العراق من الدولة إلى الفوضى

عراق العروبة
مقالات وآراء
31 أغسطس 2021
العراق من الدولة إلى الفوضى

العراق من الدولة إلى الفوضى

عراق العروبة

د . عبدالرزاق محمد الدليمي

العراق من الدولة إلى الفوضى

قبل أيام انتهى تنفيذ سيناريو مؤتمر العلاقات العامة في بغداد الذي طبلوا وزمروا له حتى ظن بعض المتوهمين أن الشمس ستشرق على شعب العراق بعد عتمة 19 عاما (تم انفاق7.500.000.000  مليار لمدة 3 ثلاث ساعات علماً إن الوفود تناولوا فطورهم الصباحي في بلدانهم وغادروا العراق دون مبيت)…تم عقد ما سمي بالمؤتمر في أحد القصور التي بناها رجال النظام السابق لاستخدامات الدولة الحقيقية والذي ظهر واضحا (وهذه تكررت عدة مرات) انبهار جميع الضيوف الكبار الذين  زاروا العراق بعد الاحتلال ولعل اللقطة التلفزيونية التي أظهرت رئيس جمهورية المنطقة الغبراء وهو يشرح لأمير قطر الذي يبدو أنه انبهر بتصميم القصر الذي يستخدمه السيد برهم صالح حيث ظهر واضحا أن الأمير ظن للوهلة الاولى وتوهم ان هذا القصر الرائع الفريد بتصميمه ومعماريته وعبقريت تنفيذه هو من منجزات ذيول الاحتلال إلا وللامانة نعتقد ان السيد برهم (ربما) كان صادقا وأخبره بحقيقة أن كل ما ينعمون به من المنشآت والقصور والمقرات هي من ابداعات النظام السابق.

قبل مائة عام من الآن و نتيجة للثورات التي فجرها الشعب العراقي ضد الاحتلال البريطاني وضد سياسة تهنيد العراق أجبر أسس الاحتلال البريطاني دولة على مقاسات مصالحه بعد أن تيقن من استحالة قبول العراقيين الاحرار للاحتلال أيا كان نوعه ومصدره ورغم دهاء البريطانيين وخبثهم وتعينهم لمجموعة من العراقيين يمكن أن تتناغم مع مصالحهم لادارة الدولة إلا أن الملفت أن هؤلاء الذين نصبوا في ظروف الاحتلال كان غالبيتهم من أصحاب الشرف والأمانة وخدموا شعبهم وبلدهم بما توفر لديهم من إمكانات وفرص انتزعوها من المحتل،حيث أصدر المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس أوامره بتشكيل حكومة وطنية عراقية انتقالية برئاسة نقيب أشراف بغداد عبد الرحمن النقيب الكيلاني ثم خلفه الشخصية الوطنية عبد المحسن بيك السعدون وتشكيل المجلس التأسيسي الذي تولى من ضمن مهامه اختيار ملك العراق، وتشكيل الوزارات والمؤسسات والدوائر العراقية، واختيار الساسة العراقيين لتولي المهام الحكومية،ثم خلفه الشخصية الوطنية عبد المحسن بيك السعدون.

منذ الإعلان عن تأسيس الدولة ورغم كل ماقيل عنه لابد من التأكيد ان الغالبية المطلقة من الذين أنيطت بهم المسؤوليات منذ 1921 وحتى نيسان 2003 كانوا من الشرف والنزاهة ما يجعلنا نقف لهم اجلالا واكبارا لانهم لم يسقطوا الى قعر الخيانة والفساد والرذيلة والعمالة والجريمة مثلما يفعل السيئين الذين جاؤوا تحت احذية دول الاحتلال، فلم نقرأ او نسمع عن اي شخص مسؤول بكل حقبات الدولة قبل نيسان 2003 انهم سرقوا ونهبوا اموال العراق و هربوها الى الخارج وقتلوا أكثر من مليون من خيرة ابنائه وهجروا ملايين من علمائه وكفاءاته التي أنفقت على اعدادهم الدولة ملايين الدولارات ليخدموا بلدهم ويجعلوه في مصاف الدول المتقدمة بالعالم بالتعليم والصحة والخدمات ووو،كما لم نسمع او نقرأ ان احدهم باع ضميره وتنازل عن ارض العراق ووهبها مع ثرواته لدول الجوار ،كما لم نلمس أن أحدهم عمل لقوميته او طائفته او كانت هذه المسميات عنصرا اساسيا في تقلد هذا المنصب المهم أو ذاك فقد شهدت دولة العراق تعاقب العربي والكردي والتركماني رئاسة الوزراء كما عين المسلم والمسيحي والايزيدي والصابئي والآشوري في أهم الوظائف في الدولة بل ان 99‘% من العراقيين لم يكونوا يهتموا بمعرفة قومية او ديانه المسؤل قدر اهتمامهم بسمعته وحرصه وكفائته…..وهذه البدع هي من نتاج الاحتلال وذيوله العفنة.

