مشروع أردوغان الاستعماري في الصومال… هل تفتح له البوابة الأفريقية؟

عراق العروبة
2020-12-23T19:51:35+02:00
مقالات وآراء
22 أكتوبر 2020
مشروع أردوغان الاستعماري في الصومال… هل تفتح له البوابة الأفريقية؟

مشروع أردوغان الاستعماري في الصومال… هل تفتح له البوابة الأفريقية؟

عراق العروبة

*مصطفى قطبي

مشروع أردوغان الاستعماري في الصومال… هل تفتح له البوابة الأفريقية؟

تحوّل تنافس الهيمنة على العالم الإسلامي بين الغرب وقطر، وتركيا، إلى قيام الجميع بزعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها، وساعدوا – كلّ حسب أجندته – الإرهابيين في سورية، وليبيا، واليمن لتنفيذ تلك الأجندات، ويبدو الآن أن الصومال دخلت باب الاستهداف التركي، ما يعني بالضرورة نقل الحروب وصراع الأجندات إلى القرن الإفريقي. 

وتسعى تركيا لإيجاد موطئ قدم لها في القرن الأفريقي، ما يثير الشكوك حول الأطماع السياسية والاستراتيجية لأنقرة في المنطقة، ففي أيلول عام 2017، أنشأت أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج على الإطلاق، في مقديشو عاصمة الصومال، وجاءت القاعدة التركية في الصومال تتويجاً للعلاقات الاقتصادية بين أنقرة ومقديشو في الأعوام الأخيرة، وينظر البعض إلى أطماع تركيا في القرن الأفريقي على أنها إحياء لأحلام العثمانية الجديدة، رغم حقيقة أن الحكومة التركية تستخدم خطاباً عثمانياً جديداً للاستهلاك المحلي، كما تستخدم الهوية الإسلامية في سياستها الخارجية تجاه الدول العربية،

لكن التفسيرات الأيديولوجية لا تفسّر وحدها نشاط تركيا المتزايد في القرن الأفريقي، بل يمكن القول إن دوافع النشاط التركي هناك هي بالدرجة الأولى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لتركيا، إذ لا يمكن فصل المصالح الاقتصادية لأنقرة عن حساباتها الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، إن تركيا تبدو منخرطة في شبكة معقدة من العلاقات في القرن الأفريقي، وتخاطر بعسكرة المنطقة، وللمرة الأولى منذ هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تجد تركيا نفسها متورطة في صراعات جديدة في المنطقة.

الصومال، كونها المدخل الأساسي، ويجري تحويلها إلى المرتكز العسكري والإنساني، من خلال السفارة التركية الضخمة والقاعدة العسكرية، فقد شكّلت منطلق المشروع التركي في القرن الأفريقي، وقاعدة العمليات الأساسية عبر زيارة “أردوغان” إلى مقديشو عام 2011، كأول شخصية رفيعة المستوى من خارج القارة الأفريقية منذ زيارة الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الأب عام 1992، وقد أتى “أردوغان” برفقة زوجته ومستشاريه، رغم المخاطر الأمنية المرتفعة لتأكيد إصرار تركيا على اقتحام الصومال، وتحويلها لاحقاً إلى قاعدة تركية في المنطقة.

ويأتي اختيار الصومال من بين دول المنطقة كونها الأضعف أمنياً، وبالتالي الأعلى مخاطرة لمنافسي تركيا الدوليين من جهة، ولاتساع مساحة العمل الذي يمكن البدء به (مدخل المساعدات الإنسانية)، وأنها الأقل حضوراً للقواعد العسكرية الأجنبية بين جيرانها، ما يُسهّل على تركيا أن تكرّس وجودها العسكري فيها، ضمن المشروع المتكامل في المنطقة.

يسعى “أردوغان” لتصوير نفسه المخلّص الأول للصومال من محنتها، وتطلعه لتعميم نموذج العلاقات معها، حيث قال في منتدى الصومال السادس للشراكة رفيع المستوى في اسطنبول في شباط 2016: “الصومال كانت على شفا الانهيار عام 2011، تقف حالياً على قدميها بجهود تركيا، أصبحت مثالاً للعلاقات التي ترغب تركيا في بنائها مع الدول الأفريقية، وقدمت تركيا خلال 5 سنوات ما قيمته 370 مليون دولار كدعم عيني ونقدي، وقدمت منظمات المجتمع المدني مساعدات بقيمة 100 مليون دولار”.

