مهزلة الانتخابات المبكرة

عراق العروبة
مقالات وآراء
17 سبتمبر 2021
مهزلة الانتخابات المبكرة

مهزلة الانتخابات المبكرة

عراق العروبة

عوني القلمجي

مهزلة الانتخابات المبكرة

من المؤسف حقا ان تطرق سمعي بين الحين والأخر، أحاديث تنطوي على لغة إيجابية، من قبل بعض الوطنيين، بحق الانتخابات المرتقبة وتعداد فوائدها، وتشجيع الناس على الاشتراك فيها. وكان أكثر ما دفعني لطرق هذا الباب مجددا، هو مطالبة هذا البعض الوطني ثوار تشرين الاشتراك في الانتخابات، تحت ذريعة استثمار تضحياتهم لتغيير العملية السياسية من داخلها. في حين أصبح الحديث عن هذه الانتخابات المرتقبة بالنسبة لعموم العراقيين، موضع سخرية واستهجان كلما ورد ذكرها. بل ان اشرار العملية السياسية أنفسهم، والمرتزقة الذين يطوفون حولهم، قد تخلوا عن توجيه مثل هذه النصائح بالصراحة نفسها، كما كانوا يفعلون في السابق. جراء ما ارتكبوا أشرار عملية المحتل السياسية، من جرائم وسرقات وموبقات، في الصدارة منها الخيانة الوطنية العظمى، ولجأوا بدلا عنها إلى لغة ملتوية تتحدث عن سياسة الأمر الواقع وسياسة فن الممكن وغياب البديل، والى ترويج أكاذيب وقحة عن مشاركة قيادات في ثورة تشرين في الانتخابات، ليتمكنوا من مواصلة مهمتهم بدعوة الناس للاشتراك في الانتخابات، لإضفاء قليل من الشرعية على فوز الوجوه الكالحة ذاتها.

أما ثوار تشرين، فقد ذهبوا أبعد من ذلك، وأعلنوا موقفهم القاطع، ليس ضد هذه الانتخابات فحسب، وإنما اعتبروا المشاركة فيها جريمة شنعاء، لأنها ببساطة شديدة جدا، تشرعن لقتلة أبناء ثورتهم، الذين سيفوزون حتما بالانتخابات، لما يمتلكون من قوة المال والسلاح والسلطة، المقرونة بدعم المحتل الأمريكي ووصيفه الإيراني. خاصة وان ثوار تشرين يعلمون علم اليقين بأن قبول هؤلاء الأشرار بالانتخابات المبكرة والتعديلات التي قاموا بها، ليس الهدف منه تلبية مطالب الثوار، وإنما الالتفاف على هذه المطالب وافراغها من محتواها الثوري، والمحدد بإسقاط العملية السياسية برمتها. وهذا ما يفسر بوضوح رفض ثوار تشرين حكومة عادل عبد المهدي، مثلما رفضوا حكومة مصطفى الكاظمي، فكلاهما تلاميذ نجباء، في مدرسة العمالة والخيانة، وأيضا رفض المشاركة في الانتخابات قبل كتابة جديدة لقانونها وتشكيل مفوضية مستقلة نزيهة للأشراف عليها ومراقبة دولية محايدة، وأهم من ذلك كله، كتابة قانون جديد للأحزاب يحرم مشاركة هؤلاء الأشرار بأية انتخابات تجري سواء هذه الانتخابات، او التي تجري في المستقبل.

بالمقابل فان العراقيين عموما، وليس ثوار تشرين وحدهم، قد تولدت لديهم قناعة راسخة، بان هؤلاء الأشرار، لن يتحركوا قيد انملة الا بأمر من أسيادهم، وما هذه الانتخابات إلا محاولة بمستوى الفضيحة للالتفاف على عدالة الثورة وتأكيد مشروعيتها وحتمية توسع قاعدتها الشعبية. فالأسياد يدركون أكثر من عملائهم خطورة الثورات الشعبية على مستقبل تواجدهم في العراق. وهذا ما يفسر سباق هؤلاء الاشرار مع الزمن، من اجل تجميل وجوههم الكالحة، وترويج أكاذيب وقحة عن مشاركة قيادات في ثورة تشرين في الانتخابات، لإعادة إنتاج أنفسهم مرة أخرى بفوز فاسد ولإضفاء صفة الشرعية على وجودهم في السلطة. 

