جريمة في وضح النهار

عراق العروبة
2020-12-26T14:49:05+02:00
مقالات وآراء
18 أكتوبر 2020
جريمة في وضح النهار

جريمة في وضح النهار

عراق العروبة

عوني القلمجي

جريمة في وضح النهار

امام اصرار ثوار تشرين على مواصلة ثورتهم، تمضي السلطة العراقية والمليشيات المسلحة، ومجموعات من المرتزقة والساقطين اخلاقيا،  بالتخطيط لارتكاب جريمة جديدة بحق الثوار بمناسبة احتفالاتهم التي ستنطلق بعد اسبوع، وتحديدا يوم الخامس والعشرين من الشهر الحالي.

ويبدو ان صبي ايران مقتدى الصدر، زعيم قائمة سائرون التي تضم بقايا الحزب الشيوعي، أخذ على عاتقه تنفيذ هذه المهمة الغادرة.

و لتبرير الجريمة المرتقبة أطلق الصدر تغريدات عديدة، هدد في إحداها باستخدام القوة العسكرية ضد الثوار، تحت ذريعة ان الثورة انحرفت عن مسارها وأصبحت قيادتها من المندسين والداعشيين والمخربين واصحاب الاجندات الخارجية!!!. ودعا في الاخرى شيوخ العشائر لدعمه ومساندته في تأديب ابنائهم المشاركين في التظاهرات بوصفهم مخربين على حد تعبيره.

ليس هذا فحسب، وإنما ذهب عدد من القياديين التابعين لمقتدى، مثل حاكم الزاملي واحمد صالح العراقي ابعد من ذلك، حيث طعنوا بشرف الثوار ووصفهم باللوطية والحشاشة، ولم تسلم النساء العراقيات المشاركات في الثورة من هذه الاتهامات. في حين ان حذاء ثائر من ثوار تشرين اشرف من كل المتواجدين تحت خيمة العملية السياسية، التي صممها الحاكم المدني للعراق بول بريمر

لم يفعل هؤلاء الشباب شيئا معيبا، وما أتوا فاحشة ليتعرضوا لهذا الظلم والاتهامات والقتل، وإنما ثاروا ضد حكم فاسد ومجرم وعميل، بعد أن طفح بهم الكيل، وفقدوا القدرة على التحمل والصبر. لقد ثاروا من أجل تأمين حياة حرة كريمة، حاله حال بقية الناس في أرجاء المعمورة. واختاروا الطريق السلمي لتحقيق غايتهم النبيلة، واصروا على التمسك به، الى درجة تخلوا فيها عن حقهم المشروع في الدفاع عن النفس، الذي اقرته القوانين الوضعية والشرائع السماوية، على الرغم من سقوط مئات الشهداء وعشرات الالوف من الجرحى.

بالمقابل اثبت هؤلاء الثوار انتمائهم المطلق للعراق، واثبتوا ايضا ان ثورتهم وطنية مستقلة بعيدة عن الاجندات الخارجية، بل وبعيدة عن أي غايات حزبية أو عقائدية. اضافة الى مشاركة كل فئات الشعب العراقي في هذه الثورة، من عمال وفلاحين، وأطباء ومحامين ومهندسين، من معلمين وحرفيين، من الرجال والنساء، من الشباب والكهول، من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية وطلبة الجامعات.. ثورة لم يشهد تاريخ العراق القديم والحديث مثيلا لها.

ثم إن هذه الثورة استمدت مشروعيتها من الظلم الذي وقع على الشعب العراقي، من قبل جميع الحكومات المتعاقبة التي نصبها المحتل الامريكي ووصيفه الإيراني. وكان اخرها الحكومة الجديدة. فبدل أن ينفذ رئيسها مصطفى الكاظمي وعوده الوردية ويحقق مطلبا واحدا من مطالب الثورة، أو يشرع بتوفير قدر بسيط من الخدمات الضرورية، كالماء والكهرباء والامن، مارس ذات الأساليب التي انتهجها رؤساء الحكومات السابقة، بل وتفوق عليهم.

حيث غاص الكاظمي علنا في وحل الخيانة الوطنية، وواصل الليل بالنهار ببيع العراق بالمفرد والجملة. تارة للمحتل الامريكي واخرى لوصيفه الايراني . وعلى البيعة حبة مسك، كما يقال باللهجة العراقية، فقد صادق الكاظمي على استيلاء امارة الكويت على خور عبد الله وبعض الأراضي والقرى في مدينة البصرة، وبناء تركيا لقواعد عسكرية في شمال العراق وفي محيط مدينة الموصل.

