في يوم القدس العالمي الصمود في مواجهة حرب التهويد
في يوم القدس العالمي الصمود في مواجهة حرب التهويد
عند الحديث عن قضية فلسطين ومعاناة شعبها المظلوم جراء الاحتلال الصهيوني البغيض، يبرز ملف مدينة القدس، كأكثر الملفات سخونة باعتبارها القضية الأكثر تعقيدا في الصراع العربي الإسرائيلي، من النواحي السياسية والدينية والحضارية والإنسانية، ومن هنا تأتي أهمية إحياء يوم القدس العالمي، فهو يوم لكل فلسطين بلد الأقصى مسرى الرسول الكريم، وأولى القبلتين وثالث الحرمين وأحد مهاد الحضارة العربية، وإحدى المنارات العربية في العلم و والفن والشعر، ومسقط رأس السيد المسيح.
يحيي الفلسطينيون والعالم هذا اليوم، في الوقت الذي تتعرض فيه المدينة المقدسة لحرب تهويد شاملة، عبر تكثيف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عمليات الاستيطان والتطهير العرقي فيها، وتهجير المقدسيين منها بهدف طمس المعالم العربية والإسلامية والمسيحية للمدينة، وتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم في المسجد الأقصى والمضي في مخططها بتهويد مدينة القدس وإنهاء الوجود العربي فيها للإجهاز على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 194 لعام 1948 الذي أكد على حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرضه والقرار 476 لعام 1980 الذي أعاد التأكيد على أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير طابع القدس “باطلة وملغاة”.
مدينة السلام أصبحت مرتعا لتنفيذ الحقد الصهيوني منذ أن أراد الصهاينة تهويدها، مدينة السماء ومملكتها غدت تحت الاحتلال بؤرة للآلام والعذابات بوجود المستوطنين وجنود الاحتلال الذين يضطهدون ويسجنون ويعذبون ويبعدون ويقتلون المقدسيين. مدينة القدس، بجزئيها الغربي والشرقي، ومواطنيها الفلسطينيين أصحاب البلد الأصليين، تعاني من أوضاع صعبة على كل المستويات، الخدمية والمعيشية، وهو ما جعل منها أفقر مدينة فلسطينية. فحتى المعطيات والإحصائيات ”الإسرائيلية” تؤكد ذلك، حيث تجري عملية هدم حثيث للمجتمع الفلسطيني المقدسي من خلال التضييق عليه سياسيا واقتصاديا، في مسعى ”إسرائيلي” لأن يكون المواطنون الفلسطينيون الأصليون أقلية في المدينة، وتعمل لذلك على دفعهم لمغادرة المدينة والتفكير بالهجرات الخارجية. فسياسات الاحتلال وضعت المقدسيين أمام خيارين من خلال التضييق الاقتصادي، إما الخروج من المدينة والانتقال إلى الضفة الغربية وحتى خارج فلسطين، وبذلك يخسرون إقامتهم في المدينة، أو التخلي عن هويتهم الوطنية، والاندماج والعيش الذليل على الهامش ”الإسرائيلي”، وهما خياران أحلاهما مُرّ.
الواقع المقدسي ليس قدرا، بل هو مُبرمج إسرائيليًّا، إذ منذ اللحظة الأولى لاحتلال الجزء الشرقي للمدينة في يونيو/حزيران 1967، حيث الحرب غير التقليدية، والمُتصاعدة ولو بشكل خافت ودون ضجيج كبير معظم الأحيان، والتي تشنها سلطات الاحتلال ”الإسرائيلي” ضد المواطنين المقدسيين أصحاب الوطن الأصليين داخل أحياء المدينة على وجه التحديد. حرب لا تُستخدم فيها الأسلحة التقليدية، إنما يُستخدم فيها سلاحان مزدوجان: أولهما عملية مصادرة البيوت والضغط على الناس بوسائل مُختلفة، ومنها التطفيش والمضايقات اليومية، والتهديد بسحب الهويات المقدسية، وحتى الإغراء المالي، لبيع منازلهم لمجموعات يهودية تعمل، وتحت عناوين مختلفة على الانتشار داخل الأحياء الشرقية من المدينة لتهويدها من داخلها. وثانيهما استخدام السلاسل والزنازين وحملات الإعتقال ضد مواطنين مدنيين عُزّل، وأحيانًا القليل من الرصاص الحي والرصاص المطاطي، لكبح عمل مجموعات النشطاء السلميين من الشبان والشابات في دفاعهم عن القدس والأقصى.
