الموقف الأوروبي والإقليمي من مشروع الأقاليم في العراق؟
الموقف الأوروبي والإقليمي من مشروع الأقاليم في العراق؟
حينما يشار إلى السياسة الأوروبية في العراق ومدى تأثيرها وتأثرها في الوضع العام، فبلا شك أن الأوروبيين قد أخفقوا في إيجاد الوسائل وآليات القرار الّتي تمكنهم من البروز كلاعب فعال ومؤثر في العراق. حيث سعى الاتحاد الأوروبي في اتباع سياسة الانفتاح مع العراق لكنه بالتأكيد قد أخفق، بعد أن عجز في إيجاد سبل التعامل الملائمة، وذلك بسبب هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والتوغل الإيراني في نفس الوقت. لكن الاهتمام الأوروبي بدأ يتجدد في العراق مرة أخرى بعد عام 2014، حينما امتد تنظيم داعش بشكل كبير بالأراضي العراقية، وشكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا كبيرا لمكافحته ضم العديد من دول الاتحاد الأوروبي مثل، أستراليا، بلجيكا، كندا، الدانمارك، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا (تدريب قوات)، هولندا ونيوزيلندا، النرويج، إسبانيا والبرتغال، وبالرغم أن مشاركتها العسكرية كانت رمزية من حيث عدد جنودها وقطعاتها العسكرية، حيث تراوحت مهام هذه الدول ما بين التدريب والاستطلاع وتقديم الدعم اللوجستي للقوات العراقية، لكنها في الوقت نفسه كانت إيذانا بعودة القوى الأوروبية للعراق. من هنا تأتي خطورة الدعوات التي تقودها بعض الأحزاب العراقية والميليشيات العراقية وبدفع من إيران، لإخراج القوات الأجنبية من العراق، لأن ذلك الخروج سيكون ضامنا لعودة العراق مرة أخرى إلى مرحلة التجاهل الأوروبي له، كما كان عليه الحال منذ 2003 وحتى 2014. مع العرض لا بد لنا أن نشير هنا إلى الزيارة الأخيرة للسيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي من بينها فرنسا وألمانيا وكذلك تركيا، باعتبار الأخيرة عضو في حلف الناتو من 68 عاما، وكذلك تعتبر تركيا من أبرز الدول الفعالة في عائلة حلف شمال الأطلسي.
ووفقا لما تقدم فإن موقف الاتحاد الأوروبي اتجاه مشروع الأقاليم في العراق لن يكون بعيدة كثيرا عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية في حالة تقسيم العراق، يبدو واضحا للاتحاد الأوروبي أن السياسة الأمريكية بشأن سورية ربما لم تكن بالمستوى المطلوب. وفي السياق الجيوسياسي سيواجه مشروع تقسيم العراق رفضا أوروبيا على غرار ردود الأفعال السلبية من قبل الدول الغربية في قضية استفتاء كردستان، حيث تمثلت في تحذير وزير الخارجية الألماني سيجمار جابرييل من تبعات استقلال كردستان، واعتبره خطوة غير صحيحة ممكن أن تؤدي إلى تردي الأوضاع في بغداد وأربيل معا، وعبرت ألمانيا عن قلقها بشأن خطط إقليم كردستان لإجراء استفتاء على الاستقلال، لكونها قد تؤجج التوتر في المنطقة. وانطلاقًا من ذلك لا يمكن تصور أن يكون لدول الاتحاد الأوروبي نوايا أو استراتيجية داعمة لتقسيم العراق.
_ الموقف الإقليمي:
انعكس الوضع الهش في العراق بشكل كبير على مواقف دول الإقليم وتحديدا تركيا وإيران، ولم يعد ثمة شك في أن العراق أصبح يمثل إحدى أهم ساحات تجلي التوازن الإقليمي، وواحدة من أبرز معايير قياس الموقف الأميركي في العراق. فإيران وكما هو معروف تهيمن على العراق منذ عام 2003، وهي من تضع السياسة العامة فيه بعد تخلي الولايات المتحدة تدريجيا عن العراق في عهد الرئيس أوباما ضمن إطار الاتفاق النووي 5+1 مع إيران. في الجانب الآخر فإن التدخل التركي بالعراق يشير إلى تواجد القوات التركية في مناطق شمال العراق في منطقة بعشيقة منذ سنة 2015، حيث اعتبرت تركيا أن هذه القوات موجودة لتدريب قوات البيشمركة الكردية، بينما العراق يرى أن هذا التدخل هو اعتداء صارخ على سيادة البلد من قبل تركيا، حيث أشارت بعض المصادر إلى وجود 120-150 جندي تركي مدعومين ب 20-25 دبابة وهذا ما اعتبرته عدة جهات سياسية عراقية انتهاك لسيادة العراق على أراضيه وذلك بوجود كل هذه القوات بدون إذن رسمي من بغداد.
