الإنتخابات في العراق حيرة لمن له غيرة
الإنتخابات في العراق حيرة لمن له غيرة
سبق أن نشرت هذا المقال في نيسان عام 2018، ولأن الوضع لم يتغير في واقع المسيرة الإنتخابية اللهم إلا انتفاضة تشرين التي خيبت آمالنا مع الأسف بسلميتها المفرطة، ونأمل أن تخرج الشرارة من تحت رماد المعاناة اليومية للشعب العراقي لتحرق كل الخونة والعملاء والفاسدين، علاوة على الموقف الرائع لأهلنا في محافظة ذي قار (محافظة الكرامة والصمود)، التي منعت المرشحين من رفع أية صورة لهم في المحافظة، وعلقت بدلا عنهم صور شهداء إنتفاضة تشرين الأبرار، نرفع القبعات تقديرا للنشامى والغيارى من أهالينا، ورحم الله شهدائنا تيجان الرأس، والصبر والسلوان لذوي الشهداء الأبرار، ونسأل الله تعالى أن يكون الإنتقام من قتلتهم قريبا.
ـ قال طرفة:
كُلهمُ أروغ من ثعلب … ما أشبه الليلة بالبارحه
من المعروف إن الإنتخابات هي وسيلة بحد ذاتها وليس غاية، فهي الطريق الذي يوصلنا إلى مفرقين متناقضين، إما التقدم للأمام أو التراجع للخلف، إنها الحد الفاصل ما بين التوحد والتشتت، البناء أو الهدم، الحياة السعيدة أو الموت البطيء. وسنتناول أهم العوامل المؤثرة في سير العملية الانتخابية في العراق، ونقيم العمليات السابقة على ضوء مواقف العوامل الرئيسة التي أثرت فيها بشكل مباشر.
مفوضية الإنتخابات
لكي تكون الانتخابات شفافة ومقنعة للمواطن، لا بد من تَحييد المفوضية العليا للإنتخابات من وباء المحاصصة الطائفية، واختيار هيئة رئاسية لها من القضاة النزيهين المتجردين من الميول الطائفية. وعناصر شريفة ووطنية تعمل فيها، لابد أن يكون القضاة مهنيون، أي ذوي خبرة متراكمة، ومشهود لهم بالفضيلة والسمعة الحسنة والأمانة، وأهم منها العدل بإعتبارهم رجال عدول. وكذلك أن يكونوا من المستقلين سياسيا وليس لهم قرابة أو علاقة بالمرشحين. الحقيقة أن القاضي عندما ينتمي الى أي حزب سياسي يسقط مهنيا وأخلاقيا، وحري به أن لا يلبس جبة القضاة. إن الاستقلالية من شأنها أن تؤمن العدل والنزاهة في العملية الإنتخابية في كل مراحلها. وفي المقابل أن تُسن عقوبة شديدة لمن يخون أمانة الشعب بغض النظر عن موقعه في المفوضية، وتعتبر جريمة كالخيانة العظمى مخلة بالشرف. مع مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لمن ينحرف عن بوصلة النزاهة والأمانة. فسرقة أموال الشعب لا تقل إجراما عن سرقة أصواتهم.
