مفهوما الانضباط الحزبي ووحدة الحزب

عراق العروبة
مقالات وآراء
16 أكتوبر 2021
مفهوما الانضباط الحزبي ووحدة الحزب

مفهوما الانضباط الحزبي ووحدة الحزب

عراق العروبة

صلاح المختار

مفهوما الانضباط الحزبي ووحدة الحزب                                                                               

تتشكل هوية الحزب الثوري على وجه العموم من ثلاثة مكونات اساسية، الاول والاهم عقيدته والتي تعد اهم ما في الحزب وعنوان هويته لانها البوصلة الاساسية التي تحدد صواب المواقف او انحرافها، وتتضمن العقيدة المبادئ والاهداف التي يعمل من اجل تحقيقها،والمكون الثاني هو التنظيم القومي وهو الاداة التي تجسد عقيدة الحزب في نضالها وعملها ،وضمن التنظيم تبرز القيمة الجوهرية للالتزام الحزبي والذي يحدد طرقه قانون الحزب الخاص وهو النظام الداخلي،اما المكون الثالث فهو الستراتيجية القومية للحزب والتي تحدد اساليب عمله واهدافه المرحلية، وتوضع ستراتيجيات مرحلية او قطرية بشرط ان لا تتعارض مع الستراتيجية القومية. ومن هذا التوضيح نرى ان العقيدة هي البوصلة والاصل فالحزب يعرّف بهويته وكل حزب لا هوية له تجمع طارئ مثل احزاب العملية السياسية في العراق، والهوية الواضحة من ابرز سمات الاحزاب التاريخية التي تغير المجتمعات والدول نحو الارقي وتخدم اغلبية الناس، وبناء عليه فالهوية هي مصدر الشرعية الاساس وهي التي تحدد قيمة ما يتفرع عنها ولخدمتها  كالنظام الداخلي والالتزام الحزبي.

وبهذا المعنى فضوابط التنظيم والستراتيجية القومية ليستا الا ادوات للاصل وجدت لخدمته وليس ليكون اي منهما حصان طروادة في التأمر على الهوية العقائدية باسمهما،وتلك بديهيات العمل الحزبي. وهنا تبرز الفكرة الجوهرية وهي انه حالما تظهر بوادر تغيير عقيدة الحزب او يقوم البعض بتغيير ستراتيجيته القومية او يستخدم النظام الداخلي بطريقة مناقضة لوظيفته كأن يصبح اداة تصفيات وعزل فان ذلك يؤدي عمليا الى المس بعقيدته وهو ما يدخل الحزب في  ازمة بنية تنوش اسسه التي تسنده وتديمه وهي ازمة مختلفة كليا عن الصراعات الداخلية التي تعد امراضا سطحية.

كيف ذلك ؟ وما هي اشكال التأمر؟

 ان تفكيك الستراتيجية العامة بتغليب الستراتيجية القطرية هو مقدمة حتمية للتأمر على عقيدة الحزب لان تقسيم التنظيم القومي الى اقطار لكل منها ستراتيجية متناقضة مع الستراتيجية القومية يضع السمة القومية للحزب على مسار الموت لانها مبرر وجوده، ويمكن ملاحظة اهم الاساليب التي قرتها المخابرات الامريكية في تنفيذ خطة اجتثاث البعث وهو خطة تغليب المصلحة القطرية على المصلحة القومية للحزب تحت غطاء خطير وهو المثل (ان اهل مكة ادرى بشعابها) وترجم المنحرفون ذلك بالقول بان لكل فرع من فروع الحزب الحق في وضع ستراتيجية خاصة به تحدد عمله حتى وان تعارضت مع الستراتيجية القومية وهو شعار قطري ويفتت هوية الحزب القومية كتمهيد لانهاءه بتفكيك التنظيم القومي عمليا.

