مقتدى يقود الثورة المضادة
مقتدى يقود الثورة المضادة
بالأمس كان عربون الفوز بمنصب رئيس الوزراء، ينحصر في تقديم فروض الولاء والطاعة، أما للمحتل الامريكي او الفارسي او لكليهما. اضافة الى ضمان مباركة المرجعية الدينية، وتحديدا رئيسها علي السيستاني، لدوره الفعال في هذا الخصوص بالذات. اما بعد قيام ثورة تشرين العظيمة، فقد اصبح عربون الفوز، هو التعهد بانهائها. ولو تمكن عادل عبد المهدي من إنهاء الثورة، لاحتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء، بل وضمن ولاية ثانية وثالثة ورابعة، وخلد اسمه من قبل اشرار العملية السياسية في سجل الابطال، باعتباره المنقذ الذي جنبهم مواجهة مصيرهم الأسود.
وفق هذا السياق تقدم مقتدى الصدر، ليكون الفارس الذي يأتي براس الثورة مرفوعا على رمحه، ويحقق حلمه بازاحة جميع منافسيه عن طريقه ويكون القائد الأوحد للبيت الشيعي وللعراق كله، او يجعله عراق الصدريين كما قال.
فمقتدى مازال يظن بأن الشارع العراقي يسير خلفه، بإشارة من إصبعه أو كتابة قصقوصة ورقه تخرج الملايين في غمضة عين. أما من يتجرأ بالوقوف ضده، فجيش المهدي وسرايا السلام وذوو القبعات الزرقاء كفيلون باسكاته، لما اكتسبوا من خبرة في الاجرام والقتل والاختطاف.
ناهيك عن قناعته الراسخة بأنه اصبح الابن المدلل لدى المرجعية الدينية، والتي تعتمد عليه لحماية عملية الاحتلال السياسية من السقوط.
ومما زاد من هوسه بنفسه، فشل هؤلاء الاشرار في توفير ضمانات لاستمرار ما يسمى بالعملية السياسية، وحتى القدرة على حماية انفسهم في قادم الأيام، وفشل الكاظمي بإنهاء الثورة. حيث رفض الثوار كل وسائل الخداع والتضليل التي لجأ إليها لإقناعهم بوطنية حكومته و استقلاليتها وقدرتها على تلبية مطالبهم.
اما على ارض الواقع، فقد انتقل مقتدى الى العمل الفوري. حيث اعلن بأعلى صوته بأنه القادر الوحيد على قيادة الثورة المضادة وإنقاذ العملية السياسية من السقوط . وما على الاخرين من الاشرار سوى الوقوف خلفه والدعاء له بالنصر المبين. وقد وجد ضالته في قرار الكاظمي بإجراء انتخابات مبكرة.
حيث اعلن بانه سيشارك فيها وسيفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية ويشكل حكومة يختارها بنفسه.
أما قسمه الكاذب بعدم الاشتراك بالانتخابات او العملية السياسية، فقد اعلن تخليه عنه دون حياء أو خجل. بمعنى آخر، فإذا كان الصدر قد تجنب الدخول في العملية السياسية علنا، للتخلص من جرائمها وسرقاتها وخيانتها للوطن. فانه اليوم سيدخلها على رؤوس الأشهاد، ويتصدر قيادتها.
لكن هذا ليس كل شيء، فمقتدى قد وجه دعوة لاتباعه للقيام بمظاهرة في ساحة التحرير يوم غد او في الايام القادمة تأييدا للانتخابات والعملية السياسية، بعد ان كانت هذه الساحة ايقونة ثورة تشرين التي طالبت باسقاط العملية السياسية برمتها، وعلى أرضها سالت دماء طاهرة لمئات الشهداء. وهو بذلك غير شعاره من شلع قلع كلكم حرامية، الى شلع قلع للثورة العراقية.
بالمقابل فقد شرع مقتدى في توظيف الاجهزة الاعلامية المأجورة، للترويج لذات الأكاذيب والادعاءات الباطلة حول اهمية المشاركة في الانتخابات، والاعتماد عليها لاختيار “المخلصين” و”الكفاءات الوطنية” لادارة شؤون البلاد، مستغلة في ذلك التأثير السحري لمبدأ الانتخابات، وحرمان الناس من ممارستها، جراء تعاقب الحكومات الدكتاتورية والأحزاب الشمولية على الحكم. ناهيك عن التهديدات التي استخدمها مقتدى بمعاقبة كل من يقف ضد الانتخابات أو يسيء الى رموز العملية السياسية، او حتى ان تعلق الامر باتهامهم بما ثبت عليهم من جرائم السرقة والعمالة بالجملة.
بل وصل مقتدى الى حد الاستخفاف بعقول الناس وتصوير الانتخابات المقبلة بأنها ستجري، ليس في ظل الاحتلالين الامريكي والايراني، وتدخلات دول الجوار، وإنما ستجري في ظل سماحته، وفي رحاب حكومة الكاظمي الوطنية، وعلى أساس العدل والنزاهة، واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب!!!. اما خارج الحدود، فان شيطان مقتدى اخذه بعيدا حول الدعم الذي ستقدمه له دول الجوار جراء خشيتها من انتقال نيران الثورة الى عروشها. متناسيا أن مثل هذه الدول تخشى تسليم لحيتها بيد شخصية متلونة ومزاجية، اكثر من خشيتها من الثورة.