الحكومة في الدول الديمقراطية كما هو معروف، تتحمل جزءا غير يسير من مسؤولية توعية الجماهير من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة دون أن ترجح كفتها على بقية الكتل المنافسة باعتبارها تُخضِع كافة المؤسسات الحكومية لسلطانها وتضع يديها على المال العام. ويمكن توعية المواطن من خلال الندوات الجماهيرية العامة، وتوضيح قانون الإنتخابات لاسيما النقاط التي يعسر على المواطن البسيط فهمها، وإستضافة خبراء قانونيين متخصصين لتسليط الأضواء على أهميتها، وتقديم نبذة عن حياة المرشحين وشرح أبعاد برامجهم الإنتخابية وإمكانية تطبيقها على الواقع، ومدى تلبيتها لحاجة المواطنين، وعدم التسقيط السياسي بحجة اجتثاث البعث، واستبعاد الفاسدين والمزورين وإحالتهم الى القضاء، ومراقبة نشاطات المرشحين بالشكل الذي يضمن عدم انتهاك قانون الإنتخابات، أو استغفال المواطنين في الدعاية الإنتخابية، علاوة على عدم تسخير موارد الدولة وأجهزتها القضائية والأمنية والإعلامية لترجيح كفة الأحزاب الحاكمة والحساب الشديد لمن يتعاطى الرشاوى النقدية والعينية، والمساومات والمحسوبية والمنسوبية والوعود الوهمية كالتعيينات للناخبين، والمكافآت لعناصر المفوضية. وقد شهدنا أفعال الحكومات المنتخبة السابقة والدروس الباهظة التي دفعها الشعب العراقي، وهي تتبجح بشرعيتها باعتبارها منتخبة من قبل الشعب، وهذه هي الطامة الكبرى، لأنه لا يمكن إنكار هذه الحقيقة، علم الرغم من عمليات التزوير الهائلة في جميع العمليات الإنتخابية السابقة، لكن الشعب العراقي هو الذي انتخب هذه الطغمة الفاسدة الحاكمة، وهو الذي دنس إصبعه، ولوثه بالحبر البنفسجي، لذا فهو يتحمل الجزء الأكبر مما لحق به ظلم وحيف وفقر وجهل وضيم وتهجير.كما قال أحدهم:
لا تشكو للناس فاسدا انت ناخبه لا ينتخب الفاسد إلا من به عيب
سترتكب جريمة بحق شعبك وستدفع ثمن خطيئتك بلا ريب
يحاول السياسيون شراء ذمم الإعلاميين، ممن يبيع شرفه المهني بأرخص الأثمان. فالسياسي يركض لاهثا وراء الإعلاميين قبل وأثناء الحملات الإنتخابية، يحمل معه سلة من الوعود الكاذبة يوزعها عليهم، ويفتح جيبه بكرم حاتمي، لإقامة الولائم وتوزيع الهدايا والهبات لشراء ذممهم متوكلا على أقلامهم الهشة، وألسنتهم الأجيرة لدعم ترشيحه. والإعلامي بدوره يركض وراء السياسي بعد الإنتخابات عسى أن يترجم له وعوده بمنصب أو مزايا مادية كانت أو معنوية. وغالبا ما يكتشف الإعلامي والناخب أن السياسي عبارة ( بياع كلام ) لا أكثر! وان البشاشة و اللباقة والضيافة والكرم هي وسائل مطلوبة في الصفحة الأولى من الإنتخابات وهي صفحة الدفاع للحصول على المنصب! ولكن بعد الإنتخابات يتحول السياسي إلى صفحة الهجوم على الصحافة، بكل أنواع الأسلحة من دعاوى وإعتقالات وتعذيب ويصل الحال إلى التهديد بالقتل أو ممارسته فعلا. وقد شهدنا الكثير من الاعتداءات الآثمة التى طالت رجال الصحافة والإعلام من قبل المسؤولين وحماياتهم الخاصة، وطردهم من باحة البرلمان بكل جلف وغطرسة، بل أن رئيس الحكومة السابق نوري المالكي وصف إحدى أهم وسائل الإعلام ” بمكب نفايات، ويكفينا معرفة أن العراق الديمقراطي الجديد يحتل الموقع (158) في الترتيب العالمي لحرية الصحافة.