وفق هذا السياق، لا نجازف إذا قلنا، بأن الذين سيفوزون بهذه الانتخابات هم ذات الوجوه الكالحة، وان نتائجها ستكون نسخة طبق الأصل من الانتخابات التي سبقتها، إن لم تكن اسوأ بكثير. حيث بدأ الصراع على تشكيل الحكومة وتقسيم المغانم قبل الشروع بإجراء الانتخابات، وليس كما كانوا يفعلون في السابق. حيث يبدأ الصراع على تشكيل الكتلة الأكبر للفوز برئاسة الحكومة بعد إعلان نتائج الانتخابات. وأوضح ما يدل على ذلك، تصريحات مقتدى الصدر حين أكد على “إذا لم يحصل التيار الصدري على استحقاقه السياسي من الانتخابات، ولم يحصل على مقاعده الحقيقية في البرلمان، فان الصدر سيلجأ الى الانسحاب من العملية السياسية وسيترك الفرقاء السياسيين، وبهذا الإجراء لن يحصلوا على دولة منتظمة تدعو لروح المواطنة”، مضيفا أن “أي ابتعاد لأي مكون عن العملية السياسية سيسبب خللا في عمل منظومة الحكومة”. ولما لم يجد اذانا صاغية من قبل الاخرين، أصدر قرارا بالانسحاب من الانتخابات، على أمل إخضاع الآخرين للأمر الواقع وإجبارهم على القبول بشروطه إذا تراجع عن قرار الانسحاب.  وهذا ما حدث فعلا.

لم يقتصر الامر عند هذا الحد، بل بدأ هؤلاء الأشرار مسبقا بتوزيع المناصب السيادية، حيث سيكون منصب رئيس الجمهورية من نصيب حزب مسعود البرزاني، بعد ان كان هذا المنصب حكرا على حزب جلال الطالباني، ويحتفظ الحلبوسي بمنصب رئيس مجلس النواب، في حين يمنح مصطفى الكاظمي القريب من التيار الصدري، ولاية ثانية. وحتى إذا جرى تدوير ما في المناصب، فهذا لا يعني تغيرا في سلوكهم المشين مادام الأساس الطائفي للعملية السياسية سيبقى كما هو. 

أما ما يجري من حديث عن القادمين الجدد، وما يتصفون به من وطنية ونزاهة وشرف، وعن إمكانية هؤلاء من تشكيل كتلة قوية داخل البرلمان، تستطيع إصلاح العملية السياسية من داخلها، فهذا ما يثير السخرية. فلقد أكدت الوقائع بان من يرضى ترشيح نفسه للانتخابات، وينفق عشرات الملايين من الدولارات من أجل تحقيق الفوز، لا يهدف الى خدمة ناخبيه، وتحقيق مطالبهم، وإنما يسعى من خلال مقعده في البرلمان، او لاحقا في الحكومة، لان يصبح مليونيرا أو مليارديرا بغمضة عين، خاصة وان هذا المقعد يضمن له عدم محاسبته او مساءلته حتى وفق قانون “من اين لك هذا”. كون هذا المقعد محميا بتعويذة نظام المحاصصة الطائفية والعرقية. على عكس ما يجري تماما في أبسط الدول الديمقراطية. حيث يجري التنافس بين الأحزاب والشخصيات السياسية بأساليب ديمقراطية وحضارية لكسب الأصوات، من خلال عرض برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تصب جميعها في مشاريع، هدفها في الأساس خدمة الناس وتحقيق مزيد من التقدم والرقي لبلدانها. 