ما يؤكد توجهات تركيا لجعل الصومال محطة استراتيجية لمد نفوذها هو بناء أكبر سفارة لها في مقديشو بمساحة 47 ألف متر مربع، (أنشأتها شركة البيرق التركية)، وهو ما يذكّر بالسفارة الأمريكية الأضخم في بغداد، حيث من المتوقع أن تتحول السفارة التركية في مقديشو إلى مقر إدارة كافة العمليات التركية في القرن الأفريقي، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إلى جانب القاعدة العسكرية التركية.

وبعد أن نجحت في افتتاح أكبر مجمع سفارة تابعة لها في مقديشو، أقامت تركيا روابط مع عدد من السياسيين البارزين داخل الحكومة الصومالية، وأصبحت تموّل عدداً من المواقع الإخبارية المحلية الرئيسة في البلاد، ويبدو أن النفط والغاز في الصومال باتا يسيلان لعاب الأتراك. 

ومن هذا المنطلق أعلن أردوغان أن بلاده ستبدأ التنقيب عن النفط في المياه الصومالية بدعوة من مقديشو، ومثّل هذا الإعلان علامة جديدة على مساعي أنقرة المستمرة لزيادة تأثيرها خارج حدودها، والتورط في أزمات جديدة، ولفت المراقبون إلى أن تركيا استبقت خطوة التنقيب عن النفط في سواحل الصومال بتدخل متعدد الأوجه، بعضه بوجه عسكري مكشوف، والآخر في شكل دعم اقتصادي وإنساني، وأن عرض السلطات الصومالية على الأتراك التنقيب عن النفط هو بمثابة غطاء شكلي للتغطية على الاستراتيجية التركية الموضوعة سلفاً، والهادفة إلى السيطرة على الصومال واستثمار المزايا التي يوفرها موقعه الاستراتيجي.

وتتخوف أوساط دولية من أن ينتقل هذا النشاط التركي المثير للقلق إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ويستفيد من الصمت الدولي، ويمثل لاحقاً تهديداً جدياً لأمن الملاحة الدولية في منطقة حيوية من العالم.

ويستفيد الأتراك من نفوذ قطر في الصومال، والذي يقوم على استثمار الأموال في شراء ذمم المسؤولين، والتغطية على علاقة الدوحة بجماعات متشددة تقف في الغالب وراء التفجيرات التي تشهدها مقديشو، ومدن صومالية أخرى، كما يستهدف إخلاء الصومال من أي نشاط داعم للاستقرار، سواء أكان عسكرياً أو أمنياً أو اقتصادياً مثل الوجود الأفريقي والكيني والإماراتي في خطة تهدف لإخلاء المكان لصالح الأنشطة القطرية والتركية بالبلاد،

وكانت أنقرة تعوّل كثيراً على استمرارية الصراع الإثيوبي- الاريتري، وسعت في محاولات لإفساد المصالحة التاريخية بين أثيوبيا وأريتريا، وهو ما أكدته وزارة الإعلام الاريترية التي اتهمت تركيا بالقيام بأعمال تخريبية بتمويل قطري هدفها الأساسي، وفق البيان الاريتري، عرقلة عملية السلام.

في بحث نُشِر تحت عنوان “سياسات التغلغل: دوافع أردوغان لإحياء “العثمانية الجديدة” في أفريقيا”، أكد الباحث حمدي عبد الرحمن أن أردوغان يقتفي أثر أسلافه العثمانيين ويتبنّى تنفيذ سياسات “انفتاح” ‏على أفريقيا، إذ أعلن عام 2005 “عاماً أفريقياً”، وزار دولاً إفريقية عديدة. وفي عام 2008، عُقدت قمة التعاون التركية الأفريقية في إسطنبول، لتعزيز العلاقات الاقتصادية، لكن سرعان ما سقط القناع وانكشفت خطط “السلطان”، حيث استغل مناخ الحرب الأهلية، وقام بافتتاح قاعدة عسكرية في الصومال عام 2017.

