ما يكل الشاعر ذلك لعجز البيت الأخير من مورده الشعري في القصيدة أن يوفي عليه بتمامه ، فقرنه بألفاظ من ابتداعه يستوي معها البيت الشعري و يستقيم معناه ، كأن يكون في معنى الزهد و التصوف و المدح النبوي ، أو التفاخر و الهجو و الإطراء و الاستعطاف ، وما كلف به الشعراء المحدثون من مقاصد وأهداف وطنية ، فلا مراء أن نقـب في معطيات شعراء من العصر العباسي في العراق و الشام ، مروراً بشعراء الأندلس و المغرب ، و انتهاءً بشعراء أوائل النهضة الحديثة و نهايات مرحلة الضعف و القصور الذي امتحنت به الشعرية العربية في المباني و المعاني و الأخيلة.

و لنسق شواهد على إشارة الأستاذ الفكيكي إلى شاعر بعينه هو المرحوم الشيخ علي الشرقي الذي اقتبس من القصص القرآني ، نستدل به نموذجاً على ظرف المؤلف و لطافة نفسه في تعليقه على منو ال الشاعر في الاقتباس ، يقول :

((في قصيدة الدمع ، اقتبس من القصص القرآني ، مشيراً إلى قصة نوح وقصتي عيسى ويوسف بقوله :

مـا أكـثـر الشـوك الـمؤلـم للحشـى في ذي البـلاد و مـا أقـل الـشــيـحـا
عـم البـلاد فـلـو أن طـوفـانـاً أتـى هذا الورى ، لم يبق منهم (نـــــوحا)
قـالـوا سيحيا الشعب قـلـت بشارة فـلـعـلــمـا بـعــث الإلــــه مسـيـحــا
و تـسـلـفـوا بـشـراً برجعـة يوسف أن يـصـدقـوا ، فـلـينشقـوني الريحا
يا ديـمـة الإصـلاح رشـي موطني فعساه يـنـبـت مصـلـحـاً و نـصوحا
…………….

في البيت الثاني إشارة إلى قوله تعالى [ و قوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم و جعلناهم للناس آية ] سورة الفرقان ، آية (37) ، و قوله : [ سآوي إلى جبل يعصمني من الماء فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم و حال بينهما الموج فكان من المغرقين ] سورة هود ، آية (43).

و بعد فقد نصح طه حسين مرة للجيل الطالع الذي يود لو ينتظم في رعيل الأدباء أو ينخرط في سلكهم ، أن يديموا تلاوة القرآن ، و يتأملوا في قصصه و البيان الذي أفرغت فيه ، و ما كان له من أثر في رياضة سليقتهم و تهذيب طبعهم ، و استرسل أكثر مشفعاً كلماته بشيءٍ من الاجتراء ، أو مغالباً خشيته من معارضة المنطق السائد ، و مجانفة بعض الاعتقادات المتزمتة ، فأفاد أنه إذا راودت أذهانهم وساوس تزهدهم فيه و تصرفهم عنه ، فلا يوالون تصفحه و قراءته ، فليعتده كتاباً أدبياً من هاته الكتب التي يحرصون على تداولها و رفد مكتباتهم الخاصة بها ، و يقبلون عليها من آنٍ لآنٍ ، يجتنون منها نصيباً من هذه المتعة الفنية التي تنشرح لها النفس و يطيب الفؤاد ؛ و ما بالشيء القليل أن يقف الأستاذ عبد الهادي الفكيكي على فصاحة القرآن ، و تتشرب نفسه بلاغة معانيه و فصاحة بيانه ، لأنه الأساس و الأصل في تكوين الأدباء.

(الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي) كتاب للأستاذ عبد الهادي الفكيكي رحمه الله

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.