عبد القادر الكيلاني الشاعر الصوفي

عراق العروبة
2021-04-04T01:06:36+02:00
ثقافة وأدب
30 نوفمبر 2020
عبد القادر الكيلاني الشاعر الصوفي

عبد القادر الكيلاني الشاعر الصوفي

عراق العروبة

د . فالح نصيف الكيلاني

عبد القادر الكيلاني الشاعر الصوفي

(في يوم غد  11-ر بيع الثاني – ذكرى  مولد شيخنا وجدنا  الشيخ عبد القادرالكيلاني  وبهذه الممناسبة اكتب عن شعره الصوفي)

ان  من اواصر الصلة التي تربط بين الدين والشعر تتركز في اعتماد كل منهما على الروح الالهام والحدس والتلقي اعتقادا واعتمادا وافرا ابتداءا من اقتناع الانسان الاول بان لكل شيء روحا وهذه الروحية هي ما في الدين من شعر وما في الشعرمن دين او اعتقاد وان الفرق بين الرؤيا الصوفية والرؤيا الشعرية ينبثق من درجة تسامي كل منهما .

لذا نلاحظ في مجال الفناء في العالم والامتزاج فيه لدى الصوفي بحيث تتوحد كل تناقضاته ويغدو عينا شفافة خاليا من التعكر والصراع وربما لايفترض في التجربة الشعرية بلوغ هذا المدى في كل الاحيان الا عند القليل من الشعراء ففي حالات الصفاء والشفافية تقترب رؤى الشعراء من رؤى الصوفية وقد تبلغ مبلغها من السمو والتركيز فتاتي او تجيئ اشعارهم او قصائدهم  كشطحات صوفية جانحة الى الايماء والرمز والغموض واللامعقول .

فالشعرالصوفي هو امتداد لشعر الزهد فقد انحدرا في نهر واحد ثم افترقا قريبا من بعضهما ثم يلتقيان في مصب واحد فشعراء الزهد كانت قصا ئدهم واشعارهم في التقرب الى الله تعالى طمعا في الجنة والجزاء الحسن ومن هنا كان شعرا مليئا بالفاظ التوسل و الرجاء و المناجاة والتحذير من النار وملذات الحياة الدنبا وشهواتها والتذكير بالاخرة والمعاد والحساب  في يوم القيامة .

اما الشعراء الصوفيون فقد نبعت اشعارهم وقصائدهم من هواجس الحب والشوق والوله والعشق لخالقهم لذا اختاروا الالفاظ الغزلية وكلمات الحب الخالص في التعبير عن مكنون انفسهم وافكارهم وما يداخلها من حب وشوق الى الله تعالى وشتان بين الخوف والرهبة وبين الحب والشوق.  فالشاعر الصوفي محب عاشق واله من حيث ان الصوفية في جوهرها وذاتها ضرب من ضروب الحب والوله والفنا ء بالحبيب واليه .

والاسلوب الشعرى هو بنا ء القصيدة من حيث الشكل والمضمون حسا مضمونا وفنا وتخيلا وتصورا واحاسيس ووجدان وعواطف وصورا شعرية ونحوا وبلاغة وموسيقى في كل ما يتطلبه البناء الشعرى للقصيدة وداخل فيها  ابتداءا من مطلعها الى خاتمتها.

والقصائد الكيلانية امتازت بين الطول والقصر فهناك مقطوعات تكونت من بيتين او ثلاثة وقصائد بين عشرات الابيات الى جانب مطولات كانت قمة في الرقي الشعري وخاصة قصيدته العينية التي بلغت 391 بيتا الا ان السمة الجامعة لهذه القصائد اوالمقطوعات انها في التصوف والحب الالهي  .

