يا ذيول الولي الفقيه قد صدأت أبواقكم
يا ذيول الولي الفقيه قد صدأت أبواقكم
نجاح أي كاتب يتوقف على ما يمتلكه من الجرأة والشجاعة في طرح الرأي بحيث تكون أضعاف ما يمتلكه غيره من جرأة، بالطبع سيكون هناك الصراع حتمي في عقله بين قول الحقيقة او التكتم عنها لمآرب ربما تتعلق بالخوف من البطش، أو رغبة بابتزاز الغير، أو عملا بالقاعدة إن كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب. وفي كل الأحوال يتطلب الحق أفواه وأقلام حرة لا تتقيد إلا بموقف الضمير من تقييم الأحداث التي تجري على الساحة الإعلامية التي يغطي نشاطاتها، سيما في الدول الفاشلة التي تعاني من عدم الإستقرار السياسي، والفساد الحكومي، وسرقة الثروات وتبديدها وغيرها من المشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية. فقد أفرز الإحتلال الأمريكي الإيراني للعراق مثلا الكثير من المؤشرات التي لابد أن نتوقف أمامها، ونحللها بطريقة عقلانية بعيدا عن الأهواء السياسية و الميول المذهبية والعنصرية.
غالبا ما نجد في اللقاءات التلفازية، وبرامج الحوار تضادات ثقافية، وهذه التضادات تمثل وجهات نظر متعاكسة، لكنها مقبولة إن كان الغرض منها ترجيح كفة المواطنة وتبصير المواطن العراقي بما يحتاجه من رؤى واقعية لحلٌ المشكلات اليومية التي يعاني فيها، في ظل نظام سياسي فاسد، و بطالة وجوع وفقر و ثروات منهوبة و تضخم في الأسعار و مديونية خارجية عالية وتزوير شهادات علمية وانتشار الرشوة في جميع مؤسسات الدولة، وحشد من الموظفين والعسكريين الفضائيين يقدرون بمئات الآلاف، وسوء في إدارة العلاقات الخارجية وغيرها.
كل هذه الكوارث تتطلب محللين على قدر مميز من العلم والوعي وسعة الإطلاع والتحليل الصائب لتبصير المواطن العراقي في فهم ما يجري على المسرح السياسي، لكن مع الأسف الشديد كانت من إفرازات ثورة تشرين ظهور شرذمة من الإعلاميين المأجورين في البرامج الحوارية دون أن يكون لهم أي ظهور سابق في القنوات الإعلامية للطعن في مطالب متظاهرين أبسط ما يطلبونه وطن وهوية، في الوقت نفسه اختفت الكثير من الوجوه الاعلامية الوطنية لظروف لعل أبرزها انطلاقا من قول المتنبي (ولكن لا حياة لمن تنادي) أو بسبب استهدافهم من قبل الميليشيات الشيعية، فلا مكان للوطني المخلص في وطن يحكمه العملاء والجواسيس. ومن ابرزهم جاسم الرصيف، هبة الشمري، عبد الله الفقير، شلش العراقي وافراح شوقي والعشرات غيرهم.
لو تابع مقدمو البرامج الحوارية عدد المشاهدين لبرامجهم في حال استضافتهم أبواق الخامنئي لوجدوا أنهم يشكلون نسبة ضئيلة من المتابعين، ومن يتابعهم فإنما يتابع المناظرين لهم مثلا السادة يحيى الكبيسي وأحمد الأبيض، غيث التميمي، علاء الشرع، أياد العنبر، اياد العناز، غازي فيصل، وحيدر الملا وناجح الميزان غيرهم من كبار المحللين السياسيين، الذين يفيدوا متابعي البرامج بمعلومات وتحليلات صائبة وواعية، ولا ننسى مقدمي البرامج الرائعة مثل أحمد البشير ونجم الربيعي، مهدي جاسم ومحمد السيد محسن، و زيد عبد الوهاب واحمد ملا طلال، وعدنان الطائي و حميد عبد الله وأحمد الأدهمي وأحمد خضير و هاشم العقابي، باسل حسين وغيرهم، والسيدات الإعلاميات المبدعات كسؤدد طارق، سحر عباس وعلا ابو جاموس وغيرهن.
على الضفة الأخرى تجد مجموعة من المحاورين ممن أطلق عليهم الإعلامي الرائع أحمد البشير (الزبابيك) وقد أحسن في وصفهم، مع انهم يستحقوا وصفا أشد من (الزبابيك)، لأنهم مجموعة من إفرازات ابط الولي الفقيه في ايران العفن، لذا فإن رائحة العمالة والتبعية تفوح من أفواههم، وغالبا ما تكون حصيلتهم في البرنامج بصقة او شتيمة من قبل المتابعين. ومن هؤلاء الزبابيك او العقارب، حيدر البرزنجي، هاشم الكندي، عبد الأمير العبودي، نجاح محمد علي، خالد السراي، عدنان السراج، عباس العرداوي، أحمد عبد السادة ومحمد البصري وعبد الأمير الدبي والعشرات غيرهم.
هؤلاء (غوغاء الصحافة والإعلام) تغاضوا عن النظر لمستقبل العراق بمنظار البصيرة والمسؤولية الوطنية والعروبية، فغمسوا اقلامهم بمداد الخيانة، وأفواههم بكنيف الولي الفقيه، عسى ان يزينوا الوجه القبيح للعملية السياسية والميليشيات التي يدافعون عنها بضراوة، ونسوا انه ” لا يصلح العطار ما أفسده الدهر”. إن المدح في غير موطنه ذم وقدح، وإذا تجاوز حده أثبط من همة الممدوحين، و حط من قيمة المادحين، وأضعف الإرادات وأشل العزائم. لقد تعامل الإعلام المأجور بتناغم مع حكومات الفساد المتتالية والميليشيات الولائية، وليس مع مصلحة الشعب العراقي، وهذا ليس خطأ بل خطيئة لا تغتفر، وجريمة بحق الشعب العراقي.
