أمريكا تنام وتصحو على حوادث القتل…؟
أمريكا تنام وتصحو على حوادث القتل…؟
عادت الولايات المتحدة لتشهد حلقة جديدة من ”العنف الاجتماعي”، فقد أعلنت الشرطة الأمريكية ليل الثلاثاء 10/11/2020، أن شخصا قتل وأصيب سبعة آخرون في إطلاق نار من مركبة متحركة في ملعب لكرة السلة في تامبا بولاية فلوريدا، ويعتقد المحققون أن مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يستقلون سيارة ذات نوافذ مظللة أطلقوا عدة طلقات أثناء مرورهم بالقرب من ملعب لكرة السلة.
يعتبر حق حيازة السلاح الفردي في الولايات المتحدة موضوعاً شائكاً، يثير الكثير من الجدل والانقسامات بين الأمريكيين الذين يحتلون المرتبة الأولى عالمياً في معدل حيازة الفرد للأسلحة، بحسب الإحصاءات، كما أن معدلات الوفاة الناتجة عن استخدام هذه الأسلحة النارية هي الأكبر وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية.
فقد ارتفعت حوادث القتل خلال فترة تفشي وباء كورونا، حيث ارتفعت بنسبة 15 في المائة خلال النصف الأول من عام 2020، حسبما قاله مكتب التحقيقات الاتحادي.
وقد شهدت مختلف المدن والولايات الأمريكية خلال السنوات الأخيرة تزايدا كبيرا في وتيرة عمليات وحوادث إطلاق النار، ومنذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، موجات غير مسبوقة من جرائم الكراهية والتمييز العنصري شهدها المجتمع الأمريكي رفعت معدل حوادث إطلاق النار التي تحصد المزيد من أرواح الأمريكيين فيما ارتفعت نسبة الجرائم والاعتداءات على الأقليات إلى أعلى مستوى لها…
وفي هذا السياق فقد قالت شركة “تحليلات وتنبؤات الأسلحة الصغيرة” وهي شركة أبحاث معنية برصد مبيعات الأسلحة، إن قطع الأسلحة التي جرى بيعها شهدت زيادة ملحوظة خلال 2020 بنحو 17 مليون قطعة.
ولم يتضح السبب وراء الزيادة، رغم أن بعض المراقبين تكهنوا بأن الزيادة ربما ترجع إلى الاقتصاد المتعثر، أو تقاعس رجال الشرطة عن أداء مهامهم بسبب ازدياد الشعور بعدم الثقة في جهاز الشرطة، ووفقا لاستطلاع أخير بين تجار التجزئة للأسلحة، فإن نحو 40 في المائة من الزبائن على مستوى أمريكا هذا العام يشترون سلاحاً لأول مرة، بارتفاع من نسبة 24 في المائة خلال الأعوام الماضية.
واشترى الأمريكيون من أصحاب البشرة السوداء أسلحة بنسبة أعلى من الأعوام الماضية تبلغ 58 في المائة، فيما تعد أعلى زيادة لأي مجموعة سكانية، أما بعض الأمريكيين الآسيويين فقالوا إنهم يخشون استهدافهم في هجمات عرقية عقب اتهام الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الصين أكثر من مرة بأنها وراء تفشي فيروس كورونا.
وفي تدوينة للرئيس الأميركي باراك أوباما في العام الماضي قال فيها:
إنّ نسبة قتل المواطنين الأميركيين لبعضهم البعض تفوق ما يماثلها في دول متقدمة أخرى، وذكر أنّ تلك النسبة في الولايات المتحدة تفوق 297 ضعفاً عنها في اليابان و49 في فرنسا.
حتى المدارس تحوّلت إلى أماكن يجب حمايتها من الأسلحة حيث يوجد أكثر من 30 ألف مدرسة لديها حراس مسلحين.
وبالرغم من أنّ نسبة سكان الولايات المتحدة تبلغ 4.4 في المائة فقط من نسبة سكان العالم، إلا أنّ عدد مالكي السلاح الناري من المدنيين في العالم يصل إلى 644 مليوناً، نصفهم يعيشون في أميركا وحدها.
وسبق لوكالة تلغراف البريطانية أن نشرت تقريرا لها يوضح، أن الولايات المتحدة تحتلّ المركز الأول من حيث عدد الأسلحة لكلّ مواطن إذ يوجد 112.6 سلاح ناري لكل مئة مواطن أميركي.
