المغرب للجزائريين حبيب / 21
المغرب للجزائريين حبيب / 21
بمرافقة كاتب ياسين حضرتُ اجتماعاً مُغلقاً بمقر وزارة العمل الجزائرية ، حيث التقيتُ للمرة الثانية مع الجنرال (…) بعد الأولى التي تمت بيننا على مشارف تندوف ، في البداية تحدث السيد الوزير عن الامكانات المعتبرة المخصَّصة لإنجاح مسرحية “المسيرة الحمراء” التي سَتُدَشِّن بها الجزائر حملتها ، الرامية لإظهار ما يحاول مغرب الحسن الثاني القيام به ، لوضع اليد على الصحراء الغربية ، كأنها يتيمة الأهل ، ولا أحد فيها قادر على إيقاف مثل المغامرة ، التي لن تجرّ على الشعب المغربي إلاَّ المزيد من المشاكل تضاف لما يحياه من ضيق ، في جو مختنق لا مكان فيه للديمقراطية ، بل التعسّف يسود تسيير الشأن العام ، بكيفية آخرها انفجار لا محالة ، فكان على الملك الاتجاه لمعالجة الحالة الصعبة التي أوصل بها البلد الجار ذاك ، بدل الاتجاه لاعلان حر ب ، المنطقة في غنى عنها ، على مجموعة من الصحراويين الراغبين في تأسيس دولتهم حرة مستقلة ، المسرحية جاءت في وقتها منحها المؤلف الأستاذ مصطفى منيغ ما تستحق من وسائل تعبيرية رائعة توصل المعنى لأذهان العامة بشكل سهل مُشوِّق للغاية ، كما أخرجها الفنان الكبير الاستاذ كاتب ياسين ليبقى انبهار مَشاهدها راسخاً في عقول المتفرجين من كل الأعمار ، وهم مقتنعون بعد المسرحية ، أنهم والصحراويون الموجود ممثلهم بيننا يدا واحدة ، للوقوف سداً منيعاً أمام أطماع الملك المغربي .
لقد أخبرني الاستاذ ياسين أن أعمال الإخراج انتهت البارحة ، ليعطي الممثلين عطلة يومين للراحة الكاملة ليؤذوا بعدها ما تحمَّلوه من مسؤولية تشخيصه على الخشبة ، بأحسن ما يستطيعون تقديمه ، تقديراً للجزائر واعترافاً بصواب قرارات فخامة الرئيس المتخذة لصالح الصحراويين ، الذين عاهدهم بكل صنوف المساعدة المادية قبل المعنوية، حتى الآونة التي يرفعون فيها راية دولتهم ترفرف في “العيون” وكل الجهات التابعة لها .
بعد ذلك تدخَّل الجنرال بكلمة قصيرة لكنها عملية من حيث الأمر المنقول بواسطته إلى الاجتماع بكل الحاضرين فيه (الأربعة و الثلاثين من النساء والرجال) شركاء في تنفيذ مشروع المسرحية الضخم على أرض الواقع ، وفي الطليعة من ينتمي منهم للأجهزة الأمنية العمود الفقري للنجاح المنشود حسب تعبيره ، من القرارات المتخذة بمباركة الرئيس الهواري بومدين نفسه أن يتم العرض مكرراً على مرحلتين ، الأول يحضره رئيس الجمهورية وما يدور في فلك نظامه من وزراء في الحكومة ، وكبار موظفي مؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية ، بحضور الإذاعة والتلفزة الجزائرية لا غير ، لتسجيل المسرحية كي تعرض كمرحلة ثانية ، على العموم محلياً داخل الجزائر وخارجها مهما بلغ البث عبر العالم ، ليوم واحد قبل انطلاق مسيرة الملك الحسن الثاني ، أما التوقيت الرسمي للعرض الأول يبقى في حيّزٍ ضيِّقٍ لشأن احترازي يتعلق بالأمن .
كنتُ من “الحيِّز الضَيِّق” المُبَلَّغِ بالتوقيت المضبوط ، إذ كانت رغبة فخامة الرئيس اللقاء بي وكاتب ياسين لأمر هام نِصْف ساعة قبل العرض ، بالإضافة لمعرفة المكان الذي يشهد ذاك النشاط التاريخي غير المسبوق أبداً .