وفي احد اجتماعات قيادة الحزب في العراق طرح احد الرفاق العرب مقترح ان تتحول القيادة القومية الى منسق بين القيادات القطرية وان تكون تلك القيادات هي التي تحدد مواقفها وبغض النظر عن توافقها مع الستراتيجية القومية ام لا ، وكان رد القائد الشهيد صدام حسين عليه :(ان مقترحك يا رفيقي سواء علمت او لم تعلم يحول الحزب الى جامعة عربية اخرى وتلك النهاية الحتمية للحزب). ومثل ( اهل مكة ….) يستخدم عمليا لتبرير دعم اسرائيل الشرقية بتبني موقف ترك قيادة كل قطر تقرر موقفها منها وحسب ظروفها ! وذلك يفضي الى التكيف مع خطط اسرائيل الشرقية عبر التعاون المفتوح مع التنظيمات التابعة لها رغم انها تنظيمات معادية كما في حالة البحرين خصوصا جمعية الوفاق،او تجنب فضح جرائم اسرائيل الشرقية ونغولها العرب تحت ستار الخوف من رد فعلها  كما في لبنان خصوصا حزب الله. وحطم هذا المنطق المغرق في الردة ايضا القائد عزة ابراهيم رحمه الله عندما اثير مجددا بعد غزو العراق وطالب احدهم بترك الموقف القومي الواحد وضرورة تبني مواقف في كل قطر تقررها قيادته حتى في القضايا الستراتيجية مثل الموقف من نظام الملالي وحذر الامين العام للحزب رفاق عرب في عدة رسائل من التجاوز على الحزب باقامة علاقة مع اسرائيل الشرقية او التنظيمات التابعة لها او مع النظام السوري كما حصل في الاردن ولبنان والبحرين ،واعتبر ذلك انحرافا يجب التوقف عنه فورا وهذه حقيقة معروفة لكافة الرفاق خصوصا الكوادر المتقدمة .

ان السمة الاساسية للتنظيم القومي هي انه عضوي الطبيعة وذلك اهم ما يميز تنظيم البعث منذ ظهر عن احزاب قومية لكنها كانت قطرية التنظيم كحزب الاستقلال في العراق، وكلمة العضوي تستخدم في البايولوجي للاشارة الى الوحدة المترابطة لاعضاء الجسم فكل منها يعمل وفقا لخصوصيته ولكنها كلها تعمل وهي خاضعة لاوامر عقل الانسان الواحد ولايمكن مثلا ان تطلب من اليد اليمنى ان تصافحك بينما تطلب من الاخرى ان تصفعك! فالتنظيم العضوي مترابط مركزيا وبقوة وكل جزء منه يكمل الجزء الاخر دون اي تناقض في اداء الاعضاء،وهنا نرى كيف ان التنظيم القومي المفكك الصلات يصبح وسيلة اجتثاث البعث

اما التغييرات العقائدية والستراتيجية الاخرى كتبني الليبرالية وترك المقاومة المسلحة والتمسك بالحلول السلمية فقط والمشاركة في التطبيع مع الكيان الصهيوني فهي تضرب الحزب في الصميم: فالليبرالية تصلح لمجتمع متقدم تحكمه قوانين ودستور وهو شرط غائب عندنا، وتحرير فلسطين هو قلب نضال الحزب طوال عقود وحتى وصول خميني للحكم حيث اضيفت قضايا عربية اساسية صارت مثل قضية فلسطين، والمشاركة في حكومة مطبعة انحراف واضح. وهنا ايضا نستحضر ما جرى قبل غزو العراق ففي اجتماع اخر مشترك للقيادتين القومية والقطرية طرح موضوع مشاركة رفاقنا في فلسطين في حكومة محمود عباس، فرد القائد الشهيد صدام حسين بانه لايجوز الاشتراك في حكومة مطبعة مع الكيان الصهيوني حتى وان كنا لاسباب معينة ندعمها كدولة ولكننا كحزب يجب ان نبتعد عن المشاركة في الحكومة الفلسطينية والسبب هو ان المشارك في حكومة يتحمل كافة نتائج مواقفها ما لم يستقيل.لذلك فالاشتراك في حكومة تطبع، ومهما كان تبريره،ليس اجتهادا وانما هو انحراف عقائدي قبل ان يكون ستراتيجيا وكل تبرير له محاولة مخططة للالتفاف على الحزب وتوريطه فيما يتناقض مع صلب عقيدته القومية العضوية.