أما وفقاً لدراسة نشرتها وكالة “فوكس” فإنّ عدد القتلى الأميركيين بالسلاح الناري في أميركا يساوي ستة أضعاف جارتها كندا و16 ضعف الرقم في ألمانيا. وفي هذا السياق نشرت عدة تقارير، وصفها مراقبون بالصادمة، نشرتها وكالات أنباء عالمية، كالذي نشرته صحيفة “الغارديان”، البريطانية حيث نشرت تقريراً قالت فيه إنه تمّ إجراء 3.7 مليون فحص للأسلحة النارية من خلال نظام الفحص الأمني لمكتب التحقيقات الفيدرالي في شهر آذار/ مارس الماضي، أيّ بزيادة فاقت نسبة الـ80 في الماضي عما كانت عليه مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وقدّرت وسائل إعلام أميركية أنه تمّ أيضاً خلال شهر آذار الماضي وحده اقتناء أكثر من 2.6 مليون قطعة سلاح جديدة، إذ وصلت نسبة الارتفاع على شراء أسلحة جديدة إلى أكثر من 85 في المائة، استناداً أيضاً إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وحسب التقارير فإنّ المدنيين الأميركيون كانوا يمتلكون في السابق 393 مليون بندقية في عام 2018 سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، لكن التقديرات الصادرة عن عدد من المراكز المتخصصة تشير إلى أنّ هذه الأعداد تضاعفت بشكل كبير منذ بداية العام الماضي، بدأت موجة شراء الأسلحة بدلاً من المعقمات مع خوف الأميركيين من فوضى فيروس كورونا بعد تحريض الرئيس ترامب لأنصاره بخاصةً أعضاء اليمين المتطرف للتمرّد على أوامر الحجر التي أصدرها مسؤولون ديمقراطيون، وهو التمرّد الذي تحول لاحقاً إلى تمرّد مسلح على إجراءات الحجر، ليزداد خوف الأميركيين من أعمال العنف العنصرية.
والشاذ في الأمر، أنّ تصريحات ترامب التحريضية ونزعته لما يسمى ”التفوق العرقي للبيض” عززت بذور التمييز العنصري المتأصل أيضاً في الولايات المتحدة وساعدت على انتشاره كما النار في الهشيم، لتطمس كل المحاولات والجهود التي بذلتها المؤسسات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية على مدى عقود لتبرئة المجتمع الأمريكي من تهمة العنصرية.
وعلى الرغم من أن لون البشرة، واحداً من أهم مسببات الانقسام في داخل المجتمع الأميركي، كما تعكسه مرآة السياسة هناك، إلا أن على المرء أن لا يغفل قط ما يشغل الأميركيين اليوم من صراع حاد حول السماح بحيازة وحمل الأسلحة النارية الخفيفة، بل وحتى المتوسطة والثقيلة، هناك، بخاصة بعد تضاعف أنباء عمليات القتل العشوائي التي يتوقعها الأميركيون اليوم في المدارس والجامعات، وفي النوادي والأسواق، من بين سواها من الأماكن العامة.
ورغم تزايد عدد حوادث إطلاق النار وانتشار الرعب في المجتمع الأمريكي، إلا أن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لم تحرك ساكنا، بل عرقلت أي تحرك قانوني لسن تشريعات جديدة تحد من انتشار الأسلحة في الولايات المتحدة وسهولة حيازتها.
فترامب يعتبر من أبرز المدافعين عن حرية اقتناء السلاح، وسبق أن تعهد خلال حملته الانتخابية عام 2016 بالدفاع عما اعتبره ”الحق” لدى فئات من الأمريكيين بحمل سلاح ورفع القيود التي وضعها الرئيس السابق باراك أوباما على شراء الأسلحة.
والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدى في أكثر من مناسبة انحيازه لمصالح شركات الأسلحة و”حق حيازة الأسلحة النارية” على الرغم من تنامي أعمال العنف وعمليات إطلاق النار في الولايات المتحدة وخروج مظاهرات حاشدة تطالب بوضع قيود وضوابط لانتشار السلاح في المجتمع الأمريكي.