وعليه، تعيش المدينة المقدسة لحظات حاسمة من تاريخها، وقد باتَ سيف التهويد مُسلطًا عليها بشكل غير مسبوق، وهي تنتظر تحركًا إسلاميًّا وعربيًّا على كل المستويات من أجل إنقاذها والحفاظ على عروبتها وإسلاميتها ومسيحيتها. فالمسلمون والمسيحيون يشكلان في عالم اليوم نصف سكانه، أي ما يناهز أو ينوف على ثلاثة مليارات نسمة، فإذا لم يدافع هؤلاء معاً عن موطن ديانتهم فمن ذا الذي عليه أن يحمل مسؤولية ذلك، والغريب العجيب أن يهود العالم الذي لا يزيد تعدادهم على خمسة عشر مليوناً من البشر في سائر أرجاء المعمورة، ومع ذلك فهم يستطيعون تمرير سياساتهم، والوصول إلى مراميهم وأهدافهم…، بل أكثر من ذلك إرهاب من يحاول الوقوف في وجهها.
إن إعلان يوم القدس العالمي يجعل من قضية القدس حاضرة في ضمائر ووعي الملايين في أنحاء العالم ويحول دون طمسها وإخراجها من التداول من خلال ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي من إجراءات تهويد جغرافي وسكاني بهدف محو هوية المدينة التي هي العاصمة التاريخية لفلسطين والعاصمة الروحية للديانات الثلاث، غير أن ما يدعو إلى العجب، وإلى الأسف والأسى والألم، أن نرى العالمين العربي والإسلامي لا يعطيان المسألة حقها، ولا يشاركان الفلسطينيين المسؤولية في الدفاع والنضال والقتال ضد العدو المغتصب للديار المقدسة، إذ هم مسؤولون فعلاً لا قولاً، كالفلسطينيين تماماً، لأنها ليست للفلسطينيين وحدهم. هل كان على الفلسطينيين أن يبذلوا الأرواح والدماء في كل يوم من أيام السنة وعلى مدى يناهز مئة عام، وفي التاريخ الأقرب أكثر من سبعين سنة، منذ قيام إسرائيل على أرض فلسطين، على مرأى ومسمع من العالم كله، إضافة إلى مسلميه ومسيحييه من دون أن يشاركهم إخوانهم، في حمل المسؤولية والقيام بالواجب الأرضي والسماوي معاً؟
فلسطين ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، أيها الإخوة! موقف التفرج واللامبالاة، وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء، إنما هو موقف مدان، بل هو العار نفسه على أصحابه الذين بلغ ببعضهم التدني حد مصادقة العدو ومحالفته، على حساب بني جلدتهم المدافعين عن حياض ديارهم ومقدساتهم نيابة عن الجميع، بمن فيهم الضالعون مع العدو والمتحالفون معه، الأمر الذي يثير العجب والغضب وعميق الأسى والألم ما يشق على النفس البشرية احتماله. فهل لنا، وقد بلغت الأمور مبلغها، أن نأمل أن يعود المنحرفون الضالون ليدركوا ما يبيت لفلسطين راهناً، ولهم أنفسهم لاحقاً، ولكي يعودوا عن غيهم وجهالتهم، أو عمالتهم سواء، ففلسطين ليست سوى المقدمة لما هو آت في برامجهم ومخططاتهم، لكي يسهموا في إحباطها، وصولاً إلى الهدف الأسمى في نهاية المطاف، النصر المؤزر العظيم للآتي عما قريب.
خلاصة الكلام: إحياء يوم القدس يشكل رسالة للعالم أجمع، أن المقاومة للمشاريع الاستيطانية الإسرائيلية مستمرة، رغم ما تتعرض له المنطقة من حملات عدوانية شرسة، وأن الأمن والاستقرار لن تنعم به إسرائيل، إذا لم تطبق قرارات الشرعية الدولية، التي تكفل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، التي كانت وستبقى مدينة عربية الهوية فلسطينية الانتماء وقبلة المؤمنين في كل أنحاء العالم بمسلميه ومسيحييه، وأنها ستبقى العاصمة الروحية لمئات الملايين من المؤمنين في شتى أنحاء العالم ولن يغير من هذه الحقيقة كل عمليات التهويد التي تقوم بها إسرائيل في سعي منها لتغيير معالم المدينة وهويتها الجغرافية والثقافية والديموغرافية.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=8495