لماذا يموت الشعراء مبكرا؟!!

عراق العروبة
ثقافة وأدب
2 مارس 2021
لماذا يموت الشعراء مبكرا؟!!

لماذا يموت الشعراء مبكرا؟!!

عراق العروبة

د . صادق السامرائي

لماذا يموت الشعراء مبكرا؟!!

الشعر: للشعر تعريفات متنوعة، وكلٌّ ربما يراه وفقا لما يبصره منه، لكنه “كلام خالد”، أو “كلام موزون مقفى قصدا”، أو “كلام بليغ مسجوع يجري على نهج الشعر في التخيل والتأثير دون الوزن”

الشعراء: جمع شاعر، الذين يكتبون الشعر.

لو رجعنا إلى منحنى الإنتشار الطبيعي، وركزنا على النسبة حول المعدل لتبين أن  أكثر من (70%) من الشعراء ربما يموتون مبكرا، وهناك نسبة تزيد على (2.5%) لا تنطبق عليهم الظاهرة.

وهذه محاولة للبحث في أسباب الموت المبكر الذي يصيب الشعراء، وهي مبنية على الملاحظة والمتابعة، وقد لا يتفق معها مَن يرى غير ذلك.

أولا: الإنفعالات

الطاقة الإنفعالية لدى الشعراء عالية، وتستنزف طاقاتهم وتؤذي قلوبهم، والكثيرون  يكتبون عندما يتأججون عاطفيا ويبلغون ذروة إنفعالاتهم، التي يجتهدون للتعبير عنها بالكلمات، مما يزيد من الجهد المبذول والأذى الغير منظور على أبدانهم.

والذين أعرفهم لا يكتبون من غير لهيب عاطفي، ولهذا يقولون بأنهم ليسوا في مزاج كتابة القصيدة، وكان لي صديق كنت  أحسبه سيموت عندما يلد القصيدة كما تلد المرأة، وأحيانا أحس به وكأنه في حالة عسر ولادة، فيفقد قدرته على الوقوف، ويُصاب بالغثيان وبنوبات من الغيبوبة الخفيفة، وبسبب هذه التفاعلات أصيب بداء السكر وتراكمت عليه مضاعفاته حتى داهمته المنية.

ثانيا: التدخين

الشعراء يدخنون، ومن النادر أن تجد شاعرا لا يدخن، وللنيكوتين دوره التحفيزي والإدماني بإطلاقه مادة الدوبامين، الذي يؤهل الشاعر للشعور بالنشوة والتهيؤ للإبداع، والشعراء يدخنون بإفراط، وتقترن عندهم الكتابة بالدخان، فهذا يولع سكارته، وذاك يشعل سيكاره، وغيرهم قد يدخن أشياء أخرى!!

ومعظم الشعراء يصابون بأمراض الجهاز التنفسي، كالربو والتهاب القصبات، وغيرها من الأمراض المزمنة التي تدمر الرئتين.

ومن الصعب عزوف الشعراء عن التدخين، لأن هناك إقران ما بين كتابة الشعر وإستحواذ النيكوتين على أدمغتهم.

والنيكوتين مادة سامة منبهة للخلايا الدماغية، ومعظم الشعراء مدمنون عليه مما يجعل إقلاعهم عن التدخين أمرا صعبا، وبسبب إقرانه بالإبداع فأن إقلاع الشعراء عن التدخين يكون من أعسر الأمور.

ثالثا: الخمر

الشعر والخمر متلازمان، وكأنك إن قلت فلان شاعر فأنك قلت أنه يتناول الخمر، والعجيب في الأمر أن العديد من الشعراء ما أن يجلس لكتابة الشعر، إلا ووجد نفسه مجالسا لقنينة الخمر.

كان لي صديق أستاذ يرى بأنه شاعر، ويأتيني بقصيدة بين آونة وأخرى، وعندما أراجعها أقول له أنها كهذربات مخمور، فينزعج، ويقول : أ تريدني أن أكتب شعرا بلا خمر!!

الشعر والخمر لا ينفصلان!!

والكثير من مرضاي المدمنين على الخمر يمارسون كتابة الشعر، وكم عاينت في بلدي حالات صعبة من الإدمان لشعراء وفنانين، فالربط بين الخمر والإبداع حالة متواصلة ومكثفة خصوصا عند الشعراء.

ولا يخفى ما لتأثيرات الخمر على الكبد والبنكرياس والدماغ وباقي أعضاء الجسم.