ترى هل سينجح مقتدى الصدر في قيادته للثورة المضادة، جراء توفر العديد من الظروف المناسبة؟ ام ستكون نهايته على يد الشعب العراقي وطليعته الظافرة ثوار تشرين الابطال؟
اذا كنت متابعا لما يجري في العراق حول الانتخابات وما يدور حولها والموقف منها، ستصاب بالدهشة والذهول من غباء مقتدى وجهل الاشرار الذين يدعمونه.
فالانتخابات فقدت قدرتها على استدراج الناس وخداعها، بسبب الوجوه الكالحة التي أنتجتها طيلة أربع دورات انتخابية، على الرغم من إجراء بعض التغييرات الترقيعية على قانونها ومفوضيتها او دخول الأمم المتحدة كمشرف عليها لضمان نزاهتها. بمعنى اخر، لم يعد سهلا تمرير هذه الكذبة، كما كان الأمر يجري في السابق.
وخير دليل على ذلك تدني نسبة المشاركين فيها وخاصة في الانتخابات الاخيرة، التي لم تتجاوز العشرة في المئة. وهذا ما يفسر لجوء هؤلاء الاشرار، الى تغيير اسماء احزابهم وكتلهم والقيام بزيارات ميدانية مبكرة للاحياء الفقيرة والعشوائيات وتدبيج الخطب المنمقة، لمغازلة الشارع العراقي وتكرار الوعود الوردية وخاصة، فيما يتعلق بالخدمات وتحسين الأحوال المعيشية وتأمين الرواتب.
بالمقابل فان فرضية تفويض أمر هؤلاء الأشرار لمقتدى جراء فشلهم، لا أساس لها من الصحة. فالاحزاب والكتل التابعة للولي الفقيه الإيراني لا تطمئن من جهة لمقتدى فهو الزعطوط على حد تعبيرهم، والامي والمتقلب والمهزوز كما يصفه نوري المالكي.
ومن جهة اخرى، فان كل طرف من هؤلاء يريد أن يفوز بقيادة البيت الشيعي ويعتبر نفسه المؤهل لها، ليتمكن من الاستحواذ على أكبر حصة من سرقة المال العام. بل ان البعض منهم دعا علنا الى عودة المالكي لادارة الحكم في العراق كونه الاقدر والاقوى والاشجع. بل لم يتورع هؤلاء في ذكر “مناقب” المالكي حول تخليه عن الطائفية وسعيه لإرساء دولة القانون وتمسكه بالمواطنة والوطنية والتغني بصلابته وذكائه، حتى خيل لنا بأنه الرجل الذي ادخره القدر لانقاذ العراق من الاحتلالين الامريكي والايراني وربما سيحرر لنا فلسطين.!!!!.
أما قدرة الاتباع والمريدين لمقتدى على تسويقه كمنقذ للعراق ومطالبة الناس بمنحه هذه الفرصة، فهذه ليست سوى أوهام وآمال فارغة، فعموم العراقيين قد اكتشفوا بما لا يدع مجالا للشك، زيف وطنية مقتدى، وكذب شعاراته الاصلاحية، والاقتناع الكامل بتبعيته لعملية المحتل السياسية وحرصه الشديد على حمايتها من السقوط.
في حين لم يعد هناك ادنى شك بان مقتدى هو القائد الفعلي لما سمي بالطرف الثالث المسؤول عن قتل الثوار. بل حتى المرجعية الدينية التي تدعمه، فقدت هي الأخرى تأثيرها على الجماهير، وبالتالي، فإن دعمها لمقتدى لن يغير من الامر شيئا يستحق الذكر.
لقد وقع مقتدى بعد قراره هذا، في شر أعماله. وستشهد المرحلة القادمة سقوط مقتدى المريع وتطوى صفحته وتمزق لترمى في مزبلة التاريخ. فالثورة ليس كما تخيلها مقتدى هدف سهل، وانما صعب المنال، ليس من قبله، وإنما من قبل كل أعداء الثورة، وما يمتلكونه من جيوش وسلطة ومال. اما ما يشيعه اتباعه هذه الايام، بان الثورة خف صوتها وقل زخمها وانكفات إلى داخلها، أو أنها انتهت ولم يبق منها سوى اصوات متفرقة، او انها قبلت بتسليم زمام امورها بيد حكومة الكاظمي، فهؤلاء في ضلال مبين.
فالثورة في طور التجذير في معظم المدن العراقية، وتحظى بتأييد كل طبقات الشعب العراقي، وفئاته الاجتماعية المختلفة، ومذاهبه المتنوعة. ناهيك عن حجم القوة الذي تتمتع به، والارادة والشجاعة والاستعداد للتضحية التي أصبحت أبرز سماتها.
والأهم من ذلك كله، أن الثورة مصرة على تحقيق كامل أهدافها، وفي مقدمتها اسقاط العملية السياسية برمتها. وخير دليل على ذلك، لم تكتف الثورة بسقوط حكومة المجرم عادل عبد المهدي، وانما رفضت الكاظمي خليفة له، ولم تخدع بالتعديلات الجزئية لقانون الانتخابات، ولا بكذبة إجراء انتخابات مبكرة، لعدم الوفاء بشروط الثوار. أما تراجع الانتفاضة، فمرده يعود الى المسؤولية الوطنية الكبيرة التي يتمتع بها الثوار، والتي تتطلب تجنب التجمعات في الأماكن العامة، لمنع انتشار وباء كورونا القاتل.
باختصار شديد، فإن ثورة تشرين العظيمة ما زالت الامل الوحيد للشعب العراقي والطريق لانقاذ العراق من محنته.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=3202