ليثبت في نهاية المطاف حقيقة تقول، ان رئيس الحكومة ومهما كانت مواصفاته، لن يتمكن من انجاز اي اصلاح لصالح العراقيين في ظل عملية سياسية، لحمتها أحزاب فاسدة ومليشيات مسلحة ومحاصصة طائفية، وسداها دستور ملغوم وحكومة عميلة وسلطة تشريعية مزورة وقضاء مسيس.

وفق هذا السياق، يمكن التاكيد على ان ثوار تشرين لن يتراجعوا عن مواصلة ثورتهم قبل تحقيق اهدافها، مهما طال الزمن وغلت التضحيات. وفي مقدمة هذه الأهداف اسقاط العملية السياسية واستعادة استقلال العراق وسيادته الوطنية، وطرد القوات الأجنبية، وتقديم هؤلاء الاشرار الى المحاكم لنيل جزائهم العادل جراء الجرائم التي ارتكبوها والاموال التي سرقوها والسيادة التي فرطوا بها. خاصة وان ثوار تشرين تسلحوا بالارادة والعزيمة والشجاعة بما يكفيهم للوقوف بوجه قوة الاشرار العسكرية.

مثلما اصبحوا محصنين ضد وسائل الخداع والتضليل والوعود الكاذبة والاصلاحات الترقيعية، حيث ادركوا بما لا يدع مجالا للشك، بان تغيير هذا الرئيس بذاك، او تدوير الوجوه الكالحة بين عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي لن يجدي نفعا. إذ لم يعد خافيا على الثوار بأن جميع الحكومات المتعاقبة عملاء وخونه.

وخير دليل على ذلك النتائج التي أفرزتها هذه الحكومات على مدى سنين الاحتلال العجاف. حيث الدمار والخراب الشامل، وانتشار الفواحش والجرائم، والعجز التام في تقديم الخدمات والأمن، والتهجير والتفريط بالسيادة وضياع الثروات والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة. 

ان ثورة تشرين العظيمة ليست ابتكارا عراقيا، وانما شانها شان كل الثورات المفصلية التي حفل بها تاريخ الشعوب المضطهدة، التي قررت التحرر من أنظمتها القمعية والعيش بحرية وكرامة. وهي في عمومها تعبير عن قوانين اجتماعية تسري على جميع المجتمعات البشرية، وفي نفس الوقت تحظى بأهمية لدى شعوب العالم ، باعتبارها عملا وطنيا ذا قيمة إنسانية، وموضع تقدير واحترام في كل الأزمنة والظروف.

وحدها القوة الشريرة في السلطة العراقية بميليشياتها المسلحة ترفض هذه الحقيقة، أو لا تريد استيعابها، او حتى الاعتراف بها فيما بينهم، او مع انفسهم، على الرغم من استكمال الثورة شروط انتصارها. حيث أصبحت منظمة وتمتلك برنامجا سياسيا وقيادة تدير شؤونها. وحتى اذا افترضنا بان هولاء الاشرار لازالوا مقتنعين بأن الثورة لازالت حدثا عابرا او انها عفوية ويمكن اخمادها في مهدها، فهذا يدل على جهل مطبق وتخلف فكري وعقلي.

فالتاريخ قدم لنا نماذج عديدة لانتفاضات عفوية، تحولت مع تطور الصراع مع اعدائها الى ثورة منظمة، وأفرزت قيادات كفوءة مثل الثورة الفرنسية العظيمة، وحددت شعاراتها السياسية واختارت الية مناسبة لادارتها، وثمة ثورات او انتفاضات عفوية قامت حديثا وفي أكثر من بلد عربي وحقق بعضها إنجازات مهمة مثل، تونس والجزائر.