ماذا عن النظام الداخلي وكيف يمكن ان يكون وسيلة لاجتثاث البعث؟

يتعرض الحزب  كأي منظمة بشرية لاختلافات في الراي والصراع الداخلي والنظام الداخلي وضع لحماية حقوق الحزب والرفاق في ان واحد ولتسهيل نضاله وتوحيد طاقاته، وحريه النقاش وممارسة النقد والنقد الذاتي هما ضمان حل مشاكل الحزب، وعندما تحصر المشاكل في هذا الاطار فان سيادة الالتزام بالنظام الداخلي حتمية ما دام الخلاف قائما  حول قضايا لا تمس  هويه الحزب  بل  تتعلق  بوسائل العمل وكلها لا تشمل الهويه.وهنا يظهر الانضباط الحزبي بصفته الضمانة الأساسية للمحافظة على وحدة الحزب وديمومته.اما اذا قامت جهة قيادية بالتجاوز على النظام الداخلي مع تكرار الادعاء انها تطبقه فانه احد اهم مؤشرات وجود عملية كبيرة يمهد لها باتخاذ قرارات عقابية او اقصائية دون التقيد بالنظام الداخلي وتلك ظاهرة تلفت النظر وبقوة الى وجود شيء خفي ينفذ بخطوات وصولا للهدف المركزي وهو انهاء الحزب بتحويله الى حزب من نوع اخر مختلف تماما عن الاصل، ولهذا فان النظام الداخلي يتحول بيد من يتأمر الى وسيلة لدعم التأمر وضمان منع من يرفض الانحراف من ممارسة دوره المطلوب في النقد والرفض حماية لهوية الحزب. ويجري التضليل بالادعاء بضرورة التقيد بالنظام الداخلي رغم ان من يدعوا لذلك يرفض التقيد به علنا ! مثل نوري المالكي والذي يسمي كتلته كتلة (دولة القانون) رغم انه اكثر من خرق القوانين.

اما اذا كان الخلاف يتعلق بهوية الحزب فان الصوره تختلف لان تغيير الهوية العقائديه يؤدي الى انهاء الحزب،وفي هذه الحالة فان المطلوب الاول هو اعتبار المحافظة على الهوية هو الهدف الاعلى الذي بدونه لا قيمة لبقية مكونات الحزب كالنظام الداخلي، فما فائدة القانون او البندقية لمن مات؟ وماذا نفعل بحزب تغيرت عقيدته ومكوناتها؟ قيمة الحزب تكمن في هويته وليس في اسمه فقط فحافظ اسد غير هوية الحزب وستراتيجيته القومية ولكنه ابقى اسمه للتضليل وصار اطارا للتأمر على سوريا والامة العربية وعلى الحزب في العراق، فنشر الفساد داخل حزبه وخارجه واستخدم الطائفية غطاء للسيطرة على سوريا وتغيير هويتها العربية وهو ما اكمله ابنه بشار الذي غير حتى الشكليات الحزبية وطرح مطلب تغيير اسم الحزب! فهل يوجد بعثي اصيل يمكنه دعم نظام اسد والادعاء بانه بعثي ؟ وكل ذلك جرى تدريجيا كي لا يتصدى الرفاق للمؤامرة.

ما هي اهم الاستنتاجات :

1-ان اهم الادلة على وجود عملية تأمر لانهاء الحزب هي تعطيله الشامل في ظروف تصاعد النضال ووصول الازمة العراقية ذورة تتطلب الحسم ومن يحسم فقط هو الحزب بحكم قدراته البشرية وخبراته النضالية والعسكرية…الخ. فتعطيله التام هدفه الحقيقي منع انتصار الانتفاضة ولايمكن تفسيره الا على انه عمل مدبر لافشال الانتفاضة وهذا وبدون اي شك يخدم من وقعت الانتفاضة من اجل طرده من العراق.

