صمود الناصرية اكثر من اسطوري

عراق العروبة
الافتتاحية
2 مارس 2021
صمود الناصرية اكثر من اسطوري

صمود الناصرية اكثر من اسطوري

عراق العروبة

عوني القلمجي

صمود الناصرية اكثر من اسطوري

هذه ليست المرة الاولى التي تتعرض فيها محافظة الناصرية الى مجزرة وحشية ومتواصلة على مدى عدة أيام، ثم يصمد ثوارها بصدورهم العارية أمام الرصاص الحي والقنابل الحارقة. فقد سبق لها وأن تعرضت لمثل هذه المجازر. مرة على يد ما يسمى بالطرف الثالث، والمقصود المليشيات الولائية لايران، ومرة على يد عصابات مقتدى الصدر المتعددة الأسماء، واخرى على يد الحكومة ذاتها. ومثال على ذلك اقتحام المدينة من قبل الفريق الركن جميل الشمري بالدبابات والمدفعية، والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى في يوم واحد. الأمر الذي ولد ضجة كبيرة واستياء شعبي عام، أجبر رئيس الحكومة حينها عادل عبد المهدي على اقالة جميل الشمري من منصبه وتقديمه الى لجنة تحقيقية لذر الرماد في العيون. 

ويبدو ان هؤلاء الاشرار قد ادركوا تماما، بان هذه المدينة أصبحت في العقل الجمعي العراقي عاصمة الثورة العراقية، وان بقائها في يد الثوار يمثل تهديدا لوجودهم في السلطة. اما المحتل الامريكي ووصيفه الفارسي، فهما اكثر علما من غيرهما، بأن استمرار ثورة شعبية من هذا الوزن الثقيل، يعد بمثابة سلاح الدمار الشامل الذي لا تقوى على مواجهته أكبر قوة احتلال في العالم. وهذا ما يفسر حرص المحتل وعملائه على قمع الانتفاضات العراقية وهي في مهدها، رغم سلميتها وتواضع مطالبها. وقد نجد نموذجا له، في حكومة نوري المالكي وخليفته حيدر العبادي. حيث واجه الاول الانتفاضات الشعبية التي قامت في عهده بالحديد والنار، الى جانب استخدام احقر الأساليب والوسائل لتشويه سمعة الثوار وإلصاق التهم الباطلة بحقهم. وتعامل الثاني مع انتفاضة البصرة العملاقة عام 2018، بأن سمح للحرس الثوري الايراني والمليشيات المسلحة، وفي المقدمة منها مليشيات قيس الخزعلي، باستباحة المدينة وقتل ابنائها دون رحمة. 

ومما يشجع هؤلاء الأشرار على المضي في خططهم الغادرة ضد ثوار تشرين، هو قناعتهم بأن هذه الثورة لا تختلف عن سابقاتها، وبالتالي يمكن القضاء عليها، أما بالقوة العسكرية، او بالتحايل عليها بوعود وردية وبعض الإصلاحات الشكلية. بمعنى اخر فان هؤلاء الأشرار، لم يستوعبوا بعد طبيعة ثورة تشرين ولا شمولية أهدافها السياسية، ولا شعارتها المطالبة بإسقاط العملية السياسية برمتها. بالمقابل لم يدركوا ايضا بان هذه الثورة هي ذات طابع شعبي عام، أي لم تقتصر على فئة معينة وليست محدودة ضمن نطاق مدينة او محافظة واحدة، فهي شملت معظم المدن العراقية، وشارك فيها عموم الشعب العراقي، اضافة الى كافة النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الفلاحية وطلاب المدارس والجامعات وألوف النساء. 

لا ننكر العقبات الكبيرة التي تعترض ثورة تشرين، والتي مازالت تعيق تحقيق مطالبها لحد الان. فمن جهة يصر هؤلاء على التمسك بالسلطة، واستعدادهم لقتل عشرات الالوف من الثوار بدم بارد. ومن جهة ثانية، لا زالوا يحظون بدعم واسناد المرجعيات الدينية ذات التاثير الواسع، وعلى رأسها المرجعية العليا ورئيسها علي السيستاني. إلى جانب  ذلك توفرهم على جيش من المرتزقة، من سياسيين ومثقفين واقلام ماجورة، مهمتهم اشاعة روح الياس في صفوف العراقيين، على امل تخليهم عن الثورة. حيث يروجون الى مقولات وانتقادات عمومية، تدغدغ عواطف الناس وتلهب حماسهم وتطلعهم للانتصار باسرع وقت. وكان من بين هذه المقولات، توصيف ما يحدث بأنه مجرد تظاهرات عفوية لم ترتق بعد إلى مصاف الثورة. وان شعاراتها عمومية ومطالبها مرتبكة، وانها لا تتوفر على قيادات وطنية  بارزة، او رموز سياسية قادرة على استقطاب اوسع للجماهير، كما لم تحظ الثورة بدعم،عربي او اقليمي او دولي، سواء كان دعما ماديا او لوجستيا او اعلاميا. او لم تحظ  حتى بحماية دولية ضد بطش السلطة، على الرغم من استشهاد المئات وجرح عشرات الألوف.

