ست دقائق من السيادة….. من مذكرات طيار عراقي

عراق العروبة
2021-05-23T21:26:28+02:00
ثقافة وأدب
23 مايو 2021
ست دقائق من السيادة….. من مذكرات طيار عراقي

ست دقائق من السيادة….. من مذكرات طيار عراقي

عراق العروبة

نصار النعيمي

ست دقائق من السيادة….. من مذكرات طيار عراقي

في صيف قائظ من شهر آب من عام 1983، كان الطيار العراقي اسماعيل النقيب أمر، رف طائرات الميك 23 الروسية، يقضي فترة استراحته في داره بسكن الضباط بأحد الدور النيوزلندية الجاهزة التابعة لقاعدة الإمام علي بن ابي طالب في الناصرية. 

أيامها كانت الحرب العراقية الايرانية ستدخل عامها الرابع، في جبهة قتال ومواجهة بين البلدين تبلغ مسافتها 1100كم .قتال مستمر تارة ينقلب الى جحيم وتارة اخرى يصيبه الفتور، تتنقل الهجمات بين الجبهة الشمالية والوسطى وكان تركيز هجمات القوات الايرانية على الجبهة الجنوبية. كان دور سرب اسماعيل يتمثل بالتصدي للطائرات المهاجمة وإسقاطها أو تحجيم دورها أو ابعادها عن الأهداف الحيوية.

في تلك الظهيرة كان إسماعيل يقضي بضع ساعات في البيت يلاعب بناته “هبة الكبرى ذات 4 سنوات و”نور 3 سنوات وهن محلقاتٌ حواله يمازحهن ويستمتع بضحكتهنَ، وبعد فترة وجيزة لاحظ عليهن الضجر والملل من كثرة الجلوس في البيت فقرر أن يأخذهن بنزهة قصيرة إلى مقر السرب، وما أن وصلوا الى مقر السرب 67 وجد دراجة هوائية تابعة لساعي بريد السرب فيها سلة أمامية استعارها من صاحبها، ووضع طفلتيه بسلة الدراجة وسار بهنَ وهن فرحات بشكل لا يصدق، وتجول بهن ونسمات الهواء تداعب شعرهن الذهبي، ووصلوا خط الطيران وتجاوزوه باتجاه موقع الاستعداد الفوري، وسمع الاب صوتاً يناديه واستدار ليرى زميله الطيار شهاب أحمد جاسم وهو قائد تشكيل الإقلاع الفوري الخافر لذلك المساء، قائلا له : اخوية أبو هبة هل من الممكن أن تأخذ مكاني بالاستعداد بدلاً عني لمدة عشرة دقائق للذهاب الى دورة المياه، وافق اسماعيل وجلس ولم يدم جلوسه على الكرسي وبناته بجانبه، واذا بجرس الاقلاع الفوري يرن بعد ثلاثين ثانية نهض اسماعيل من مكانه بسرعة وترك ابنتيه وركض مع زميله رقم 2 ” ملازم أول طيار أحمد باتجاه الطائرتين المعدتين للإقلاع الفوري. وهو يسمع بكاء ابنتيه اللتين تركهما على مسطبة الانتظار، وقلبه يتمزق لفراقهما الذي ربما يكون الأخير، وعقله يقول الكل يهون من أجل سلامة الوطن.

تسلق سلم الطائرة بأعشار الثانية، وجلس في مقصورة الطائرة وضغط على زر التشغيل، وبدأ المحرك بالدوران، وبنفس الوقت يراقب عدادات المحرك وينظر الى أبنتيه يجهشن بالبكاء وعيونهن فاضت بالدموع وهن أول مرة يسمعن صوت محرك الطائرة العالي وما تحدثه من ضوضاء مرعبة، اتصل بالسيطرة الجوية لأخذ الموافقة بالإقلاع، والاهتمام بأبنتيه لحين أن يكتب الله أمراً كان مفعولا، في أخر لحظة يفكر بعائلته ويحصر تفكيره بالواجب المكلف فيه. 

اتصل بالرقم٢ لمعرفة أين وصلت إجراءاته بالتشغيل،  لكنه لم يجبه وألقى نظرة على طائرة زميله وإذا بها قد تعطلت ، كان موقع طائرات الاستعداد يبعد 200 متراً عن بداية المدرج ، أستغرق قطعه لتلك المسافة 30 ثانية، وصل الى بداية المدرج بمفرده ودفع  ضاغطة الوقود الى الامام ليحلق في السماء بأقل من 75 ثانية وكانت عقارب الساعة تشير الى الساعة 6 مساءاً،تم تأمين الاتصال بمسيطر قاطع الدفاع الجوي الثالث، لاستلام التعليمات ووجهة الطيران فكان أول أمر استلمه هو ….. اتجاه 070 ْ ارتفاع 8000 متراً، قام بالدوران الى الاتجاه المطلوب، فكان جواب مسيطر القاطع …… هدف معادي بارتفاع 11 كم … يسير من الجنوب الى الشمال~ يبدو أنها طائرة استطلاعية للتصوير على خط الجبهة، عند سماعه للنداء … قام بزيادة السرعة ونطق الشهادة لأنه مقبل على عملية مواجهة جوية لايعلم ربما كانت كميناً أو مصيدةً للإيقاع به. 

وفتح زر تجهيز الصواريخ لكي يكون مستعداً للإطلاق من دون أن يفتح رادار طائرته و لا يؤشر جهاز التحذير للطائرة المعادية أن هناك طائرة تلاحقها.

وبعد تقربه من فريسته أخبر مسيطر القاطع بأن الهدف مشاهد بصرياً، بدأت المسافة تتقلص 100كم … 90 كم … 80كم وهو يصغي الى نداء المسيطر الجوي دون إجابة وتفكيره منصب للوصول الى الهدف وهو ينقض على فريسته كالصقر الجارح، وعندما وصل الهدف أمامه على بعد 50 كم … ضغط على زر تشغيل رادار طائرته ليمسك الهدف رادرياً … وعند مسافة 30 كم ضغط على زر الاطلاق ، لينطلق الصاروخ ويصطدم بالطائرة المعادية ويحدث شعلة كبيرة من النار. وعلى الفور ناور بطائرته ليتسلق لغاية أرتفاع 18400متراً، خوفا من الاصطدام بشظايا الطائرة المحطمة، واستدار عائداً الى عرينه ليصل القاعد في الساعة  6,12 دقيقة مساءاً، مستغرقاً ست دقائق للوصول وتفجير الطائرة المعادية ومثلها للعودة.

وما ان ترجل من طائرته بسلام وجد زميله النقيب شهاب الذي عانقه بقوة وعاتبه عتاب المحبين بأنه خطف منه فرصة ثمينة، أجابه اسماعيل مبتسماً”

إن الوقت والفرصة لا ينتظران احد، أن لم تستغل الفرصة لن تعود اليك مرة أخرى، ونداء الوطن لا يرد.

ذكريات تختزنها الذاكرة ولا تكاد تغادرها تلك الثواني الحاسمة بل هي أجزاء من الثواني وذلك الانفجار الرهيب ووميض من النار حين أصاب الصاروخ الذي أطلقته من طائرتي يطلقه إسماعيل  بصاروخه على طائرة معادية ويفجر جسدها في السماء بأسرع عملية إسقاط لطائرة في التاريخ ويثبت أن للعراق سيادة، من مذكرات طيار عراقي.

قصة قصيرة بقلم نصار النعيمي: ست دقائق من السيادة….. من مذكرات طيار عراقي

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.