إن المؤسسات الصحفية الحرة والرصينة سيدة نفسها وسيدة أفكارها، وليست غانية تهب نفسها لمن يجزل لها العطاء. إنها شامخة تسموا على الحاكم والوزير والقاضي والعالم ورجل الدين، لأن مسؤوليتها أكبر منهم جميعا، فهي الرقيب على جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وتعمل لمصلحة الشعب أولا. فتقرأ الأحداث بملية و تأني وعمق، وتفهمها بتعقل، وتشخص مواطن القوة والضعف في جسد الدولة وكل مؤسساتها، وتحسن الاستنتاج، وتصقل الحقيقة وتكشف العلل بكل شفافية دون مواربة، بعيدا عن كل الإغراض، إلا غرض واحد وهو الحقيقة المبنية على الوعي والإدراك والمصلحة الوطنية، وليس التخمين والاستشعار والأجندات الخارجية.
لكن هذا لا ينفِ وجود مواكب طليعية تدور خارج فلك الولي الفقيه، فهناك بحمد الله حركة فكرية ونهضة تنويرية سرت روحها في عالم الإبداع قبل وبعد ثورة تشرين، ولا يمكن لمكابر ان ينكرها أو يتنكر لها. مجموعة من الكتاب الأحرار الذين نهضوا من تحت جمرة الإحتلال الأمريكي الإيراني لينفضوا عن أجسادهم كل ما تعلق بها من رماد العبودية والاستعباد، كأنهم قبس من نور المعرفة الأبلج، بددوا ضباب الجهل والدجل المعمم، فصفى أديم الحقيقة بعد أن تحررت من أغلال الاستبداد والتخلف. لم يتمكن لمعان الذهب على قوته من أن يبهر أنظارهم، فقد فضلوا عليه تراب الوطن الغالي. لأن العقل البشري الواعي والمتعلم لا يطأطأ رأسه مطلقا أمام العمالة والعبودية، المبادئ الوطنية الأصيلة هي في الحقيقة قوة العراق الأشم وشرفه الأثيل المنعم.
هناك فرق بين كتاب الإحتلال، وكتاب المقاومة ـ نقصد القوى المعارضة للعملية السياسية، وليس محور المقاومة المزعوم الذي تحول الى محور مقاولة عبر المكاتب التجارية للأحزاب الولائية ـ فالنوع الأول أي الإعلاميون الذيول مسكوا السلاح وهددوا الأمن الوطني في ظل صمت وزارة الأمن الوطني، والنوع الثاني مسكوا العقلانية وتمسكوا بالفكر والوعي الوطني. الأول يلوث عقله بالمدح للزعماء الولائيين، والثاني يشحذ عقله للجهاد السلمي وكشف المستور أمام الشعب المقهور، الأول يجلس تحت أقدام الولي الفقيه، والثاني يجلس فوق رأسه الفارغ ويطرق عليه بمداسه.
لقد أدرك كتاب المقاومة معنى الشرف والغيرة والوطنية، وفات كتاب الإحتلال كل ذاك، بل تركوه ورائهم، وما عاد ينفعهم شيئا. حتى الاعتذار والرجوع إلى جادة الصواب فقدت مسوغها وأهميتها، اقلام سودت صفحة الحقائق بمدادها، وافواه تنبعث منها رائحة الكنيف.
لا نعرف هل فكر هؤلاء الأوغاد بأبنائهم واحفادهم، واي تأريخ شخصي معيب خلفوه لهم، لقد أورثوهم عارا لا يقل عن عار الخونة في التاريخ. كل السلبيات يمكن أن يطويها الزمن، إلا العمالة ولنا في العلقمي أسوة.
إن وظيفة الإعلام الوطني هو تعليم الأمة، وإيقاظ الهمم بإنارة عقول العامة وتحريرها من عتمة رجال الدين والسياسيين الولائيين والفاسدين. لأن الصحافة الحرة أفضل مرشد للسداد، وأقوى رادع عن إرتكاب الفساد، للإعلام شأن كبير في توجيه الرأي العام، وميدانه ساحة العقل الرحبة، أما السلاح وتهديد السلم الوطني فهو شأن خطير وميدانه ساحة الحرب، وعلى الإعلاميين توخي الحقيقة، مهما بلغت مرارتها، وصعب هضمها.
احفظوا ما تبقى من حياء ، وراجعوا أنفسكم يا إعلاميين من الزيغ عن الصراط المستقيم وانتم تعيشون في دار البقاء لا تنسوا دار الفناء، لقد ضيق بعضكم وسيع الصدر كدرا والما، وكشفتم سوء طويتكم وخبث مقاصدكم.
أقول في الختام: عندما يغوص الإعلامي الحر في بحار الوطنية سيعثر على الدر المكنون والصدف غالية الثمن. وعندما يغوص الإعلامي الولائي في مستنقع العمالة فسوف لا يعثر سوى على الكنيف والقذارة والعفن. هم كما وصفهم شاعرنا الرصافي:
مـــــا أنتم إلا بناء ساقــــــــط نتن مليء إرضـة متآكــــــل
هجرت عباقرة مساقط رأسها وخلافها لـم يبق إلا جاهــــل
يا ذيول الولي الفقيه قد صدأت أبواقكم
يا ذيول الولي الفقيه قد صدأت أبواقكم
Source : https://iraqaloroba.com/?p=11667