رابعا: الخيالات

الشعراء خياليون وبعيدون عن الواقع، ويحلقون في فضاءات لا رصيد لها فوق التراب الذي تلامسه أقدامهم، وهم مأسورون بالجاذبية الأرضية كغيرهم من المخلوقات، لكنهم يتوهمون التحرر من سطوتها، ويتفاعلون وكأنهم في عالم آخر من التصورات والرؤى.

وبسبب هذا الإنقطاع ينصدمون بصخرة الواقع، فيصابون بأضرار جسيمة ومخاطر وخيمة، تودي بهم إلى مصير صعب وأليم.

ولهذا فأن العديد من الشعراء ينتهون إلى حالة معيشية مزرية، يقاسون فيها خصوصا في أواخر أعمارهم.

خامسا: مناوءة الواقع

العدوانية المتواصلة ما بين الشاعر وواقعه تستنزف طاقاته، وتملأه بالمشاعر السلبية المؤذية التي تؤثر على صحته البدنية والنفسية، فهو رافض لواقعه، ومحلق فوقه، وقد لا يراه كما هو بل كما يبدو له، ويحاول أن يساهم بإنتشاله من قيعان الوجيع الذي يراه، لكنه يُصاب بأوجاع الإحباط والقهر والفشل والإنكسار، فيتجه نحو الرثاء والكتابة بالدماء والدموع.

ولهذا يسود الرثاء في معظم قصائد الشعراء، لأنهم في خصام مع واقعهم، ويعجزون عن التفاعل الإيجابي مع مفرداته، فيطيح بهم، ولا يؤثرون فيه، وتبقى قصائدهم هامشية ، وأصواتهم بلا صدى، وإن أمعنت بالرثاء والبكاء على أطلال التصورات الوهمية.

سادسا: المثالية والنرجسية

كتابة الشعر تمنح الشاعر شعورا غريبا بالمثالية، وتنفخه ليتحول إلى بالون، ما أن تعترضه حتى ينفجر بوجهك، ولهذا من الصعب أن توجِّه نقدا لشاعر، لأنه سيهتاج ويستحضر آليات الدفاع بأجمعها لتأكيد أنه على حق وأنت على باطل، فنقد الشعراء أشبه بالعدوان عليهم، هكذا يفهمونه، وبموجب ذلك يتفاعلون مع النقد.

ويميلون إلى تقبل المديح لأنه يغذي بالونيتهم النفسية وغرورهم، ونرجسيتهم المنتفخة، وهذا يدفع بالكثيرين منهم إلى التوهم بأنهم في مقامات إبداعية معينة، وعلى الناس أن تستمع إليهم وتترنم بكلماتهم، ولا يمكنهم أن يقرؤا ما يكتبونه ببصيرة ناقد.

ولهذا فهم يصابون بعمى إدراكي لما يكتبونه، ويأخذ منهم الوهم مأخذه حتى تجدهم يتطوحون على قارعة الطرقات، لأن الوهم لا يطعم من جوع ولا يأمن من خوف.

سايعا: القسوة على الذات

الشاعر عندما يكتب وكأنه يجلد ذاته ويعصرها ليستخلصها سلاف ما فيها من رحيق الإبداع الذي يراه أصيلا وخالصا ونقيا.

وهذه القسوة الذاتية الإستيلادية تكلف الشاعر عافيته النفسية والعقلية والبدنية، لأنها تطلق الهرمونات المساهمة في إستنفار ما فيه، وتأجيج أعماقه وتحويله إلى موقد ملتهب، يحرق ما فيه من الموجودات، وخصوصا الأعضاء التي يرهقها هذا الجلد الفتاك.

ثامنا: القلب المريض

الشعراء يمتلكون قلوبا مريضة أنهكوها بالعشق والغرام ومطاردة سراب الأحلام، والتحليق في فضاءات الأيام والآلام بلا أجنحة، ولا قدرات حقيقية على الإرتفاع والنظر الموضوعي للأشياء.

فالشعراء يمتلكون حواس غير متوفرة عند غيرهم، وهذه تستحضر حالات لا يستوعبها الآخرون من حولهم، وكأن موضع هذه الحواس في قلوبهم، فهم يبصرون بها، ويدركون ما يتناولونه من موضوعات بواسطتها، وهذه الحالة تتسبب بأمراض متنوعة للقلب، فتجد الشعراء يموتون من أمراض القلب.

فطريقة إستيعاب الشعراء للأحزان والآلام ومقدار تأثرهم بما حولهم يختلف تماما عمّا لدى عامة الناس.

