حصة العراق من الرئيس الامريكي الجديد

عراق العروبة
2020-12-26T15:01:42+02:00
الافتتاحية
13 نوفمبر 2020
حصة العراق من الرئيس الامريكي الجديد

حصة العراق من الرئيس الامريكي الجديد

عراق العروبة

عوني القلمجي

حصة العراق من الرئيس الامريكي الجديد 

 لا تعنيني كثيرا الهستريا التي عمت عددا كبيرا من المحللين السياسيين، العراقيين والعرب حول توقعاتهم بحدوث تغيرات دراماتيكية على يد الفائز برئاسة أمريكا جو بايدن، سواء فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه أوروبا او الصين او روسيا او المنظمات الدولية او غيرها، فهذه اضغاث احلام سبق وان شاهدنا وسمعنا مثلها مع كل انتخابات جديدة.

فالرجل هو عضو في الحزب الديمقراطي، الوجه الآخر للحزب الجمهوري، وليس عضوا في الحزب الشيوعي الامريكي، او من اليسار المتطرف. ولا هو زعيم ديني كاثوليكي او بروتستانتي.

وإذا اختلف الحزبان في السياسة الخارجية التي تهم دول العالم وخاصة منطقتنا، وعلى وجه التحديد امتنا العربية، فإن خلافات الحزبين لا تمس على الاطلاق جوهر هذه السياسة، وإنما تخص طريقة إدارتها والوسائل المؤدية إلى تحقيقها. على خلاف ما يحدث بالنسبة للسياسة الداخلية التي تتعلق، على سبيل المثال، بالصحة والضرائب والخدمات والبطالة وغيرها.

حيث تصل احيانا الى مفترق طرق والى الغاء بعض انجازات هذا الرئيس او ذاك، كما حصل حين الغى ترامب قانون الصحة الذي سنه سلفه باراك أوباما وسماه باسمه. على الرغم من انه انجاز عظيم بالنسبة لعموم الأمريكيين.

أما زعماء المنطقة فقد أثبتت توقعاتهم سذاجتهم وغبائهم. حيث انقسموا بين حزين لخسارة ترامب، ومسرور لفوز بايدن. وقد نجد نموذجا عنهم في المملكة العربية السعودية وايران.

فالاولى باتت تخشى فقدان حماية عرشها التي وعد بها ترامب مقابل نصف تريليون دولار. في حين رقصت ايران فرحا، ظنا منها بان بايدن سيعيد امريكا الى الاتفاق النووي الذي تم إنجازه في زمن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، الذي شغل بايدن منصب نائبه، وهذا بدوره سيؤدي الى رفع الحصار عنها أو تخفيفه على الاقل. وكلا الطرفين لفي ضلال مبين.

فالسياسة الأمريكية الخارجية لا تدار حسب أهواء هذا الرئيس او ذاك، ولا قناعاته لوحدها، وإنما تدار بالاصل من قبل مؤسسات ذات خبرة واسعة وعلم غزير وتجارب ضخمة. او كما يقال ان القرار الامريكي يطبخ على نار هادئة من وراء الكواليس قبل خروجه للعلن. هذا لا يعني الغاء دور الرئيس او تهميش صلاحياته الدستورية الضيقة، قياسا بصلاحيات مجلس النواب ومجلس الشيوخ ناهيك عن دور اللوبيات المؤثرة في السياسة الامريكية مثل المجمعات الصناعية والعسكرية والشركات النفطية والبنوك المالية العملاقة.

وستثبت الايام بان تعامل بايدن مع جميع هذه الدول لن يختلف عن تعامل سلفه، إلا من حيث الطريقة والأسلوب. بعبارة أكثر تحديدا، فان بايدن سيواصل حمايته للسعودية بشروط تحفظ ماء الوجه، وسيبقى الحصار على ايران قائما الى يوم خضوعها لشروط سلفه ترامب، وايضا بطريقة تحفظ ماء الوجه.