وفي يوم 12 ديسمبر 2015 قام العراق بتقديم مذكرة احتجاج رسمية لمجلس الأمن الدولي رافضا تواجد القوات المسلحة التركية قرب مدينة الموصل شمال العراق، وقد قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في حينها “أن وجود هذه القوات يمثل انتهاك لسيادة العراق على أراضيه من قبل تركيا”، بينما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إن هذه القوات موجودة ضمن اتفاق مسبق ورفض سحب القوات التركية من العراق”.
أما السيد مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان فقد صرح، أن الإقليم ليس مسؤول عن وجود هذه القوات وأن الإقليم لا يسمح بانتهاك سيادة العراق على أراضيه من قبل أي دولة. وشهدت العاصمة العراقية بغداد يوم 12 ديسمبر مظاهرات واحتجاجا واسعا على التدخل التركي في شمال العراق 2015، وكذلك دعوات زعيم حزب الدعوة نوري المالكي ورئيس كتلة بدر هادي العامري إلى النزول في الشارع يوم السبت فيما اسموه بمظاهرات السيادة، احتجاجا على التدخل التركي في شؤون العراق، ناهيك عن وجود حزب العمال الكردستاني (PKK) فمنذ نشأته في أواخر السبعينيات من القرن الماضي يعتبر هذا الحزب شوكة في خاصرات الحكومات التركية المتعاقبة. فقد شن الحزب، الذي نشأ في بدايته بأيديولوجية ماركسية لينينية، صراعا مسلحا ضد الحكومة التركية منذ عام 1984 وذلك في إطار مساعيه للحصول على دولة مستقلة للأكراد في تركيا.
وفي قضية الموقف الإقليمي من تقسيم العراق، يمكن أن يكون هناك تعارضا أو تناقضا بالموقفين التركي والإيراني من قضية تقسيم العراق وتحديدا إنشاء إقليم سُني، يختلف عن موقفهما الموحد في قضية استفتاء كردستان، حيث هددت تركيا وإيران باتخاذ إجراءات قوية ضد إقليم كردستان العراق، إذا مضت سلطات الإقليم في إجراء الاستفتاء على إعلان الانفصال عن العراق في حينها. لكن الموقف التركي يختلف في قضية إنشاء إقليم سُني، فتركيا تعتبر إنشاء إقليم ذو أيديولوجية معينة مفيد لها، خاصة إذا ما ضم هذا الإقليم محافظة نينوى المحاذية للحدود التركية، من هنا سيسعى الأتراك لمساندة هذا التقسيم من خلال تقديم المساعدات اللوجستية له وإمكانية نشر قوات عسكرية تركية بغية حماية الإقليم والتغلغل أكثر داخل شمال العراق، وذلك محاولة منها القضاء على حزب العمال الكردستاني أو تحجيمه على أقل تقدير.
أما إيران فإنها بالتأكيد ستعارض هذا التقسيم، لأنها حاليا تبسط نفوذها وهيمنتها على المحافظات السُنية من خلال أذرعها (الميليشيات المسلحة)، وبهذا فإنها سترفض التقسيم وستسعى بكل جهد لإفشال هذا المشروع، حيت أن إيران تعلم جيدا أن في حالة تقسيم العراق إلى أقاليم ذات طابع طائفي سيفقدها السيطرة على جزء كبير من الأراضي العراقية، والعامل الأبرز والأهم في الرفض الإيراني لمشروع التقسيم، أن إقامة إقليم سُني في محافظة الانبار سينهي حلمها في إقامة الهلال الشيعي.
*كاتب وباحث سياسي.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=3902