2-عندما يتعلق الصراع داخل الحزب بالهوية فانه صراع بين خطين متناقضين ومن المستحيل التوفيق بينهما وهما خط يعمل لتغيير الهوية العقائدية للحزب عبر خطوات مدروسة تبدأ بالتخلض من القادة والمناضلين الحقيقيين الامناء على عقيدة الحزب وتنصيب امعات (معنى امعات:إمَّع، مَنْ يقول لكل أحدٍ: أنا معك، ولا يثبت على شيء لضعف رأيه شخص إمَّعة) ،وتعمد تفكيك منظمات الحزب في الوطن العربي وعدم حل مشاكلها،ثم تغيير ستراتيجيته القومية بمد الجسور مع الكيان الصهيوني واسرائيل الشرقية وامريكا بقبول خططها وليس على مبدأ التكافؤ،وكل ذلك هدفه تقزيم الحزب، ومقابل ذلك نجد الخط الوطني الاصيل الذي يناضل بلا هوادة من اجل المحافظة على عقيدة الحزب فهو ليس صراع بين القيادات بل هو نضال من اجل المحافظة على هوية الحزب كما وضعها القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله.

3- ان التمسك بالنظام الداخلي عندما يرفض المسؤول الاول عن تطبيقه التقيد به يصبح استخذاء وتماهيا مع خطة تصفية الحزب فالالتزام بالنظام عام وليس هناك من هو مستثنى من التقيد به، والامر يشبه حالة لصوص هاجموك في دارك وفتحوا النيران عليك فليس من المنطقي ان تتركهم يكملون جريمتهم بحجة انك تتمسك بالقانون ولا تلجا للقوة !واجبك يجبرك على استخدام السلاح للدفاع عن نفسك ! لقد وضع النظام الداخلي لحماية الحزب وليس لافناءه، فهو اداة وليس غاية فاذا تمسكت به والطرف الاخر يصفي الحزب دون التمسك به فانك تعد حتما مشاركا معه في جريمة واضحة.

4-عندما يكون الصراع على المواقع الحزبية يمكن فيه التنازل لاحد الاطراف خدمة لمصلحة الحزب وهو امر طبيعي لانه لا يغير هوية الحزب ولا تترتب عليه نتائج تدميرية، ولكن عندما ينفذ مخطط للقضاء على الحزب من داخله نتيجة عمل مخابراتي معادي فان المناضل يكون امام خيارين لاثالث لهما فاما ان يصمت ويسمح بالقضاء على الحزب بتغيير هويته العقائدية، وفي هذه الحالة فانه مشارك في تدمير الحزب وهذه خيانة عظمى وطنية وحزبية في ان واحد، او ان يقاوم ويناضل من اجل المحافظة على الحزب الذي اقسم على الدفاع عنه وحمايته وضحى باغلى ما يملكه من اجله، وهذا يفرض كسر طوق التعتيم الذي يروج المعلومات الزائفة من قبل المتأمرين لعزل قادة وكوادر، فتصبح التوعية واجبا نضاليا مقدسا.

5-ما قيمة وحدة الحزب اذا سيطرت عليه عناصر ووضعته في خدمة الاعداء؟فكما انك تقبل بازالة جزء من كبد ابنك المريض لانقاذ حياته والا سيموت لان الكبد سينمو مجددا وتعود الصحة لابنك كذلك يجب ان نتعامل مع الحزب .في سوريا عندما سار كثير من الحزبيين مع حافظ اسد على اساس خدعة (ان البعث باق حتى لو تغيرت قيادته وبالتالي فان وحدة الحزب تفرض اطاعة اسد)! تذكروا ان شعار حماية وحدة الحزب الذي رفعه حافظ اسد اصبح معولا لتهديم الحزب! فهل يمكن لمناضل حقيقي ان يقبل بوقوع الحزب تحت (رعاية) امريكا او الاسرائليتين الغربية والشرقية ويبقى الحزب هو نفسه كما اسسه القائد عفلق؟ لا مفر من ان يفقد الحزبي بعثيته حالما يصبح تحت تأثير العدو، وهذا ما حصل لحافظ اسد.

Almukhtar44@gmail.com

16-10-2021

مفهوما الانضباط الحزبي ووحدة الحزب

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.