كما وقّعت تركيا مع السودان في عهد الرئيس عمر البشير عقد إيجار لميناء سواكن، جزيرة سودانية في البحر الأحمر، بادّعاء إعادة تطويره كمنتجع ‏سياحي ‏بتمويل قطري، لكن الخفيّ كان سعي أنقرة لتطويق مصر التي تعاديها. 

والمؤكد لدينا، أنّ الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يغامر بتوريط بلاده في مناطق التوتر تحت مسميات مختلفة مثل رعاية التراث العثماني، وإحياء رموز وأحداث معارك الماضي، أو افتعال “الحق التاريخي” لتسويغ التدخل وفرض الأمر الواقع مثلما يجري في قبرص وليبيا وسورية.

فـ “أردوغان” يسعى للحصول على موقع أكثر تقدماً في العالم الإسلامي، في إطار محاولته المحمومة لتزعّم هذا العالم، وإحياء الروح الحضارية لتركيا “العثمانية الجديدة”، وهو ما يعكس النظرة التركية للقارة الأفريقية، فالعقلية الأردوغانية تحاول بناء علاقاتها مع الدول الأفريقية عبر استحضار التاريخ وإرث الدولة العثمانية،

ويطمع “أردوغان” بالقيام بدور استراتيجي في القرن الأفريقي يعزّز مكانة بلاده العسكرية في عموم الشرق الأوسط، ودولياً، كما يسعى للاستفادة الاقتصادية من دول المنطقة في الوصول إلى هدف خطة 2023، بجعل حجم الدخل القومي التركي الإجمالي 2 تريليون دولار، وخصوصاً مع توقعات اكتشاف الغاز في مياه المنطقة الإقليمية. 

لقد تزايد نفوذ تركيا في الصومال منذ عام 2011، عندما أرسلت شحنات كبيرة من المساعدات خلال المجاعة التي ضربت البلاد، ومنذ ذلك الحين، وبعد زيارة “أردوغان” للصومال، استثمرت بلاده نحو 100 مليون دولار في مشاريع البنية التحتية، وعززت حجم العلاقات التجارية الثنائية إلى 206 مليون دولار في الأشهر الأولى من عام 2010.

ويعمل ميناء مقديشو ومطار المدينة تحت إشراف الشركات التركية، فعلى سبيل المثال، تدير مجموعة “البيرق” ميناء مقديشو منذ أيلول 2014، وهي الشركة التي تمتلك صحيفة “يني شفق” المؤيدة لـ “أردوغان”، وتبحث تركيا عن موانئ وطرق جديدة بأقل تكلفة لتكون معبراً لمنتجاتها وبضائعها إلى أفريقيا ودول الخليج بهدف البحث عن أسواق جديدة، والخروج من عزلتها، أما مطار أدم عبد الله عثمان الذي يطلق عليه مطار مقديشو الدولي، ويمثل أحد الموارد الاقتصادية الحيوية للصومال، فقد تسلّمت شركة Favori التركية إدارة المطار في عام 2013 بعد اتفاقية بينها وبين الحكومة الصومالية.

عسكرياً، افتتحت تركيا معسكر “تركسوم” الذي تحول إلى أكبر قاعدة عسكرية تركية موجودة خارج حدودها في أيلول سنة 2017، وهو يغطي مساحة 400 هكتار من الأراضي الصومالية، يستطيع العسكريون الأتراك المتمركزون هناك، الذين يصل عددهم إلى مائتين، تدريب 1500 جندي صومالي في كل دورة.

ومن أهداف القاعدة التركية، الترويج للصناعات العسكرية التركية، وتحويلها إلى قاعدة مبيعات في شرق أفريقيا، كما تسعى من خلالها لتحديد مناطق نفوذها الاستراتيجي المستقبلي، وإخضاع الحكومات لنفوذها ومشاريعها، إضافة إلى تطلّعها للقيام بدور عسكري في المنطقة (مكافحة القرصنة، الحرب على اليمن، مكافحة الإرهاب).

وتعمل تركيا على فرض نفوذها العسكري والأمني في الصومال من خلال عدة أدوات أخرى، من أبرزها: تقوية أجهزة الأمن والجيش والشرطة، وتدريب عناصرها داخل تركيا، والإسهام في إعادة تشكيل الجيش الصومالي والأجهزة الأمنية، وتدريب عناصرهما، وتوفير التجهيزات اللازمة، ووضع حجر الأساس لمصنع الملابس العسكرية بتمويل كامل من الحكومة التركية في كانون الثاني 2016.