أما محاولة حشر العراقيين في سؤال ما البديل، فهذه محاولة بائسة وسخيفة لتقزيم الذات العراقية. فثورة تشرين العظيمة، أجابت عن هذا السؤال إجابة بليغة وموجعة أربكت الأشرار. فلا أحد يستطيع القفز على حقيقة أن الشعوب وقواها الوطنية وثوراتها هي البديل، طال الزمن أم قصر. وشعب العراق له تاريخ مجيد في الثورات ضد المحتل وعملائه، وضد الحكومات الديكتاتورية والعميلة. ومن يعتقد أن هذه الثورة قد انتهت جراء تراجعها لأسباب عديدة، فإنه لفي ضلال مبين. فالثورات لا يعيبها مثل هذا التراجع، فهي ليست جيشا نظاميا إذا كسر هزم. الثورة قوة شعبية تخوض حربا طويلة الأمد، قد تستمر سنين عديدة لتحقيق أهدافها الوطنية المشروعة. وقد مرت كل الثورات الشعبية في العالم بحالة مشابهة، وحققت في نهاية المطاف الانتصار، وحررت شعوبها من عار الاحتلال، وعملائه من شخصيات وتجمعات وحكومات. 

بمعنى أوضح، فالتعثر والتراجع الذي تتصف به ثورات التحرير الشعبية الطويلة الأمد، لا يقلل من شأنها على الاطلاق. ففي نهاية المطاف تنتهي هذه الثورات إلى تحقيق النصر المبين، في حين يكون نصيب المحتلين الهزيمة مهما بلغوا من قوة وجبروت. خصوصا وان ثوار تشرين يتسلحون بإرادة لم يشهد العالم مثيلا لها. والارادة كما يعترف ريتشارد نيكسون، رئيس أكبر قوة امبريالية في العالم، هي السبب في انتصار الفيتناميين على أمريكا. أو كما قال بالحرف الواحد” ان الجيوش، مهما امتلكت من مقومات القوة الفتاكة، تخسر معاركها إذا فقدت ارادة القتال”. وها هي أفغانستان تطرد المحتل الأمريكي بإرادة مقاتليها وبأسلحة بسيطة ومتخلفة. ولا يغير من هذه الحقيقة رفضنا لهذه الحركة، كونها حركة متخلفة وتكفيرية وظلامية ومعادية للحضارة والتقدم. كما لا يغير من إمكانية حصول أمريكا رغم هذه الهزيمة على مكاسب ذات أهمية.

ليس من العدل والإنصاف، بل من المعيب جدا، التخلي عن الثورة، تحت ذريعة تراجعها، أو مرورها في ظروف صعبة، وإنما يتطلب العدل والإنصاف الوقوف الى جانبها والبحث عن أسباب تراجعها، وتقديم مزيد من الدعم والإسناد لها. لقد اثبتت الوقائع، ان اصلاح العملية السياسية من داخلها ضرب من الخيال، سواء عن طريق مقتدى الصدر، او غيره من قوى وأحزاب وشخصيات. مثلما لا يمكن المراهنة على أمريكا أو غيرها من الدول الأجنبية. فأمريكا على وجه الخصوص، لم تأت الى العراق لتخليصه من الدكتاتورية، كما ادعت، وإنما جاءت من أجل تدميره دولة ومجتمعا، من خلال مخطط اعدت له الولايات المتحدة منذ صعود بوش الابن للسلطة. وكان عنوانه الرئيسي احتلال العراق والتعامل معه كمستعمرة امريكية بامتياز، ليشكل لاحقا الحلقة المركزية في مشروع بناء الإمبراطورية الكونية التي ينتهي التاريخ عند أبوابها. ولا يغير من هذه الحقيقة انسحاب القوات الامريكية من العراق، فهي لم تزل تمتلك قواعد وقوات عسكرية و أكبر سفارة في العالم. ومن ينكر ان العراق لم يزل تحت الاحتلال الأمريكي وتابعه الفارسي فهو يجانب الحقيقة في وضح النهار.

نعم أدعو لمقاطعة الانتخابات. حيث المشاركة فيها يشرعن مرة أخرى وجود هؤلاء الأشرار، الذين وقفوا الى جانب المحتل في تنفيذ مخطط تدمير العراق الذي لم ينته بعد.

مهزلة الانتخابات المبكرة

                                                   

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.