واللغة الشعرية التي استعملها الشعراء الصوفيون قد اشتملت على الغزل العذرى وما فيه من الفاظ في الحب والشوق والوجد والوله والفناء في داخل المحبوب وقد اضافوا اليها احدى طرق التعبير الصوفي ما ثلة في التلويح او الرمز الشعرى الذى يومىء او يشير به لها ومن خلال هذا الطريق استطاع الشاعر الصوفي التعبير عما يخالجه ويجول بخاطره من عبارات دون الاكتراث بما حوله وقد اكد الشيخ الكيلاني هذه الحقيقة في شعره متخذا من الرمز او الاشارة مسلكا كقوله:

اسراري قراءة مبهمات

مسترة   بارواح    المعاني

فمن فهم الاشارة فليصنها

والا  سوف  يقتل   بالسنان

كحلاج المحبة اذ تبوت له

شمس   الحقيقة   بالتدا ني

وقال انا هو الحق الذى

لا  يغير  ذاته  مر الزما ن

ومن العناية الشعرية جودة الصياغة وحسن اختيار الالفاظ حيث كان دقيقا في اختيار الفاظ شعره في ظل الرمز . يقول من الوافر:

سقاني الحب كاسات الوصال          فقلت لخمرتي نحوي تعالي

او في قصيدته البائية من البحر الكامل و التي مطلعها:

مافي الصبابة منهل مستعذب

الا ولي  فيه  الالذ   الاطيب

فقد استعمل الالفاظ السهلة وانتقى الكلمات الحلوة التي تبين ما يتمتع به الشاعر من قوة والهام في الاختيار والتعبير والشاعرية الفذة بالفاظ سهلة مالوفة البسها ثوبا جديدا قشيبا يتلون بالوان وهج القصيدة واحاسيسها وأوقعها بين الرقة والعذوبة والخطابية . هذه الكلمات الحلوة التي تبين ما يتمتع به فقد استعمل الالفاظ السهلة وانتقاء الخطاب الرائع لذا جاء شعره رقيق الحواشى جميلها رمزيا في بعض منها يقول:-

لاخمرة الا خمورى في الهوى

ولا غرام الا من تصاعد  زفرتي

اما الموسيقى الشعرية فانها تنبع من احساس الشاعر وما يتأجج في نفسه من احوال ومواجيد وقد ارتبط بالموسيقى مظهران اساسيان واضح من وعائهما وهما الاوزان والقوافي، ففي مجال الاوزان الشعرية – والوزن هو القالب الموسيقي يعتمده اسلوب الشعر العربي او هو مصطلح الايقاع واللحن الحادث من تجمع اصوات الحروف وتجاوبها مع بعضها تنسيقا واداءا مع الصياغة من خلال انتقا ء الشاعر لها – ونلاحظ ان الشيخ قدس سره قد اختار لقصائده الاوزان ذات النغمات الطويلة والمؤثرة في المتلقي لذا جاءت  قصائده تسبح في بحار الطويل والبسيط والكامل والوافر .

اما القوافي فانها تنطوي على تقدير الاتصال بين ابيات القصيدة الواحدة وتبرز اهميتها من خلال الاتصال والتناسق مع الاوزان الشعرية والانسجام بينهما بحيث نجد في شعر الكيلاني معظم قوافيه جاء كذلك منسجما مع الوزن بحيث تشكل جرسا موسيقيا عذبا متألقا متصاعدا تتفاعل معه العواطف المتلقية حتى تصل الى الانبهار في بعضها.

اما فى موضوع الفنون الشعرية فاقول ان الصوفي ولد في احضان حركة الزهد الاسلامي وتطور من خلالها والشعر الصوفي ولد في رحم التيار العام للشعر الديني او شعرالزهد  في الاسلام وترعرع فيه وقد عبر الشعر الصوفي بامانة عن مختلف النوازع الصوفية كالاعراض عن الدنيا والزهد فيها والاخلاد الى القناعة والرضا بفضل الله تعالى والصبر عند النوازل والشكر لنعم الله تعالى والتوكل عليه في السراء والضراء وفي مقامات الصوفية وحقيقتها نلحظ نهوض القلب في طلب الحق عزوجل والمقام عندهم مقام العبد بين يدي الله تعالى فيما يأتيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع اليه تعالى مع فرض الاتيان بكل التكاليف الشرعيه والتاكيد على الديمومة عليها. وكل هذه النوازع والسبل اليها نجده ثابتا في ادب الشيخ الجيلاني في نثره وشعره والصورة الفنية هي اللمحة والحالة الني يسجلها الشاعر وما يتمثل به من احساس وادراك للوصول الى ما تسمو اليه شاعريته ويروم تسجيله بحالة انصع واسمى . والصورة الشعرية قمة خيال الشاعر فهي بحر يسبح فيه وسماء يعرج فيها وارض يتنزه عليها وفيها .والصورة الشعرية الفنية في شعر الجيلاني قدس سره نجدها واضحة جلية في قصائده ومقطوعاته الشعرية تشمخ من خلال دراسة هذه القصائد ونستطيع ان نلمس ذلك في الفنون الشعرية التي طرقها وانشد فيها فكانت فنونا شعرية واغراضا مقصودة  لا يختلف في مكانته الفنية عن ترنيمات المحبين  مايلي ومنها مايلي:

1- الفخر الصوفي

اتجه شعر الجيلاني قدس سره وجهة متميزة قد اختلفت عن مسالك الفخر المعروف فلم نجد فيه مديحا للملوك والامراء والاشخاص ولم يقصد فيه الى التباهي والتفاخر والتعظيم بما يملك او بما كان له من مآثر الاجداد والامجاد انما نجده ينبع من عقيدته ومنزلته الدينية وما يفرضه عليه الحدود الدينية التي وصل اليها في العبادة وفي حب الله تعالى فيقول من البحر الطويل:

مافي الصبابة منهل مستعذب

الا ولي   فيه  الالذ  الاطيب

اوفي الوصال مكانة مخصوصة

الا و منزلتي  اعز  واقرب

وهبت لي الايام ر ونق صفوها

فغلت  مناهلها    وطاب المشرب

اضحت جيوش الحب تحت مشيئتي

طوعا  ومهما  رمته لا يغرب

ومن الصور الفنية الجميلة في شعره اعتماده اسلوب التشبيه بحيث يشبه المحسوسات ببعضها، حيث يشبه محسوسا باخر محسوس مثله او معنوي ينبثق من محسوس مثله قال:-

اضحى الزمان كحلة مرقومة

تزهو ونحن لها الطراز المذهب

وله في هذا الباب اشعار يفتخر بنسبه الشريف كونه سليل الدوحة المحمدية  المباركة  يقول:

محمد الرسول  للخلق  رحمة

وجاهد  في  كفارهم  بالقواضب

اتاني مرارا قبل عهدي وقال لي

انا جدك افخر  بي  كفخرالمخاطب

امامي رسول الله جدي وقدوتي

وعهدي من  بحقه وهي مطالبي

2- السكر اوالخمرة الالهية –

السكر والصحو من اظهر الاحوال الصوفية واخصها

وقد اختلف المشايخ ايها افضل وأليق بالصوفي لذا فاضت الاقوال المأ ثورة بالتعبيرعن الفناء والغيبة والسكرو ما الى ذلك مما يشير الى ان الصوفي كان في اغلب احواله ماخوذا مشغولا عن نفسه وعن كل ما سوى الله بالله وحده .

السكر الصوفي هو تلك النشوة العارمة التي تفيض بها نفس الصوفي وقد امتلات بحب الله تعالى حتى غدت قريبة كل القرب. فالسكر الصوفي  ليس شرابا او خمرا يدير الراس او  يثقل الحواس  فيضرب غشا وة علي القلب بل هو احساس يوقظ النفس وينعش الوجدان ويجلو عين البصيرة في نظرالصوفية – فتفتح امام القلب افاقا  للروح  في هذه العوالم الجذابة الشائقة بحيث تستولي تجليات الحبيب على قلب الصوفي فلا يشهد ولا يشاهد سوى الحق سبحانه وتعالى لان حضور الحبيب في القلب هو محور لشعوره بذاته وبما حوله وقد يصل الى درجة صفاء الوجد وتصافيه وعندئذ يحل والوجود الشهودي محل الوجود الوجودي نتيجة لذلك  وهذه الدرجة من الحب الالهي وما يشعر به الصوفي العارف تجاه خالقه وما يحس به من شعور ازاء جمال من يحب المنزه عن الجمال الدنيوى تظهر حالات النشوة والتي هي حالات السكر المشابه في اثاره الى حد بعيد حالات السكر الخمري وهذه الحالة علامة الصدق في الحب في ذلك.

