ثروة أباظة يدون بإجمال لسيرة طه حسين

عراق العروبة
2021-09-21T00:27:01+02:00
ثقافة وأدب
20 فبراير 2021
ثروة أباظة يدون بإجمال لسيرة طه حسين

ثروة أباظة يدون بإجمال لسيرة طه حسين

عراق العروبة

مهدي شاكر العبيدي

ثروة أباظة يدون بإجمال لسيرة طه حسين

ثروة أباظة روائي مصري سليل أسرة عريقة في الأدب والفكر مع شيء من الحرص والإبقاء على التقاليد المتوارثة ، فإن نزعت إلى التجديد فبقدر محدود ، فلا مراء أن رقي أفراد كثار منها إلى المراتب العالية في عهود ما قبل ثورة يوليو، فكان والده الدسوقي أباظة العالم الأديب وزيراً غير مرة على عهد الملك فاروق ، درج على رعاية مصالح الناس ما وسعه شأن كثيرين من المخلصين في الوطن العربي عهد إلى ذمتهم بالمسؤوليات والوجائب ، وهم يجدون أنفسهم وسط زمر من التبابعة والأسباط لمن هم في الصدارة من امتلاك الكلمة النافذة والمشيئة العليا ، ومضى طيب الذكر معدوداً في جيل الرواد من كتاب وادي النيل ومفكريهم على ندرة وإقلال لا يتجاوزها إلى المواصلة والغزارة.

من أبين نتاجات ثروة أباظة رائعته (هارب من الأيام) التي حولت إلى مسلسل تلفزيوني عرضته شاشات التلفزيون في غير حاضرة عربية قبل أكثر من ثلاثة عقود ، وقد حظي هذا الانجاز الروائي الممتع بإعجاب الدكتور طه حسين فكتب نقداً تحليلياً منصفاً لـه وشارحاً مفسراً لبعض رموزه وإشاراته وترتب على ذلك أن تدانت صلاتهما وتوثقت بينهما الأسباب والأواصر لاسيما في السنوات الأخيرة من حياة عميد الأدب العربي حيث دأب الأديب الواعد على زيارته واقتحام عزلته مشاركاً في المحاورات والمساجلات الدائرة في مجلسه بين لداته وعشرائه من أشياخ الثقافة والبيان ، فكان لغيابه وبراحه عن هذه الفانية إحساس لاذع وحاد بالمرارة والألم وشعور بالأسى والفجيعة ما أظنه يفارقه مهما امتدت به الأيام ولم يجد عنه غنى ومندوحة غير أن يهرع إلى كتبه مراجعاً متصفحاً وممحصاً ما احتوته من آراء وقيم وأنظار وفلسفات رام بها إنعاش الحياة العربية في كل مواطن العرب ، كأن ينبذوا الجهل والعماية ، ويعتادوا تقديس حرية الرأي والفكر ويتخذوا العقل دليلاً لهم في كل وجهة ومسألة ، رغم مامني به في غير طور من أطوار حياته من غمز وإرجاف وامتهان لشخصه بفعل كوامن الحسد والغيرة والغلواء ، ونزوعاً إلى مساماته أو منازعته في ما صار إليه من شأن ومنزلة ، هذا إلى استعراض آثاره الطائلة في التأليف والتحقيق و الترجمة وتعدد نشاطاته في مجال الكتابة ، فهو روائي وقاص من طراز فريد ومؤرخ إسلامي كتب في السيرة النبوية وجهاد المسلمين وما أسفر عنه أو انتهى إليه من احتراب وتدابر وتفرق الكلمة إلى هذا اليوم ، بحيث أوجب نزوعهم وتوقهم إلى الألفة والوفاق من أقدم الأزمنة والآماد ، ثم هو كاتب بارع للمقالة الأدبية محيط بأصولها وقواعدها حسبما كتبها أدباء الغرب ، وأن جهد غير واحد لإيجاد أساس لها يعتد به في أدبنا القديم ، ومن آثار الحسن البصري ، رحمه الله ، بالذات.

على أن أكثر ما استفاض الأستاذ ثروة أباظة في شرحه وتشخيصه وأطنب في امتداحه والثناء عليه من اهتمامات طه حسين ومواهبه وخصائصه عبر هذا الكتيب الذي أصدرته دار روز اليوسف ضمن سلسلتها التي توالى إخراجها بين آن وآخر ، هو نقده الموضوعي وأسلوبه المتميز بيسره وسلاسته وعفويته ورشاقته ، بل استحالة أن ينبري أحد لمحاكاته وتقليده ، وهذا ما سبقه في تقريره وتسجيله لعميد الأدب من مزية خدينه وصنوه محمود تيمور قبل أكثر من خمسين عاماً عبر مقالة له نشرها في الهلال.

والجديد الذي استرعى مني التفاتاً ونظراً في كتاب ثروة الموسوم شعاع من طه حسين أنه جاء محتوياً في صفحاته الأخيرة الاثنتين والثلاثين على صور شتى فريدة لعميد الأدب وذويه والمكتبة الكاملة المحيطة بصنوف المعارف والثقافات ، أو المؤرخ المحيي لموروثنا المتشعب الوجوه والألوان ، لاسيما منه الفلسفة العلائية في هذا العصر الذي أحوج إلى شرحها وتفسيرها ودحض المفتريات والأقاويل التي طالت أبا العلاء المعري ونالت منه على غير كنهه وحقيقته ، تتصدرها صورة لوالده الشيخ حسين سلامة الذي كان حاضرا في الجامعة المصرية القديمة، غداة تعيين نجله طه أستاذاً فيها قبل ثورة 1919، وغشي قاعة المحاضرات ليندس بين المجتمعين من الطلاب مستمعاً أول محاضرة لـه في جغرافية الجزيرة العربية، وهو يومئ بيده إلى مواقع الجبال والهضاب ورمال الصحراء المرسومة على الخارطة المعدة من لدن الزوجة الوفية البرة ليهز العقول ويستلفت الأنظار لما يصنعه عمي العيون ويتقاصر عنه ودونه كل أغلف القلب متفتح البصر.

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.