ما بين الفوضى والطائفية.. تستمر المحنة الأمنية!
ما بين الفوضى والطائفية.. تستمر المحنة الأمنية!
لأن الأحزاب الشيعية التي قادت الحكومات العراقية المتعاقبة ما زالت أسيرة ماضيها المعارض، وتعيش هلعاً داخلياً، في الخشية من ضياع سلطتها، وذهاب امتيازاتها، فإنها عمدت إلى تخريب أهم وزارتين: الداخلية، المسؤولة عن إدارة الأمن الداخلي وبسط الاستقرار، والدفاع، وهي التي تضم الجيش والقوات العسكرية بصنوفها المتعددة، ومهمتها حماية البلاد، من التدخلات الخارجية، سواء كانت تهديداً أم تسللاً أم تجسساً.
وقد أثبتت هذه الأحزاب، عبر تجاربها في السلطة، منذ الاحتلال في نيسان 2003، أنها متصدعة في بُناها التنظيمية والفكرية، وتفتقر إلى قيادات سياسية رصينة، وكفاءات مهنية متينة، وأغلب قادتها وكوادرها، لا يؤمنون بمفهوم الدولة الحديثة، وينتظرون وفقاً لعقيدتهم المذهبية، ظهور حكومة المهدي التي ستعيد الحكم إلى أصحابه الشرعيين، من آل البيت الإمامي، حسب وصفهم، حتى نُقل عن أحد أقطابهم، في سلسلة خطب ومحاضرات عن الإمام الثاني عشر في قائمة أئمتهم المعصومين، أن العدل والبناء، من اختصاص تلك الحكومة، وهي وحدها صاحبة الأمر والنهي لأنها (ربانية) وتحكم الكون كله، ويؤكد أن واجب الحكومات التي يقودها الشيعة ينحصر في التهيئة والاستعداد لمرحلة استقبال الإمام الغائب، وما تتطلبه من أجواء وظروف وممارسات، تُعجّل بظهوره، وضمن هذه العقيدة تعمل جميع الأحزاب والمرجعيات والمليشيات الشيعية من دون استثناء.
لذلك لم يكن غريباً الفرح الغامر الذي ساد القيادات الشيعية، في أعقاب قرارات الحاكم الأمريكي بول برايمر، في حل الجيش العراقي، وإلغاء وزارة الدفاع، في حين سلطوا هيئة الاجتثاث التي ضمت في عضويتها ممثلين عن جميع الأحزاب الشيعية ونظيرتها الكردية على وزارت الدولة السابقة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية التي فُرغّت من كفاءاتها المهنية، وحُشر فيها لصوص وأصحاب سوابق ومليشياويون، مُنحوا رُتباً عالية ومواقع رفيعة.
ولأن إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، وهم من رأس الحكومات المتلاحقة على مدى خمسة عشر عاماً، مأدلجون طائفياً، في رفض مفهوم الدولة، واستبعاد القانون، ومناهضة العمل المؤسساتي، ولم يغادروا مواقفهم المعارضة السابقة، التي ظلت تلازمهم، وهم حكام وأصحاب سلطة، فقد عالجوا ازدواجيتهم، بالعبث في الوزارات، والتعمد في إضعافها، وتحجيم مهماتها الأساس، وتحويلها إلى اقطاعيات لمحازيبهم وأقاربهم وأنصارهم، وصارت وزارتا الداخلية والدفاع، نظراً لضخامة ميزانياتها، وكثرة العقود والمقاولات فيها، مرتعاً لقوات مترهلة، ومجمعاً لضباط ومسؤولين فاسدين، الأمر الذي أدى إلى فوضى في القوات العسكرية والأمنية، وتسيب وحداتها، وعجزها في مواجهة أعمال العنف والارهاب التي قادتها تنظيمات ومليشيات طائفية متطرفة: سنية وشيعية، والأخيرة ما زالت تتسيد المشهد السياسي والأمني، بعد أن خلا لها الجو، عقب انحسار (القاعدة) وهزيمة داعش.
وقد اعتقد مصطفى الكاظمي، وهو يشكل حكومته الحالية، أن تعيين ضابطين عسكريين لوزارتي الداخلية والدفاع، الفريق عثمان الغانمي (الشيعي)، والفريق جمعة عناد الجبوري (السني)، التزاماً بالمحاصصة، من شأنه أن يرتقي بالوزارتين، استناداً إلى كون الاثنين، مهنيين ومستقلين سياسياً، من دون أن يُدرك أن الخلل في الوزارتين بنيوي وهيكلي، ويحتاج إلى إصلاحات جذرية، ومعالجات عميقة لا يقدر على الاقتراب منها، الغانمي والجبوري، برغم تمتعهما بخبرات عسكرية وميدانية، لأنهما يعملان في بيئتين منخورتين، بالفساد والطائفية وفي ظل ظروف كارثية، جاءت بأشخاص غير مقتدرين، تسلموا مناصب ووظائف، لا تتناسب مع إمكانياتهم الشخصية، ولا تتوافق مع مؤهلاتهم البسيطة، وكانت النتيجة أن الوزيرين اللذين حُرما من ارتداء زيهما العسكري، وحمل رتبتيهما، لأن قادة فصائل الحشد الولائي لا يريدون ذلك، لما للزي والرتبة، من رمزية تأريخية وهيبة عسكرية، ما زالا يراوحان في مكانهما ولم يتمكنا من تأهيل الوزارتين، ووضعهما على طريق الإصلاح والنهوض، أما التنقلات والتغييرات التي جرت فيهما، فهي أشبه بإجراءات ترقيعية، لم تلامس أصل المشكلة، ولم تبحث في طبيعتها، ولاحظنا محسوبية سياسية في بعض مسارها، منها إعادة قائد الشرطة الاتحادية السابق، رائد شاكر جودة إلى منصبه الذي أقيل منه، مع أن ملفات فساد ما زالت عالقة به، لم يُحسم أمرها، بسبب التزام حزب الدعوة له، وتدخلات نوري المالكي لصالحه.
ولعل أخطر ما حصل في وزارتي الداخلية والدفاع، أن مجاميع من ضباط (الدمج)، عُينوا فيهما، وهؤلاء لا يدينون بالولاء للعراق، ولا يخضعون لقوانينه، وسبق لهم وحاربوا جيشه وشرطته، وقتلوا الكثيرين من أبنائه، يُضاف إلى هذه الجرائم المخلة بالشرف أن مرجعيتهم الدينية، تتوزع على ملالي إيرانيين، أو مليشيات ولائية لإيران، وتالياً فإنهم لا يُصنفون كعراقيين، وإنما هم جواسيس، على العراق وأهله وقواته المسلحة.
وثمة خطر آخر، تسلل إلى قوات وأجهزة الوزارتين، يتمثل في وجود ضباط ومسؤولين مرتشين يُمارسون انحرافهم مع المواطنين الأبرياء، بالتهديد والتخويف ويعرضون تواطؤهم على الارهابيين، مقابل أموال وصلت في بعض الحالات إلى ملايين الدولارات، وتأسيساً على ذلك، فان المحنة الأمنية، ستظل سائدة في العراق، ما دامت القيادات والمليشيات الشيعية هي المهيمنة على المشهد السياسي والأمني، وهي لا تكترث للدم العراقي، وإنما تحرص على تصاعد الأزمات، وإشاعة العنف، ونشر الارهاب.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=5087