فالثورات الشعبية من هذا الوزن، سواء كانت عفوية او منظمة، ليست تظاهرة سلمية للدفاع عن حقوق الانسان او الحيوان، او الحفاظ على البيئة، تبدأ وتنتهي في وقت محدد سلفا، وانما هي فعل ثوري وكفاحي قد يمتد الى وقت طويل، لا بل هي حرب وطنية كبيرة ضد قوى غاشمة أو حكومة عميلة او دكتاتورية، لا تتردد في الدفاع عن مصالحها باستخدام القوة بكل أشكالها العنيفة. ومعركة وطنية كهذه لابد وأن تواجه مثل هذه العقبات واحيانا ترافقها اخفاقات او تراجعات او حتى هزيمة هنا واخرى هناك.

وهذا ينطبق على ثورتنا العملاقة، حيث كانت بدايتها عفوية ثم تطورت مطالبها من مطالب خدمية الى مطالب سياسية، لتنتهي الى ثورة منظمة وذات أهداف وطنية ذات مضامين سياسية جوهرية مثل المطالبة بإسقاط العملية السياسية برمتها واستعادة الوطن المنهوب من مغتصبيه.

بمعنى آخر فان ثورة تشرين جاءت تتويجا للانتفاضات التي سبقتها، والتي كانت أساسها المحنة التي يعاني منها شعبنا طيلة سنين الاحتلال العجاف. حيث  فقد المواطن جميع الخدمات المتصلة بأبسط مقومات الحياة، واتسعت قاعدة الفقر بين الناس وازداد حجم البطالة وإهدار الكرامة وفساد السلطة، والاعتقالات والسجون وممارسة التعذيب ضد جميع المواطنين، في حين لم تظهر في الافق رياح أي تغيير يرتجى منه خيرا، لا في المدى المنظور ولا في المدى البعيد.

لكي لا نطيل أكثر، فعلى الرغم من كل العقبات التي تعترض طريق الانتصار، وعلى الرغم من المؤامرات المحلية والاقليمية المدعومة من قوى الاحتلال، فإن ثورتنا العملاقة قد امتلكت عناصر قوتها ونالت تأييد جميع فئات الشعب العراقي. ومما يعزز فرص نجاح الثورة، السقوط السياسي والاخلاقي لهؤلاء الاشرار، واصرارهم على مواصلة العبث بشؤون البلاد والعباد، وعدم الكف عن ارتكاب الجرائم والسرقات. اضافة الى رفضهم القيام بأي إصلاح مهما كان متواضعا.

الأمر الذي سيدفع كل المظلومين للانضواء تحت لواء الثورة. وتقديم الدعم والإسناد لها. وخير دليل على انتصار الثورة عاجلا ام اجلا، عجز هؤلاء الأشرار عن انهائها، لا بالوسائل العسكرية ولا بأساليب الخداع والتضليل، ولا بركوب موجتها وحرف مسيرتها. فهي غير قابلة للتجيير لصالح أي حزب أو جهة وطنية مهما علا شأنها.

فالثورة تشترط على المساهمين فيها مهما كانت هوياتهم السياسية الوقوف تحت راية شعاراتها، التي اساسها اسقاط الحكومة وعمليتها السياسية ودستورها المفبرك، واقامة حكومة وطنية كفوءة تاخذ على عاتقها طرد بقايا الاحتلال وتصفية النفوذ الفارسي في العراق والعمل على إجراء انتخابات حرة ونزيهة تقرر شكل النظام الذي يختاره الشعب العراقي، بكل قومياته وطبقاته الاجتماعية وفئاته واديانه ومذاهبه المختلفة. 

لقد أثبت الشعب العراقي بثورته الفريدة، انه شعب حر لا ينام على ضيم، ولا يقبل العيش تحت رحمة محتل او غاصب. ولا يقبل بحكومة عميلة او دكتاتورية، بل ويرفض تقديم التنازلات المذلة لاية جهة مهما بلغت من قوة ومن رباط الخيل، مقابل لقمة عيش أو جرعة دواء.

وهذا ما يفسر رفض الثوار التفاوض مع هؤلاء الأشرار، الذين يعتبرونه جريمة لا تغتفر، فهم من أسس فرق الموت، و نهبوا المليارات وشكلوا عصابات اجرامية، تحولت لاحقا الى أحزاب عميلة او تابعة، ومستعدة في الوقت نفسه للتفريط بمستقبل البلاد والعباد.

وبالتالي، لا نتردد في التأكيد على ان ثورة تشرين العملاقة، التي انطلقت قبل عام، ستواصل مسيرتها وستحقق أهدافها كاملة غير منقوصة.

 من مقالات الكاتب1 - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.