سياسيون شرفاء

قرأت وسمعت ان الملك او رئيس الوزراء لا يستطيع أن ينفق فلسا واحدا خارج حدود صلاحياته التي عادة ما تكون صفرا وروى لي احد قادة تلك المرحلة ان الملك كان يقدم على سلفه اذا اراد ان يصلح شئ عاطل في بيته أو للحصول على حاجة خاصة لعائلته،ولم يثبت أن أي من الذين حكموا العراق قبل الاحتلال 2003 أن لديهم اموال او قصور داخل العراق وخارجه ،فالدولة أيا كانت جمهورية أو ملكية كانت تطبق قانون من اين لك هذا ؟وكان جميع موظفي الدولة مجبرين على أن يقدموا سنويا معلومات تحريرية عن دخلهم وكانت هذه المعلومات تدقق وان اكتشفوا معلومات ليست دقيقة فسيكون الحساب عسيرا…..وبعكس هذه الصورة النظيفة لدولة العراق بالامس نلاحظ أن من تم توليتهم حكم البلاد وأمور العباد سرقوا الاخضر واليابس وهناك أكثر من تريلونين من الدولارات اختفت بقدرة قادر وان أرصدتهم بالمليارات والملايين والقصور والفلل والأحياء ،ويخرج علينا أحد كبار اللصوص بكل صلافة ويدعي ان كل مايقال عنه وعن أمثاله هي دعايات من الخصوم ومن النظام السابق!!!!!

نوري السعيد والدولة

في عام 1989 عندما كنت اعمل على انجاز أطروحتي للدكتوراة طرق سمعي عودة السياسي العراقي المخضرم خليل كنه (الذي كان الشخص الثاني بعد عبقري السياسة نوري سعيد باشا  في حزب العهد وعمل معه في فترات تسنمه رئاسة الوزراء )حيث وجهت له الدولة الدعوة للعودة الى بلده العراق بعد عقود من الزمن في القاهرة بعد تغيير 14 تموز 1958 وتم تخصيص شقة راقية له في مجمع الصالحية ..ورغم أن أطروحتي ربما لاعلاقة لها بخبرات وتجارب (المرحوم خليل كنه) الا انني ولكثرة ما كان يدور في أروقة ودهاليز المهتمين بالتاريخ السياسي الحديث للعراق الذي كان لنوري باشا دور مميز وكبير ،قررت ان ازور المرحوم خليل في شقته وفعلا استقبلني بشكل رائع وجلست معه ساعات طويلة نتذاكر بالأوضاع التي كان عليها العراق قبل تموز 1958 ولا اريد هنا ان اسطر كل تفاصيل ذلك اللقاء بل سأورد فقرة واحدة لها علاقة بصلب هذا المقال وهي عبارة عن إجابة لسؤال وجهته لخليل كنه وهو(إذا كان نوري السعيد يهيمن على المشهد السياسي وعلى الدولة في العراق،لماذا لم ينحي الملك ويستلم السلطة ويتخلص من الوصي عبد الاله الذي كان نوري السعيد يمقته بشدة؟!)  فأبتسم وقال انا سألت نوري السعيد نفس هذا السؤال وكانت اجابته ان سبب ابقاء الملك هو ان العراقيين يحترمونه لأسباب عاطفية ودينية لانهم هاشميون ،وان الشعب العراقي صعب المراس ولايمكن ضبطه وفيه بعض منهم مثل كائنات السبتتنك وكان الملك مثل غطاء هذا السبتتنك).

