الطبيب النفسي والقلم!!

عراق العروبة
2021-02-13T00:18:32+02:00
ثقافة وأدب
30 ديسمبر 2020
الطبيب النفسي والقلم!!

الطبيب النفسي والقلم!!

عراق العروبة

د . صادق السامرائي

الطبيب النفسي والقلم!!

إلى روح الزميل (حسين سرمك حسن) الذي تأثرتُ بغيابه المباغت:

“يا طبيباً وأديْباً حاذِقا

ونَطاسِيًّا أريْبا بارقا

جَهْبَذٌا كنْتَ، عَليْما بارعا

ناقدا دًمْتَ وجئتَ السامِقا

قدْ جَعَلتَ النقدَ نَهْجاً فاعِلاً

ومَناراً وبَيانا فارِقا

يا زَميلاً بازغا في ليْلِنا

فُقِدَ البَدْرُ فَكِدْنا الصادَقا”

الكتابة قد تكون موهبة أو مرضا أو سلوكا إدمانيا، لكنها تختار مَن يمثلها وتستعبدهُ، وتكون فيه رغما عنه أو توافقا مع ما فيه.

وكثيرا ما تساءلت عن علاقة الطبيب النفسي بالقلم (الكتابة)؟

قبل أن أدخل كلية الطب كنت أكتب كثيرا وأنشر قليلا في مجلات عربية، خواطر وقصص قصيرة ومقطوعات نثرية على أنها شعر، وتواصلت في الكتابة والقراءة أثناء دراستي في كلية الطب، وذات يوم  نشرتُ قصة قصيرة في نشرة الكلية، وأنا أتأملها وإذا بعميد كلية الطب المرحوم الدكتور (فخري الدباغ)، قد توقف وراح يقرأ في النشرة، وجذب إهتمامه القصة فأعلمته بأني كاتبها، ومضى معي في كلام  مهم عن ضرورة التواصل في الكتابة وأهمية أن يكتب الطبيب.

وتطورت تفاعلاتنا بعد ذلك فأهداني أول كتاب نشره، وكنت معجبا بأسلوبه في الكتابة وأتابع مقالاته، وما خطر ببالي سأتخذ من الطب النفسي إختصاصا، لكنها الأيام والأعلام والتفاعلات مع الأحداث والتطورات والحالات الإنسانية، رمتني في أتون ما لم يكن بالحسبان.

توفى أستاذي قبل أن ألج باب الطب النفسي، لكن كتاباته وأحاديثه بقيت مؤثرة وفاعلة في نفسي، فهو الطبيب النفسي العراقي الوحيد الذي كان يكتب في الصحف والمجلات.

وقبل ذلك كان الدكتور (علي كمال) من أصحاب القلم أيضا.

وكان بعض الأساتذة الذين تدربت معهم لديهم ميل للكتابة لكنهم ليسوا من أصحاب الأقلام المؤثرة، ففي العراق لم يبرز طبيب نفسي يكتب، كما أن عددا من الزملاء كانوا يكتبون لكنهم إعتزلوا الكتابة خشية العواقب والمخاطر.

وفي مرحلة إقامتي كان الدكتور (ريكان إبراهيم) ينشر عمودا “تحت الجذر التربيعي”، وكنتُ أتابعه، وعرفت أنه يكتب شعرا لم أطلع عليه في حينه.

وما أدهشني ظاهرة الدكتور (حسين سرمك حسن)، فهو طبيب نفسي موسوعي متعدد المواهب والقابليات النقدية والتأريخية والتحليلية والتوثيقية المتميزة، وشدّتني إليه جرأته المُطلقة المُقلقة، وشجاعته الواضحة، فهو المُتحدي المُغوار بقلمه وفكره وثقافته، والمُحارب الدؤوب في الميدان، دفاعاُ عن الحقيقة والمعاني الإنسانية السامية. 

الطبيب النفسي والقلم!!
المغفور له بإذن الله الدكتور حسين سرمك حسن

فأخذتُ أتابعه بجدية وشعور بأن البلاد فيها طبيب نفسي صاحب قلم إنساني وطني نقدي ثائر مكافح، متوثب بإيمان وإخلاص لتأكيد الحقيقة وبث أنوار المعرفة الأصيلة.

ومن أروع ما قدمه وبجهد لا يُظاهى منهجه المعاصر في كتابة التأريخ، الذي يستعصي على التزييف والتضليل والتدسيس، فإقترابه العلمي الدقيق الموثق المدعوم بالبراهين والوثائق والصور وغيرها من الأدلة، يقدم لنا أسلوبا جديدا في قراءة وتسجيل الأحداث بمنظار علمي محايد نزيه.

وقد تألمت كثيرا لفقدانه المفاجئ المتوجس، وحسبت ربما سننطلق في مشاريع تنويرية ثقافية مشتركة، لكنه غادرنا مبكرا.

ومن الواجب الأخلاقي القول أن الدكتور (حسين سرمك حسن) هو الطبيب النفسي العراقي المناضل المقدام الغيور، الذي تحدّى وكابد وتواصل في إرساء القيمة المعرفية السامية للكلمة والمعلومة، والمجاهد الفذ الذي كدح لإظهار الحقيقة وتحريرها من التشويه والتضليل.

 والدكتور (حسين سرمك حسن) ظاهرة معرفية موسوعية عراقية عربية لا تُظاهى، غادرنا مُحمّلا بمشاريع وطاقات كان عليها أن تورق وتنير، والأمل أن يحمل مشعل رسالته الثقافية قلم يستلهم روح تطلعاته وجوهر أهدافه النبيلة، التي فتحت أبوابا مشرقة في دروب الحياة المعرفية الحرة الشميمة.

يقول تعليقا عمّا كتبته عنه في 10\11\2020:

 ” أفعم موقفكم الغيور المنصف روحي بالإيمان والإصرار على مواصلة النهج  الذي نذرتُ له نفسي…نهج الأمانة العلمية والذود عن الحقيقة والإخلاص لمحن أمتنا”!!

فلن تهون أمّة تلد أفذاذا كمثله!!

تحية لزميلٍ أحبَّ الكلمة وإنتمى للإنسانية، وجاهد لرفع قيمة الإنسان، في زمن تحوّل البشر فيه إلى أرقام!!

فوداعا أيها الطبيب النفسي الأديب العليم الأبي المقدام!!

 من مقالات الكاتب 5 - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.