لماذا لا يُحاكم (أبو درع) و(أبو عزرائيل)؟
قبل أيام قليلة، أصدرت محكمة في بغداد قراراً، بإعدام ستة شبان، بتهمة قتل فتى، وتعليقه في ساحة الوثبة، نهاية العام الماضي، قالت المحكمة إن الدلائل والاعترافات والصور ومقاطع الفيديو، أثبتت أنهم ارتكبوا الجريمة المروّعة، وإذا كان هذا صحيحاً، فشيء جيد لا شك فيه، ويعزز القانون، ويكرّس العدل، ولكن السؤال، الذي يُلح على الخاطر، ويشكك بازدواجية القضاء في العراق وانتقائيته، وخضوعه إلى إملاءات كتل معروفة بتطرفها الطائفي، ورضوخه لضغوط سياسية معينة، سبق لزعيم مليشيا بدر الارهابية، هادي العامري، الاعتراف بها علناً، كيف برّأ هذا القضاء (العادل)، قبل مدة قصيرة، شقيقين شقيين، قتلا وأصابا ستة وسبعين مصلياً في مسجد مصعب بن عمير، في قرية (إمام ويس) بمحافظة ديالى، مات منهم أربعون بينهم، سيدة عابرة سبيل، برغم أن أكثر من ثلاثين شاهداً، استمعت المحكمة لعشرة منهم فقط، شخصوا القاتلين، اللذين اعترفا بجريمتهما، في التحقيق الابتدائي، عقب القبض عليهما بساعات من ارتكابهما المجزرة، وفي القانون ثمة بديهية ثابتة تقول: الاعتراف سيد الأدلة، وقضى الاثنان، قرابة خمس سنوات في السجن، تنفيذاً لحكم أصدرته المحكمة، التي عادت، بعد هذه المدة، وأفرجت عنهما، وأطلقت سراحهما!.
ليس دفاعاً عن قتلة (فتى الوثبة)، الذي كان يحمل مسدساً، وأطلق عيارات نارية، ربما قتل أو جرح متظاهرين قرب منزله، وهم يستحقون العقاب بالفعل، وخصوصاً، الذين علقوه على عامود الكهرباء، ولكن ثمة سؤالاً آخر، يطرح نفسه، في المسار القضائي وهو: في أي قانون، وفي أي مكان وزمان، يُعدم ستة أشخاص، قتلوا واحداً، بينما يُفرج عن اثنين، قتلوا أربعين مصلياً في بيت الله، وأصابوا أكثر من ثلاثين مُصلياً آخرين، عديد منهم بات معوقاً، حُرم من العمل والاشتغال، وصار عالة على أسرته؟
لقد استهجن كثيرون جريمة ساحة الوثبة، بمن فيهم المتظاهرون السلميون، واستنكروها، وتبرأوا من فاعليها، وفوّتوا على حكومة عادل عبدالمهدي، وأجهزتها الأمنية ومليشياتها، وطرفها (الثالث)، فرصة زج القتلة بالحراك الشعبي، وتركوا للقضاء أن يتولى القضية، وقد حكم بها الأخير، وأعلن قراراته، ولكن الاسئلة المشروعة تتلاحق عن المحاكم والقضاة، وهيئات التحقيق، والمدعين العامين، ومنها، أين كانت السلطة القضائية، من جريمة ذلك القزم المشوّه (أبو درع)، الذي اختطف المحامي خميس العبيدي، وقتله وسحله وعلقه على عامود كهرباء، بمدينة الثورة، وسط تهليل قطعانه، وأهازيج غوغائه، في منظر، تقشعر منه الأبدان، والصور ومقاطع الفيديو موجودة وموثقة، برغم أن الشهيد العبيدي لم يقترف ذنباً، ولم يرتكب إثماً، وما فعله كله، بوصفه محامياً، يندرج في صلب عمل القضاء وسياقاته، التي كفلها القانون، وقد أدى الرجل، رحمه الله، واجبه المهني بما تيسر له.
أين هذا القضاء من مجرم آخر، يُلقب (أبو عزرائيل)، سلخ جلد إنسان، وهو حي، بغض النظر عن التهم المنسوبة إليه، وشواه على نار مشتعلة، وأعلن أنه سيلتهمه، حتى عظامه، في مشهد، تقيء الملايين من خسته، وأيضاً الصور والأفلام محفوظة، حتى أن صحفاً أوربية وصفته، بحزن، قائلة: إن آكلي البشر انقرضوا في أفريقيا، وظهروا في العراق.
وللتذكير، فإن مثل هذه الجرائم، لا تسقط بتقادم السنين، ولن يطويها الزمن، ما دام القتلة، أحياء يتحركون، ويظهرون وهم بالأسلحة، وأحزمة الرصاص مدججون، وأحدهم ينشط في التيار الصدري، وآخر في الحشد الشعبي، يركب سيارة دفع رباعي، ويصوّر مشاوريه وفعالياته.
لن ينصلح القضاء في العراق، ولن تسود العدالة بين فئات شعبه، ما دام هناك قضاة مرتشون، ومحاكم مسيسة وطائفية، ومدّعون عامّون، طرشان وعميان، وأمامكم، نموذج النائب السابق، أحمد العلواني، الذي دوهم منزله عسكرياً، بلا مذكرة إذن قضائية، وضُربت حصانته النيابية، عرض الحائط، وسلم نفسه طائعاً، وحوكم بلا أدلة جرمية، وشهد عليه أفراد، قتلوا شقيقه، وأصابوا امرأة من أهل بيته، وحكم عليه بالإعدام، في محكمة هدد رئيسها، ثلاثة محامين، توكلوا للدفاع عنه بالاعتقال، واضطروا للانسحاب، منهم المرحوم بديع عارف.
ولاحظوا العدالة في هذه القضية المأساوية، التي تكشف حقيقة القضاء العراقي، وتفضح زيفه، أن أحمداً، شُمل بقانون العفو العام، وتنازل (المتضررون) وعديدهم ثلاثة عن حقهم الشخصي، بعد أن قبضوا مبلغاً من المال، مجموعه أكثر من مليار دينار، تبرع به صديق للعلواني، وبرغم ذلك، ما زال محبوساً، وقد قضى، لحد الآن، سبع سنوات سجن، وساءت صحته لغياب الرعاية الصحية في معتقله الخاص، ويرفض القضاء إطلاق سراحه، لأن نوري المالكي سيغضب، وحنان الفتلاوي تزعل، والقاضي، الذي حكم عليه ظلماً وعدواناً، يهدد بمغادرة العراق، وكشف المستور !
Source : https://iraqaloroba.com/?p=1909