أما في الجانب الاقتصادي، ورغم أن جزءاً من مشاريع تركيا يحمل طابعاً إنسانياً، فيلحظ كذلك أن الرسوم الدراسية في المدارس التركية تبلغ 2500 دولار سنوياً، فيما تخطط تركيا لافتتاح فروع للجامعات التركية في مقديشو لتقليل كلفة نقل الطلاب إلى تركيا، كما أدى التغلغل الاقتصادي التركي إلى تسريح 5000 من موظفي الميناء، وتوقيف 700 شاحنة، بعد تسلّم شركة تركية إدارة الميناء، ما أثّر في معيشة 40 ألف صومالي، حيث تستولي 4 شركات تركية على أبرز الاستثمارات التركية في المؤسسات الصومالية،

هي: “تيكا، البيرق” (بلغت استثماراتها 70 مليون دولار)، “فافوري”، شركة “اسطنبول- مقديشو”، إلى جانب عدد من الشركات المتوسطة والصغيرة التي تتولى أموراً تقنية وخدمية.

ومن أجل توفير حاضنة مجتمعية عمدت تركيا إلى تغيير ثقافي تفرضه طبيعة السياسة التركية (الوصاية) على الصومال، إذ يُلحظ انتشار اللغة التركية على حساب اللغة السواحلية والعربية والانجليزية، وخصوصاً بين الجيل الشاب، وبلغ عدد من يجيد اللغة التركية عام 2014 قرابة 6000 صومالي، حيث تنتشر بوتيرة أسرع مما انتشرت به الايطالية إبان مرحلة الاحتلال، وما يشجّعهم على ذلك، تأمين تركيا فرص عمل لهم في المؤسسات التعليمية والهيئات الإغاثية والشركات الخاصة التركية، وبإشراف السفارة التركية للاستعاضة عن مخاطر جلب العمالة التركية.

كما عمدت تركيا إلى رفع وتيرة تعلّم اللغة التركية من خلال افتتاح معاهد خاصة لتعليمها للكبار، إلى جانب المدارس التركية الخالصة، إذ يخسر الموظفون الحكوميون وظائفهم في المؤسسات التي تديرها تركيا لصالح أولئك الذين يجيدون اللغة التركية، ومن ذلك أيضاً تغيير أسماء مدارس وشوارع ومشاف في مقديشو إلى أسماء تركية.

ويبقى المشروع الاستعماري التركي في الصومال محفوفاً بعدة عوائق وتهديدات وتحديات، يأتي في مقدمتها تهديد حركة الشباب فرع تنظيم القاعدة، والمخاطر الأمنية الناتجة عن عدم الاستقرار السياسي، وتعدّد المصالح الخارجية المنافسة لتركيا، لاسيما دول الخليج العربي المتمثلة في السعودية والإمارات، فضلاً عن مصر التي تتحكم بقناة السويس، ويمكنها منع السفن والبواخر التركية من المرور عبر القناة في حال تحول التنافس بين البلدين إلى مواجهة.

خلاصة الكلام: لا أحد يريد “أردوغان” في الصومال، من قد يكون أمسك البطون من جوعها… فتسلل من ثقوب الشركات التركية لكن... لن تفتح له البوابة الأفريقية… فلا حدود يستغلها لمرتزقته ويضغط بها، ولا ترحيب محلياً ولا حتى أفريقياً… فلا أحد يحب أردوغان… علاقته موتورة مع الجميع… حتى المتطرفون لن يصافحوا قرصان الأخوان بعينه الواحدة نحو أمجاد سلطنته… اختلاف الأيديولوجيات واختراقات الاستخبارات الغربية لها لن تخدم.

..فالتناحر والتنافس بين الاثنين لا شك أنه سيقود إلى تدمير الصومال البائس كما حصل في سورية واليمن وليبيا، وإذا ما زاد العناد على المنافسة الإيديولوجية فقد تؤدي إلى تفاقم الاستقرار الهش في الصومال، وتحوّل البلاد إلى ساحة للمعارك من جديد.

كاتب صحفي من المغرب.

 من مقالات الكاتب1 - عراق العروبة

 

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.