لنقف قليلا عند محطة الإستذكار، ونفكر ما الذي قدمته الحكومة وبرلمان الحجيج السنوي لرجال الصحافة والإعلام أكثر من سراب رغم التضحيات الجسيمة التي تحملها رجالها في سبيل الأماني الضالة؟ وماهي نتيجة التطبيل الإعلامي والتزلف والهمز واللمز لرجال الإعلام، فقد رفعوهم على أكتافهم مهللين بمزاياهم، وطلوهم بأصباغ المجد والرفعة والأمانة، لكن سرعان ما سقط الطلاء وبانت العيوب؟ لقد ضلل الإعلاميون ـ السائرون في ركب الإحتلال والحكومة ـ الناخبين أبشع تضليل، فكانوا جزءا من المشكلة بدلا من الحل. وتحول الإعلام من سلطة رابعة إلى كلب أمين للسلطة الثالثة ينبح على الإعلام الشريف المقاوم، ويغطي عورة الحكومة والبرلمان والقضاء العراقي. وأصيب الإعلام بنفس الأعراض المرضية التي تعاني منها حكومة المحاصصة من العمالة والطائفية والعشائرية والعنصرية والإنتهازية والمصلحية. كانت الدروس مؤلمة في الإنتخابات السابقة، دروس مؤلمة لابد أن يستخلص الإعلامي العبر منها. لذلك لابد أن يلتزم الإعلاميون بالحياد، ويتصرفون بإيجابية، منطلقين من قاعدة وعي متكامل بحجم المسؤولية الوطنية، دون العبث بتغيير مسار الإنتخابات لصالح جهة ما، أو جهات معينه ولاسيما أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأن يتم التعامل مع جميع المرشحين بمسطرة واحدة، فلا فرق بين مرشح وآخر إلا بأخلاقة وإلتزامه الوطني وخلفيته الثقافية والسياسية والتأريخية وبرنامجه الإنتخابي المعلن.
دور المرجعيات الدينية:
مهما حاول البعض أن يبرأ المرجعيات الدينية من مسؤولية إنتخاب هؤلاء الفاسدين، فإنما هو غبي أو جاهل او طائفي للنخاع، لأنه يحاول أن يغطي ضوء الشمس بغربال، من منا ينسى تعطل الحوزة وإرسال طلابها الى العشائر في الجنوب والفرات الأوسط لحثها على إنتخاب أبناء المرجعية؟ أو تشبيه العملية ببيعة الغدير المزعومة، بل وصل الأمر الى تحريم الزوج من زوجته في حال عدم انتخابه قوائم اولاد المرجعية وفق القاعدة المذهبية المتخلفة (نصرة المذهب) بدلا من نصرة الوطن! أو على أقل تقدير نصرة الدين، مع أن المواطنة تسمو على الدين، والعراق يضم عدة أديان ومذاهب. ومع هذا فإننا نقف مذهولين لأن المرجعية كانت راشدة وهكذا فعلت! فكيف صار الأمر لو لم تكن راشدة؟
كان موقف مراجع أهل السنة العزوف عن الانتخابات لأن مفوضية الانتخابات غير نزيهة، ولأن الوجوه سوف لا تتغير، وأن أهل السنة سيبقوا على ضفاف الهامش سواء شاركوا في الانتخابات من عدمه. وإن مطالب أهل السنة سوف لا تتحقق في ظل الحكم الشيعي المتطرف. صحيح أن مراجع أهل السنة، لم يقدموا البديل، لكن نظرة الشيخ عبد الملك السعدي أثبتت صحتها، لأن سياسي أهل السنة في البرلمان والحكومة كانوا أضعف من فأر أمام قط، فهم انقسموا ما بين جحوش لرئيس الوزراء الشيعي يتملقون له بلا كرامة ولا حياء، أو مهمشون لا حول لهم ولا قوة، خشية اتهامهم وفق المادة/ 4 إرهاب، أو يُتهمون بدعم الدواعش، وهي التهمة التي ما يزال حزب الدعوة بشظاياه يسبغها على من يعارض مواقفه السياسية.