لكن ذلك كله، ورغم اهميته وخطورته على الثورة، لا يمثل حالة استثنائية تواجة ثوار تشرين لوحدهم. فقد واجهت الانتفاضات الشعبية التي قامت في العديدة من بلدان العالم المختلفة مثل هذه العقبات، وتمكنت من خلال مسيرتها النضالية من التغلب عليها، وانتهت الى تحقيق مطالبها كاملة غير منقوصة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان الثورة الفرنسية، التي تعتبر أعظم ثورة في التاريخ، كانت بدايتها عفوية، حيث اندلعت في العاصمة باريس جراء الاستياء العام الذي تولد عند أهالي العاصمة، بسبب تردي الأوضاع المعاشية، الى درجة اصبح فيها الحصول على رغيف الخبز غاية لا تدرك. ومع ذلك تطورت وانتظمت والتحق بها قادة ومفكرون. واليوم نرى الثورة العراقية قد تطورت هي الاخرى، وانتظمت والتحق بها قادة ومفكرون، تحت مظلة النقابات، مثل نقابة المحامين والأطباء والمهندسين. واذا كان ظرف الثورة العراقية لا يسمح بالإعلان عن هذه القيادات لأسباب امنية لا تخفى على أحد، فهذا لا يعني عدم وجودها. وإلا كيف نفسر تنظيم نشاطات الثورة وتصعيدها في الوقت المناسب، او تامين متطلبات الثوار من دواء وغذاء، واسعافات اولية، او ضبط امن الثورة وحمايتها من اعدائها، وتوحيد الخطاب السياسي والاعلامي الخ؟ 

لا ننكر ولا نجادل بأن انتصار الثورة ليس سهلا. لكن وقائع الثورة اكدت، بان الدماء كلما سالت اكثر اتسعت قاعدة الثورة جغرافيا وبشريا، وبالتالي فإن الثوار لن يتوقفوا عند حدود التظاهر في ساحات التحرير، او ساحة الحبوبي في الناصرية وتلقي الضربات الموجعة، وإنما سياتي اليوم الذي ينتقل فيه الثوار الى تصعيد نشاطاتهم باساليب جديدة قد تفاجئ الجميع. خاصة ونحن نتحدث عن ثورة لا تزال نيرانها مشتعلة وطاقاتها الثورية والابداعية متفجرة، اضافة الى ان افكارها قد تجذرت في أعماق المجتمع العراقي، حيث دخلت في كل بيت ومدرسة وجامعة ومعمل ومصنع ومسجد وحسينية وكنيسة. وما نشاهده اليوم من صمود في مدينة الناصرية خير دليل على ذلك. حيث يتمسك الثوار ببقاء هذه المدينة ثائرة لادراكهم بأن سقوطها بيد الأشرار يعني بداية حقيقية لسقوط ثورة تشرين العظيمة. 

على هذا الأساس لا اجازف اذا قلت، بأن الموجة الثالثة من الثورة اتية لا ريب فيها، وبقوة أشد وزخم أكبر ومشاركة أوسع قد تتعدى الملايين. وما يجري في مدينة الناصرية من صمود اسطوري يشكل دلالة واضحة على قدوم اليوم الموعود. يوم الخلاص الوطني من هذه الطغمة الفاسدة. خاصة وان أطراف عملية الاحتلال السياسية توفر، مع مرور الأيام، المبررات الكافية جدا لانتشار الأفكار الثورية، بسبب سقوطها السياسي والأخلاقي المدوي، وإصرارها على مواصلة العبث بشؤون البلاد والعباد، وعدم الكف عن ارتكاب الجرائم والسرقات. بعبارة اخرى اكثر وضوحا، ان يوم الزحف الكبير على المنطقة الخضراء قادم، وسيكون يوم المعركة الوطنية الكبرى، يوما ليس كبقية ايام الثورة. يوم تتبخر فيه قوة هؤلاء الاشرار، وتباع اسلحتهم بالشوارع والاسواق العامة، تمهيدا لهروبهم الى طهران على وجه التحديد. أما مصطفى الكاظمي وحكومته، التي تقف متفرجة على جرائم هؤلاء الأشرار، فإنهم سيقعون حتما في قبضة الثوار وسيحاكمون أمام العدالة وينال كل منهم الجزاء العادل، وستلاحقهم لعنة التاريخ و عار الخيانة الوطنية إلى يوم الدين.

 من مقالات الكاتب 5 - عراق العروبة

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.