أي إذا نال ترامب مراده باستخدام القوة الخشنة، فإن بايدن سيصل إليه عبر القوة الناعمة.

ما يعنيني كثيرا جدا، هو حصة العراق من القادم الجديد، وهل سيسير على نهج سلفه في التمسك بالعراق كمستعمرة امريكية وكيان رخو خارج مشروع الدولة بسيادة مفقودة وهوية مهللة وتماسك من شدة هشاشته يكاد ينفرط على مستوى  وحدته السياسية والجغرافية ؟ ام انه سيذهب أبعد من ذلك لينفذ على الأرض مشروع تقسيم العراق كطريق للهيمنة عليه من جهة، وقطع الطريق على أية محاولة وطنية لتحريره واستعادة سيادته واستقلاله ووحدته الوطنية من جهة أخرى؟ 

ليس من الحكمة السياسية فصل صعود بايدن الى سدة الرئاسة عن مشروعه لتقسيم العراق، خاصة وان الشروع به من قبل بايدن، لا يعد خروجا سافرا عن سياسة أسلافه تجاه العراق، فامريكا قد وضعت مشروع تقسيم العراق في مقدمة اهتماماتها لضمان الهيمنة عليه لأمد طويل.

ولولا العقبات التي حالت دونه لأصبح العراق مقسما لسنوات عديدة. وكان من بين أهم هذه العقبات، القتال الدائر حينها بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال، الذي استمر سنين عديدة، فالشروع به سيصب لصالح المقاومة، التي كانت تؤكد على الدوام نية أمريكا بتدمير العراق وتقسيمه الى دويلات طائفية وعرقية.

وهذا بدوره سيدفع، عموم العراقيين للالتحاق بصفوفها ، خاصة وأن امريكا تعلم علم اليقين، بمدى تمسك العراقي الشديد بوحدة بلده واستعداده للدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة.

العقبة الاخرى تخص دول الجوار، وخاصة دول الخليج العربي، حيث مارست هذه الدول ضغوطا شديدة لمنع امريكا من تقسيم العراق ، ليس حبا به، وإنما تحسبا من انتقال عدواه إلى بلدانهم. وأمريكا لن تنسى بهذه السرعة حجم الدعم والتعاون والمشاركة، التي قدمته هذه البلدان لها، سواء في عدوانها على العراق عام 1991 ، او في احتلالها للعراق عام 2003.

ناهيك عن الخدمات التي قدمتها في مجال شرعنة الاحتلال والمساعدة في تكريس مشروعه لأمد طويل.

ومن هذه العقبات ايضا، الحجم المهول للاكاذيب الكثيرة التي ساقتها أمريكا لتبرير الاحتلال، خاصة تلك الكذبة الكبرى، بانها جاءت الى العراق من اجل تدمير اسلحة العراق المحظورة، أو ذات الدمار الشامل، وتخليص العالم من خطر الصواريخ الكيمياوية العراقية التي قالت عن امكانية وصولها الى المدن الأوربية خلال 45 دقيقة.

وبالتالي فان تقسيم العراق سيكشف، دفعة واحدة، زيف كل هذه الأكاذيب أمام دول العالم وشعوبه.

ومع ذلك، لم تتخل أمريكا عن مشروع تقسيم العراق نهائيا، او وضعه فوق الرفوف العالية، وانما سلكت طرقا ووسائل اخرى تبعدها عن الشبهات، وتهيئ لها في الوقت نفسه، الظروف المناسبة التي تستطيع بعدها تجاوز جميع تلك العقبات.

من هذه الوسائل تفخيخ الدستور مواد ينص بعضها على اعتبار العراق دولة اتحادية، واخرى تنص على منح حق الاستقلال لكل محافظة ،وثالثة خلقت خديعة ما سمي بالمناطق المتنازع عليها وهكذا.