نؤكد بهذا الصدد، إن الإنتخابات فرض وطني دنيوي، وليس دينيا، ولا يحتاج إلى الدوافع الروحية والإرشادات والمواعظ، ولحساسية موضوع الإنتخابات وما يرافقها في الغالب من ألاعيب سياسية، لذا من الأولى أن لا يحشر رجال الدين أنوفهم فيها، وأن يلتزموا بالصمت المطبق إحتراما لمكانتهم عند الناس، فقد أسبغوا رضاهم وبركاتهم على اللصوص والمجرمين فزكوهم وزينوهم أمام العراقيين في الإنتخابات السابقة، فدفع العراقيون جميعهم ثمن تلك الأخطاء التي نمت ونضجت وتحولت إلى خطايا.
لقد زرعوا بتدخلهم هذا الأشواك بين أقدامنا، وتركوها تنخز بأجسادنا، وتورمت أقدامنا منها، وهم بمنأى عنها يتاجرون بعقول الجهلة والسذج، كان تدخلهم في الإنتخابات جريمة بشعة أثارت غضب الأرض والسماء معا. الغريب في الأمر أن المراجع وهم غير عراقيين ولا يتدخلون في الإنتخابات التي تجري في أوطانهم الأم، ولكنهم يتدخلوا في إنتخابات بلد آخر هم فيه ضيوف، وعلى الضيف أن يحترم مضيفه، ولا يدس أنفه فيما لا يعنيه!
يجب أن يعلم الشعب العراقي أن الانتخابات هي عملية سياسية بحتة لا علاقة لها بالدين، وهناك فرق بين المجد والتمجيد، الشعب لا يختار فيها خليفة للمسلمين بل حاكما سياسيا، وإذا تدخل رجال الدين فيها فأنهم آجلا أم آجلا سيُحتذون من قبل السياسيين. وتدخل رجال الدين في الإنتخابات إن أدى إلى خير فهم لا يشكرون عليه، وأن أدى إلى شر سيلامون عليه، فعلام التدخل إذن؟
الإنتخابات أمر دنيوي يتعلق بتعاليم أرضية متمثلة بالدستور، وليس سماوية، وإن أدخال الشعارات الدينية في الدعايات الإنتخابية هي مناورة سياسية قذرة، وإساءة بالغة للدين، واستغلال بشع ورخيص لأسمى عامل في الوجود، يعكس قلة الوعي بنواميس التأريخ البشري. وقد شممنا في الإنتخابات السابقة روائح الغليان الطائفي التي سدت منافذ عقول الكثيرين وأعينهم، ليس الغرض من عرضنا هذا أن ننكأ الجراح الماضية، بقدر ما نرغب باستخلاص الدروس واستخراج العبر، لكي لا نلدغ من جحر واحد عدة مرات، وهذا يتطلب الإجابة بوضوح على أسئلة في قد تكون محرجة:
ـ هل كانت مباركة المرجعية للإنتخابات السابقة والحث على المشاركة فيها بإصطفاف طائفي يتناسب من نوعية الذين تم انتخابهم في ضوء النتائج التي تمخضت خلال سنوات الدورات الماضية؟
ـ زعمت المرجعية بأنها ستقف على مسافة واحدة من جميع الكتل المشاركة في الإنتخابات، فلماذا تنصلت عن دعواها؟ لماذا تبطن غير ما تعلن؟ ولماذا لم تعتذر للعراقيين عما سببته لهم من كوارث؟
إن الإجابة بصراحة على هذه الأسئلة من شأنها أن تجنبنا الوقوع في الخطأ. الشعب لا يتحمل اليوم المزيد من الكوارث، فأتركوا العراق للعراقيين! كفاكم ما فعلتم بالعراق، الا لعنة الله على الظالمين.
أقول: الغباء العادي هو أن تعتقد بنزاهة الإنتخابات مع السلاح المنفلت والمال السياسي، والغباء المركب، هو أن تذهب للإنتخاب.
الإنتخابات في العراق حيرة لمن له غيرة
Source : https://iraqaloroba.com/?p=11012