يقول الشيخ عمر السهروردي:

(المحب شرفه ان تلحقه سكرات المحبة فان لم يكن ذلك لم يكن حبه حقيقة)-

ومن هنا نجد شعر الجيلاني قدس سره قد ملئ

بالخمريا ت الالهية  حيث انها مزجت بدمه فتنبعث  من  روحه

وقلبه  وعواطفه لاحظ اليه يقول:

حد يثها من قديم العهد في اذني

فخلني من حديث

الحادث الفاني

قديمة مزجت روحي بها ودمي

وهي الاتي لم تزل

روحي وريحاني

انا النديم الذي تم السرور به

من كان يعشق رب

الجا ن يهواني

وتعشق الراح مني حين اشربها

ويسكر السكر مني حين

يغشاني

أي تعبير مبدع حاذق هذا، واية صورة فنية خالدة لحالة السكر الالهي فالراح هي التي تعشقه والسكر هو الذي به يسكر وخمرته ليس هذه الخمور الدنيوية وليست نشوته نشوتهم فهي نشوة ازلية ابدية يعني بها التحدث بذكر الله تعالى في السر الخفي الذي رادف السر والنور المحمدي وفيها يتشوق الشيخ قدس سره الى الذا ت العلية وحبيبه الذى يراه في كؤوس الخمر الا لهية يقول:-

سقاني حبيبي من شراب ذوي المجد

فاسكرني

حقا فغبت على وجدي

وحالة السكر هذه لا تكون الا لاصحاب المواجيد فهي حالة متأتية من النظرالى الحق  تعالى  وفيه بعين القلب مستأنسا بالمشاهدة والحب والجمال الالهي في ظل النشوة العظيمة التي يشعر بها وقد تسمى هذه الحالة شطحا وهي حالة فيض وجد فاض بقوته وزخمه وهاج لشدته وغليانه وغلبته .والشطح عند الصوفيه من الحركة انها حركة اسرار الواجدين . فالصوفي عندما يقوى وجده ولا يطيق حمل ما يرد على قلبه من سطوة انوار الحقائق الالهية  فيسطع  ذلك على لسانه  بعبارات مستغربة على مفهوم سامعها الا اذا كان من العارفين متبحرا في العلوم واستطيع تمثيل حالة الفيض بدلو ملىء بالما ء ووضع تحت سيل يصب فيه فكلما كان السيل قويا كان الفيض مثله وهذه حالة لا يستطيع ادراك قوتها الا من دخل فيها واحسها بصدق .انظر اليه يقول \–من البسيط –

لي همة بعضها يعلو على الهمم

ولي

هوى قبل خلق اللوح والقلم

ولي حبيب بلا كيف ولا مثل

ولي مقام ولي ربع ولي حرم

القادرية فرسان معربدة

بين

الانام وسري شاع في القدم

عصف

البحار وقد اظهرت جوهرها

فلم ار قدما تعلو على

قدمي

فهي تاتي جراء هيمانه ووجده ويتصور ان

همته تعلو على جميع الهمم الاخرى ووجده قبل خلق اللوح والقلم وان الله تعالى منزه

عن الكيفية والمثلية – ((ليس كمثله شىء وهوالسميع البصير)- سورة الشورى الاية \11

ويشير الى ان مقامه محفوظ ومحارمه مصانة. ويشبه من تبعه من السالكين طريقته وسلوكه كالفرسان الذين لهم من البأس والقوة فأذاع شهرته وعلت منزلته بين العالمين ومع كل هذا وذاك وفي حالتي الصحو اوالسكر نجد نكران الذات لدى الصوفي تنبع من هجره ملذات الحيا ة والانشغال بذكرالله مما يشع من روحه الصفاء من الكدر والانانية ويجعلها تفيض بالمحبة الخالصة الصافية في سمو من الاخلاق امتثالا للحديث القدسي:

(المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء –)

3-الحب الالهي:

ويعتبر الحب

الالهي حجر الزاوية في الرؤية الصوفية وهو الذى اخرج الكون من العدم والارادة، فمحبة الحق تعالى للعبد ارادته لانعام مخصوص عليه وهي حالة تلاحظ في قلبه بلطف من العبارة وقد تحمله هذه الحالة على التعظيم له وايثار رضاه تعالى  وقلة الصبر عنه وللاهتياج اليه وعدم القرار من دونه مع وجود الاستيناس بدوام ذكره له بقلبه لقد وردت كلمة ( الحب) في القران الكريم في عدة مواضع مما يدل على انها تعني عاطفة صافية من الله تعالى نحو عبده غرسها فيه واخرى صاعدة من العبد نحو ربه حالة متبادلة بين العبد وربه فالمحبة منه اليه اودع بذورها قلوب محبيه وان الروح فيض منه تعالى وهبة منه اليهم فالحب تعبيرعن وفاء الروح لخالقها وليس جميع الارواح قادرة على الوفاء بالحب عن منة الله اليها .

لذا اصبح اهل المحبة مخصوصين بهذه النعمة اصطفاهم ربهم عن سائر خلقه وقد تصل درجة المحبة فيهم الى حد الوجد فتكون مكاشفات من الحق تعالى تثير الزفير والشهيق والبكاء والانين والصعقة والصيحة وربما الصراخ ويكون ذلك اذا انقطعت الاسباب وخلص الذكر وحي القلب ورق وصفى وغرست فيه الموعظة والذكر فانبتت واورقت واثمرت وحل الذكر من المناجاة في محل قريب وخوطب فسمع الخطاب باذن واعية وقلب شاهد وسر طاهر فشاهد ما كان  فيه .

ان التصوف بني على الحب الصادق العفيف فهو سمة بارزة للتصوف التزمه الصوفيون ايمانا بقدسيته حيث ورد كما اشرنا انفا في المصحف الشريف:

(قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )

وفي احاديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  ورد الحب بها كثيرا:

(اللهم اني اسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك)

والصوفييون يعتبرون اعمالهم تقربهم الى محبة الله تعالى لذا اصبح الحب الصوفي حبا صادقا تتعلق الروح فيه بالحضرة الالهية ومنها ظهر تاثر الشعراء الصوفيين بشعرا ء الحب العذري وتمثلوا بالفاظهم ومواجيدهم وتغنوا بالذات الالهية . وقد تبين بجلاء تام في شعر الشيخ الجيلاني قدس سره يقول في قصيدته العينية  الطويلة:

فؤا د به  شمس  المحبه  طالع

وليس  لنجم  العذل  فيه  مواقع

ومن علائم الحب الالهي الانس وهو اقرار المشاهدة لجمال الحضرة الالهية في القلب وهذا جما ل الجلال وفيه يتجلي الشيخ قدس سره وكانه في حضرة التقريب مستأنسا بوجوده مع الحق تعالى وقد تحققت عبوديته له ووصل الى المقام الاعلى وهنا ليس للصبر مع العبد اختيار ولا ارادة بل يصل الى درجة الفناء فيه وقد اتخذ الفناء في شعر الجيلا ني قدس سره مايفصح عن كيفية هذا وتمكينه في هذا الحب منه من افناء ذاته واتحادهما في موضوعاتهما بتشويق ازلي في توكيد الذات واثباتها حيث يقول من الطويل:

تمكن مني الحب فامتحق الحشا

واتلفني

الوجد الشديد المنازع

وقد فتكت روحي تقارعه الهوى

وافنيت في

نجو ى بما انا فازع

تلذ لي الايام اذ انت مسقمي

وان تمتحني

فهي عندي صنايع

ان ذكر الله تعالى والدوام عليه في ثنايا

هذا الحب العظيم  وتوكيد الاتصال الالهي

الذي يشعر به اتجاه من يحب ليشير الى المنزلة العظيمة التي تحاول التقرب منها دائما ومن هنا يتبين ان الحب الالهي سر ان افصح عنه عوقب صاحبه بالموت واتهم بالكفر والعصيان وعلى هذا فان الحب الالهي عند الجيلاني قدس سره قد اخذ منحى من قبله من شعراء الصوفية في التكتم والسر وعدم البوح وتحمل مايجده من صبابة ولوعة وشوق ووجد يقول:

فقري اليكم عن الاكوان اغناني

وذكركم

عن جميع الناس انساني

وقد عرفت هواكم واعترفت به

وانكرت

من كان في عرفي وعرفاني

ان جاء جدب فانتم غيث مخمصتي

او

عز خطب فاءنتم عز سلطاني

وان

يكن احد في الناس منصرفا

الى  سواكم  فمالي غيركم ثاني

4- شعر الشكوى والمحنة:

الشعر الزهدي اوالديني والشعر الصوفي رافد من روافده الفذة – اتسم بالشكوى من الحياة اوالدنيا والحنين الى الاخرة والجيلاني قدس سره احد شعراء الصوفية  المطالع  لشعره  او دارسه  يلاحظ  المنهج فيه واضحا .وان كانت الحياة التي احياها بعيدة عن شظف العيش فيما عدا بدايات دخوله بغداد فقد تهيأت له اسباب الحياة ومسبباتها وعاش بين الوجاهة والعبادة  والرئاسة والمجاهدة والدراسة والتدريس والوعظ والحكم و الارشاد وكان فيها جميعا رأسا . ومن عاش مثله لا يشكو الا ان اتجاهه الديني وطريقته الصوفية جعلاه يحن الى خالقه هاجرا كل الدنيا الفانية شاكيا اليه تعالى بعد القرب ولا ا زيد عما ترجمته السيدة ايمان الهداوي في اطروحتها – عبد القادر الجيلاني اديبا – فانه هو ذاته الشكوى: فن شعري قديم قدم الشعر ذاته تعود اصوله الى شعر ما قبل الاسلام وقد عرف الشعر العربي الوانا  من شعر الشكوى منها الشكوى من الناس ومن الحاكمين ومن الزمن ومن ومن…

ومن الاغراض التي وجدناها في شعر الشيخ الجيلاني قدس سره الشكوى لله تعالى والاستغاثة به والتعلق بر حمته فهو يبث شكواه عند الضيق لخالقه تعالى فهو ميسر لكل معسر او  صعب.  يقول في قصيدته الرائية:

اذا ضاق حالي اشتكيت لخالقي

قدير

على  تيسير كل عسير

فما بين اطباق الجفون وحلها

انجبار   كسير   وانفكاك اسير

لقد ابدع الشعر في تصوير القدرة الالهية بانطباق الجفون وحلها

قال تعالى: (انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون)– سورة يس \

هذا من قبيل التصوير الفني الذى يدفع بموضوعات الشيخ نحو الجدة والابتكار فهو يعتمد الجرس القرآ ني وصوره الفنية .فيقول من البسيط:

يامن

علا قرائ مافي القلوب وما

تحت الثرى

وظلام الليل منسدل

انت

الغياث لمن ضاقت مذاهبه

انت الدليل

لمن حارت به الحيل

انا قصدناك والامال واثقة

والكل

يدعوك ملهو ف و مبتهل

فان عفوت فذو فضل وذوكرم

وان

سطوت فأنت الحكم العدل

وهكذا تجري قصائد الشيخ الجيلاني قدس سره واشعاره في الاستغاثة والشكوى لله تعالى والتعلق برحمته وجوده وكرمه من ذلك قوله:

   وقفت بالباب دهرا   عسى افوز بوصلي

من بان

ترفضني    عبد ببابك من لي

مالي بغيرك شغل      وانت غاية شغلي

ان الوزن الشعري – المجتث – يموج بالكلمات ويجعل منها نشيدا جميلا لا يختلف في مكانته الفنية عن ترنيمات المحبين ومن شعره في هذا المجال قصيدته المخمسة في الرجاء والاستعطاف يقول فيها-

 الهي قد انبت بباب عطفك سائلا

مع  ذلة

والدمع   مني سائلا

وعلمت اني كم سألت مسائلا

حاشا

لجودك ان تجنب سائلا

امازال في احسا ن  عفوك

يطمع

**

ادعوك يارحمن غير مشبه

مستشفعا

بالمصطفى وبولده

فعفو لعبدك ماجنى من ذنبه

يارب ان فرج

فعجل لي به

لم يبق في

قوس التجلد مدفع

***

امير البيان العربي

د.  فالح نصيف الحجية الكيلاني

العراق – ديالى  – بلد روز

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.