بالاضافة الى ذلك، لم ينقطع المحتل الامريكي عن سعيه المستمر لاثارة النعرات الطائفية والعرقية  لزج شعب العراق في اقتتال طويل الأمد على أمل إيصال الناس إلى قناعة مفادها ان العيش بسلام وأمان لا يتحقق إلا بالتقسيم. 

اذن نحن امام صفحة كانت مطوية سيتم فتحها على يد جو بايدن. خاصة وان مشروع التقسيم  قد اقترن باسمه، وعمل جاهدا من اجل تنفيذه من خلال جميع المناصب الرسمية التي شغلها في الإدارة الامريكية. وخير دليل على ذلك استغلال بايدن لاول فرصة سنحت له لتنفيذ مشروعه الغادر. حيث استغل وجوده كعضو في لجنة بيكر هاملتون التي زارت العراق في نهاية عام 2006 لوضع حلول نهائية للهيمنة على العراق. 

حيث نجح في تضمين تقرير اللجنة توصية بتقسيم العراق الى ثلاثة دول، كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب.

ومن الجدير بالذكر أن مجلس الشيوخ الامريكي الذي ناقش تقرير اللجنة صوت بنسبة خمسة وسبعين عضوا لصالح التقسيم مقابل خمسة وعشرين. لكن الإدارة الأمريكية حينها لم تأخذ به لاسباب لا مجال لشرحها، غير التي تضمنها المقال في ما تقدم.

بالمقابل فإن دعاة التقسيم الذين صمتوا فترة طويلة، عادوا في الاونة الاخيرة يروجون لمشروع التقسيم، تحت غطاء تفعيل قانون الأقاليم الذي نص عليه دستور المحتل الامريكي.

واعتباره الحل السحري لإنهاء معاناة هذه الاقاليم من القتل والتهجير والتشريد والجوع والمرض، بالتزامن مع المطالبة به علانية من قبل بعض المنظمات السياسية والدينية والعشائرية والشخصيات المستقلة أيضا، سواء من داخل العملية السياسية او من خارجها، اعتقادا منهم، بأنه يؤمن لهم مصالحهم الشخصية او الفئوية التي تواجه اليوم نقمة شعبية عارمة، اوعلى الاقل يجدون فيه، اي التقسيم، ملاذا آمنا من العقاب.

أما دول الجوار، فبإمكان بايدن تطمينها جراء خشيتها من تداعيات التقسيم الضارة، والتعهد لها بضمان سلامة حدودها وعروشها والحفاظ على أمنها ووحدة أراضيها. بل ان هذه الدول اصبحت مستعدة لليوم الموعود.

فتركيا التي تتطلع دوما الى استعادة الموصل او كركوك او كليهما، قد بنت لها عدة قواعد عسكرية ثابتة في الشمال، وإيران التي فقدت حلمها في ابتلاع العراق كله ترنوا عيونها على اقليم الجنوب. والسعودية ترنو في الاقليم السني سدا منيعا ضد التوسع الايراني. 

قبل ستة أعوام وعلى وجه التحديد في 26/8/2014 كتبت مقالا تحت عنوان “أمريكا ومشروع تقسيم العراق” وبعدها بأربعة أشهر طرقت ذات الباب في مقال عنوانه “ذهب المالكي وجاء العبادي والدماء تسيل”، وكلا المقالين ركز على هذا المخطط  وعلى نية أمريكا باقامة إقليم سني بعد انهاء وجود داعش في العراق. وقلت، “ومع الوجود المسبق لاقليم الكرد في الشمال، ومطالبات البعض باقامة اقليم في الجنوب، وجدت الادارة الامريكية ضالتها، ودعوت الله في النهاية، ان يحفظ العراق من التقسيم.

واليوم نحن كعراقيين مدعوون لمواجهة هذا المخطط الأسود خشية أن تكون حصة العراق من فوز بايدن تقسيمه الى دويلات طائفية وعرقية.

 من مقالات الكاتب1 - عراق العروبة

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.