بانتهاء الاجتماع حدَّدتُ العَدَّ التَّنازلي للقيام بالعملية ، التي بقدر ما تتراءى معقَّدة صعبة المَنال لحظة الصفر ، إلا أننَّي كنتُ والتفاؤل على مستوى واحد ، نرى النجاح يبادلنا التهاني في أرض غير الأرض ، ونفسية راضية تماماً ، وراحة يعكسها الضمير انتصاراً للحق على الباطل ، ويحسبها التاريخ مرحلة مفصليَّة بين تعنُّت جزائري رسمي خارجٍ عن الصَّواب ، ووقفة تعقل تلوح أثناءها أيادي مغاربة ثلاثة في عرس النجاة ، بلغة يُصَدّرها المنتصر للمهزوم بغير تَشَفِّي ، ما دامت المعركة الفكرية لن تنتهي ، لم يكن حُلماً ما تبادر لذهني وأنا أتفحَّصُ المكان المعدِّ للعَرْضِ بتبات المُقبل على حربٍ نفسية أكثر شراسة من المُسلَّحة ، وحِرْص الفاقد صحبة أي طرف آخر، لأنتهي كما بدأت وحيداً ، أحرِّكُ الخيوط الواصِلَة بعض أشخاص حتى تلك اللحظة (وعدَّاد العد العكسي يقطع مسافة الزمن المُتبقَّي دقيقة بأخرى) لا يعرفون شيئا عمَّا انتظرهُ منهم ساعة الحسم ، والذين إن تجاوزا ما سأكلِّفهم به فقدوا ما يملكون في رمشة عين ، لن يكون أمامهم سوى التنفيذ بنظام وانتظام ، ولن ينعموا بأي منفذٍ آخر إلاَّ معي ، القضية أكبر من أي مناقشة سيحاولون بها فهم أزيد ما أريدُ أن يفهموه لا أقل ولا أكثر ، مادامت اللحظة الصفر تتطلََّّب الإصغاء التام لمن يقود المسألة ولا أحد سواه .
… لأبدو عادياً حيال مَن يتعقَّب تحركاتي ، قصدتُ المقهى التي عوَّدتُ الكثير رؤيتي داخلها ، وهناك وجدت “الشيوعي” الذي اعتمدت عليه ليكون العين المتتبِّعة لما يجري داخل مجموعة الممثلين ، ليخبرني أن السيد (ه..) حضر لمقر شارع الكولونيل لطفي صحبة فتاة من نفس مدينة الدار البيضاء ، لمصاحبة الصحراوي القائم بدور ممثل البوليساريو ، ليستمر الحديث بينهم لغاية نفاذ محتوى قنينة السائل الأصفر الذي تجرعوه ، وضحكاتهم تتسرَّب للطابق السُفلي في نشوة سُكارى لا يعبؤون إلاَّ بلحظة سعادة كاذبة يعوضون بها كبتهم الجارف لما يجرف إليه ، تحدَّثوا في كل شيء إلاَّ عن المسرحية التي أوصى كاتب ياسين بجديّة عدم الخوض في موضوعها مهما كانت الأسباب ، وبخاصة مع غرباء عن مجموعة العمل المكلفة بانجازها .
عرفتُ الشخص المعني وسأتحدَّثُ عنه بما يمكن من التفاصيل لاحقاً إن شاء العلي القدير سبحانه . من المقهى توجهت مباشرة لزيارة الأخوين المغربيين اللذين اتخذا حجرتين في نفس المكان مقراً لإقامتهما مؤقتاً ، لأطلب منهما اللحاق بي حيثُ يعرفون في “لامدراغ” ، تمام الساعة السابعة مساء لأمرٍ يخصُّهما في الدرجة الأولى ، بالفعل حضرا في الموعد المحدَّد بالدقيقة ، وهناك في حجرة اتخذتُها مكتباً خاصاً بي ، شرحتُ لهما الموقف والمطلوب منهما القيام به جملة وتفصيلا ، خدمة لوطنهما المغرب و تلبية عملية لنداء الملك الحسن الثاني أن تكون المسيرة التي ابتدعها ، “مسيرة خضراء” ، لتحرير المغاربة أجمعين على ضوئها أراضيهم الصحراوية المحتلة من طرف الاسبان . قاطعني (ب/ ي) :
– أَتدري ما يعنيه كلامكَ بالنسبة إلينا ؟؟؟ ، أن نهدم كل ما شيَّدناه هنا في الجزائر من أُولَى خطوات النجاح الحقيقي ، في الميدان الذي عشنا كل عمرنا نحلم به ، والأمَرّ بل الأدهى أن نخسر الرَّاتب الذي نتوصَّل به هنا شهرياً ، المعادل لراتب سنة هناك في المغرب ، إن حصلنا فيه على عمل يساير طموحاتنا الفنية . لا نُنكر أنك أستاذ أوصلتنا لما نحن فيه الآن ، من مكانة قابلة للتطوُّر الايجابي ، فلما تريد إعادتنا للمثلث البئيس الذي كنا نتخبط فيه .
– أجبته مبتسماً ابتسامة غير حقيقية ولا هي صادقة ّ:
– أسمعكَ تتحَدَّث بصيغة الجَمْع، مَن معكَ على نفس النَّغمة والمقام يغني ؟؟؟ ، أم تحاول تضخيم موقفكَ المبني على خطأ فادح قد ترتكبه دون وعي ، تخسر به حاضركَ ومستقبلكَ ، أنتَ لا تعرف الجزائر الرّسمية ، إن كنتَ تبني مجدك على الإقامة بين أحضانها ، وهي على ما هي عليه ، من عداء مكشوف لبلدكَ المغرب.
أجابني بحدَّة المدافع عن رأيه متحدِّياً في اصرار عجيب ما يجهله :
– إن كان الأمر كما تدَّعِي ، لما أنتَ هنا ؟؟؟.
(يتبع).
Source : https://iraqaloroba.com/?p=7986