تاسعا: داء السكر

لا أدري لماذا هناك علاقة قوية بين الشعر وداء السكر، ولا يُعرف هل أن الدرجة الإنفعالية للشعراء تتسبب بتعويق عمليات تسرب الكلوكوز إلى الخلايا، أم أنها تؤثر على الجهاز الهضمي والكبد والبنكرياس، وتعيق عمليات إنتاج الإنسولين.

ليست العلاقة واضحة، لكن الحالة الإنفعالية المتوقدة عند الشعراء لها دور في هذا الداء، وليس غريبا أن تجد النسبة العظمى من الشعراء يعانون من مرض السكر.

عاشرا: السرطانات

السرطان ببساطة هو جنون الخلايا، فالخلايا البدنية تصاب بالجنون، وتنطلق في نشاطاتها الإنقسامية وتستحوذ على باقي أعضاء الجسم.

والبعض يرى أن الشعراء من صنف المجانين، وأن هناك علاقة وطيدة بين الشعر والجنون، والكثير من الشعراء الذين يكتبون بلا قيود يمكن قراءة بعض ملامح إضطراب الأفكار فيما يبدعون.

والشاعر يداهمه السرطان، من حيث يدري ولا يدري ومهما كان حذرا فأنه سيصيبه، وكلما أمعن الشاعر بتوطنه في شعره، كلما إقترب منه السرطان.

وهذا لغز محير يحتاج لدراسات وأبحاث!!

حادي عشر: إنهاك البدن وإهماله

الشعراء ينهكون أبدانهم عاطفيا وإنفعاليا، ويهملون العناية بأجسامهم، وكأنهم في حرب معها، فتراهم بلا قدرة على الإعتناء بمظهرهم، وطعامهم وشرابهم، وينسحبون من التفاعل مع مفردات الحياة من حولهم، ويهيمون في فضاءات ما يعتلج في خيالاتهم من رؤى وتصورات.

أي أنهم ي حالة إنقطاعية تساهم في إزاحتهم من دائرة الحياة التي يتحركون فيها.

فهل يهتم الشعراء بأنفسهم؟

وهل يسطيعون الإنفصال عما يكتبونه ويستريحون من وعثاء الإبداع؟

إن معظم الشعراء يقتلون أنفسهم فيما يكتبونه، لأنهم يحسبونه جزء منهم، ويمثلهم، وفي ذلك إنهاك نفسي وفكري وبدني يتصاحب مع تداعيات نفسجسمانية وخيمة.

ثاني عشر: الغرور

أي إنخداع المرء بنفسه وإعجابه بها ورضاه عنها، وغرور النفس تعني شعور خادع بالأهمية.

ومن تداعياته، رفض الإعتراف بالخطأ وتبريره، وعدم تقبل الإختلاف مع الآخرين، ويحسب من لا يحبه عدوه، وإنكار نقاط الفشل والضعف، والغرور ينقص السرور.

وهو إيهام يحمل الإنسان على فعل ما يضره، وحب الإنسان لنفسه بزيادة قد ينتج عنه الكره والحقد.

ويندرج تحت تركيز الإنفعالات وتوجيهها نحو ما يتوهمه من التصورات الذاتية، وبذلك يساهم بإحراق بدنه.

ذات مرة كانت تردني رسائل أسبوعية من أحد الأخوة يطلب رأيِّ فيما يكتبه من قصائد، وترددت كثيرا في إبداء الرأي فهذا ليس من طبعي، وبسبب إلحاحه أشرت بأدب إلى أن هناك خلل بالوزن والقافية في آخر قصيدة وردتني منه، وإذا به ينفجر غاضبا ويرسل رسالة طويلة يبرر فيها ويدافع، وأنها ضرورة شعرية وغيرها، وإدّعى أن رسائله تصلني بالخطأ!!

فالغرور يساهم بإطلاق الهرمونات الضارة بكثافتها وأخواتها، مما يصيب الأجسام بعلل متنوعة إعتمادا على بؤر الضعف التي تتوطنها.

والخلاصة أن الشعراء ربما يموتون قبل أوانهم، ودرجة إنفعاليتهم تحدد أعمارهم، وكذلك عاداتهم وسلوكياتهم المنبثقة من أفكارهم وتصوراتهم.

وهم كغيرهم من الذين تقتلهم مهنهم أو حِرَفهم، فلكل نشاط فوق التراب أضرار جانبية وقد تكون قاسية، وللشعر أضراره على أصحابه!!

و”فوق كل ذي علمٍ عليم”!!

 من مقالات الكاتب 5 - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.