خراب الذمم  

من الخصائص والسمات التي تلفت الانتباه في الأنظمة التي حكمت العراق قبل نيسان 2003 أن العفة والنزاهة والاخلاص للوطن والشعب هي السمة المشتركة في كل أركان المجتمع العراقي وبدا واضحا أن طبيعة النظام الذي يحكم تنعكس على كل مكونات المجتمع والدوله ولذلك عندما تكون الدولة نظيفة وسليمة التكوين تعمل بتفان وإخلاص وتبعد عن أجهزتها كل الذين لا يتحلون بالأخلاق الفاضلة والنزاهة وتعتمد الكفاءات الوطنية المخلصة فإن ديدن الشعب بكل مكوناته سيتحلى ويلتزم بهذه الخصائص، ولذلك كانت الدولة تحصن منتسبيها وتوجههم بشكل مستمر وتعمق فيهم حب الوطن والشعب والإخلاص لهما وتنبههم قبل أن يرتكبوا المعاصي، مثلما تحرص على محاسبة أي مسيئ  بتنفيذ القوانين ،ولذلك لم تظهر في تلك الحقب جرائم الفساد والرشى وسرقة المال العام ،كما لم يشهد العراق طيلة الفترة من 1921 حتى 2003 انتشار المخدرات والانحدار الأخلاقي وجرائم الجنس ، وكارثة العنف والبطالة والفقر فحسب  بل ومنظومة القيم والأخلاق والأعراف والتقاليد  وفقدان الثقة بالمجتمع وانسلاخ المواطن عن مواطنته اضطراب القيم الأسرية والضوابط الاجتماعية و نسب الطلاق مرعبة وتخلف وتراجع المؤسسات التربوية والتعليمية وعمليات الاغتيال للعلماء والكفاءات وأساتذة الجامعات،ناهيك عن التفكك الوطني بألمقاييس الطائفية السياسية والعرقية القومية العلنية والمبطنة،التي تمارس علنا من قبل السلطات التي فرضها الاحتلال على الشعب العراقي، فما معنى ان رئيس وزراء نصبه الاحتلال يتنازل عن محافظات بعينها لكرهه لاهلها واتهامهم بأنهم قومجية او أن انتمائهم الطائفي لايروق له او يتبرمك بمحافظة اخرى كعربون محبة  لحلفائه من اجل دعمه في ولاية جديدة،او رؤساء وزراء لايعرفون من اين تأتي مياة دجلة والفرات، وآخر يلغي ويزيل من كل التاريخ البشري معلومات حفظتها امم وشعوب العالم من ان العراق هو اقدم حضارة عرفتها البشرية،منذ اكثر من عشرة الاف سنة قبل الميلاد، ونحن من اخترعنا الكتابة والعلوم واخترعنا الصابون والعطور ووووووالخ،فهل يصح لمثل هؤلاء الجهله والحاقدين والمرضى والفاسدين والقتلة ان يتناوبوا بأرادة المحتلين على حكم اذكى واغنى واكرم شعوب الارض ، أليست هذه اكبر جرائم العصر؟.

اللا دولة بعد الاحتلال

اصبح العراق أخطر بلد في العالم، فيه أكبر عدد سجون ومعتقلات في العالم هذا طبعا عدا السجون السرية التي لايعرف عنها احد، نسبة التعذيب في المعتقلات الحكومية والتابعة للمليشيات 100%، استمرار الاعتقالات العشوائية،أكثر من ربع العراقيين أصبحوا لاجئين داخل بلادهم وخارجها،  اربعة ملايين أرملة و خمس ملايين يتيم و500 ألف مشرد ،أكثر من 70% من بنات ونساء العراق أصبحن خارج نطاق التعليم،ظاهرة بيع النساء والأطفال،تجارة الأعضاء البشرية،عودة الأمية بعد أن تم انهائها قبل 1990،انتشار الأوبئة والامراض بشكل غير مسبوق لاسيما التي سبق للعراق أن تخلص منها قبل 2003 ومنها الإيدز الذي لم يكن موجودا بين العراقيين وتشير التقديرات إلى أن عدد المصابين تجاوز مائتي ألف مصاب،العراق صنف عالميا بأكثر دول العالم فسادا ولا يتوفر فيه أبسط مقومات الأمن والأمان، أن نسبة 78% من العراقيين يفتقر إلى ماء الشرب النظيف، وان نسبة 47 % تعيش على أقل من دولار واحد في اليوم الواحد، وأن نصف السكان يحتاجون إلى مساعدات طارئة،وأن نسبة كبيرة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وسوء التغذية بل وانعدامها.

ومقابل كل هذه الكوارث التي خلقها الاحتلال ودولته المتهرئة المنحلة نلاحظ حدوث تشظي سياسي واجتماعي خطيرين في العراق إذ وصل عدد الكيانات السياسية إلى 550 كيانا وحزبا ووجود 11400 منظمة مجتمع مدني، و126 شركة أمنية بجانب 43 جهاز ميليشيا مسلحة تابعا للأحزاب السياسية والدينية، و220 صحيفة وجريدة ممولة من قبل جهات خارجية، ووجود 45 قناة تلفزيونية تابعة لجهات حكومية وشخصيات سياسية ودينية ورجال أعمال وإعلاميين، و67 محطة إذاعية، والقسم الأكبر منها يتم الصرف عليها من قبل أجهزة مخابرات ودول أجنبية.

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.