وإذا كان الرئيس دونالد ترامب، متمسكاً شخصياً بموقف المؤيد لحيازة وحمل الأسلحة، فإن ذوي ضحايا الرمي العشوائي، يقفون ضد الرئيس وضد حزبه بسبب ما تعرضوا إليه من آلام وما قدموه من ضحايا، جلهم من أبنائهم، للأسف.
انعكاس هذا الكم الهائل من عنصرية ترامب سواء ضد الأقليات أو المرأة كان واضحاً في المجتمع الأمريكي، فقد زادت خطابات العنصرية والتمييز في أرجاء الولايات المتحدة، كما زادت حدة العنصريين البيض.
وحسب الاحصائيات الجديدة فإن معظم عمليات القتل الجماعي وقعت بين أشخاص تربطهم علاقات شخصية أو نتيجة نزاعات عائلية أو قضايا مرتبطة بالمخدرات والعصابات ما يوضح حالة التفكك التي يعاني منها المجتمع الأمريكي نظرا لانتشار ظاهرة العنف وثقافة حق حمل السلاح الفردي دون رقيب أو حسيب.
لقد ارتفعت حوادث إطلاق النار حيث شهدت البلاد خلال العامين الماضيين عشرات حوادث إطلاق النار كان أبرزها في تشرين الأول 2017 عندما أطلق رجل النار على حفل موسيقي في لاس فيغاس بولاية نيفادا ما أسفر عن سقوط 58 قتيلا ونحو 500 جريح. وسجلت حوالي 1.2 مليون جريمة عنف في 2018 في الولايات المتحدة. وسُجل في 2018 ما مجموعه 16214 جريمة قتل، ارتُكب نحو 75 في المائة منها بواسطة أسلحة نارية، وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي.
وقالت صحيفة ”يو أس إيه توداي” الأمريكية، إن عام 2019 شهد وقوع أكبر عدد من عمليات القتل الجماعي منذ السبعينيات، بواقع 41 عملية قتل فيها فوق أربعة أشخاص باستثناء مرتكب الجريمة.
ومن بين هذه العمليات كان هنالك 33 حالة إطلاق نار قتل فيها 210 أشخاص.
وأشارت الإحصائيات إلى أنه تم تنفيذ معظم هذه الحوادث بالأسلحة النارية مبينة أن توصيف القتل الجماعي ينطبق على أي حادث ينطوي على مقتل أربعة أشخاص وما فوق باستثناء القاتل. وقالت الصحيفة إن معظم عمليات القتل الجماعي لم تجد طريقها إلى وسائل الإعلام الوطنية، لأنها لم تقع في أماكن عامة، ويتضمن غالبها قتل زملاء العمل، أو الأقارب، أو أفراد عصابات.
مسؤولية ترامب عن ارتفاع جرائم الكراهية وإطلاق النار لا تقف فقط عند عنصريته ومواقفه القائمة على التمييز والتفرقة بين الأمريكيين بل تتعداها إلى تجاهله عواقب هذه الجرائم ورفضه كل المحاولات الهادفة إلى تعديل القوانين الخاصة بحيازة السلاح إرضاء للوبي الأسلحة الأمريكي الذي يتألف من جماعات ضغط وشركات لا يرغب ترامب بمعارضتها نظرا للمصالح المشتركة التي تجمعه بها.
وما نسمعه اليوم من ترامب، هو ما قاله نفسه السياسي الأميركي جون كالهون عام 1848 في نقاش بشأن عدّ المكسيكيين مواطنين في الولايات المتحدة الأميركية، عندما قال: ”حكومتنا هي حكومة الرجل الأبيض” وكرره السياسي الأميركي ستيفان دوغلاس عام 1858 ”لقد قامت دولتنا على يد الرجل الأبيض، من أجل مصلحة الرجل الأبيض وازدهاره إلى الأبد”.
تصف ”روبين توماس” مديرة المركز القانوني ضد أعمال العنف التي ترتكب باستخدام أسلحة نارية واقع انتشار الأسلحة الشخصية في الولايات المتحدة بالقول ”الدولة الفيدرالية لا تفعل إلا القليل وتقريباً لا شيء” في هذا المجال، ولكن 40 في المائة من مبيعات الأسلحة لا يشملها القانون لأنها تجري بين أفراد ”على مواقع الكترونية متخصصة لتقوم بدور وساطة بين شخصين ولا يطال القانون سوى التجار الذي يملكون تصريحا بهذه التجارة، وهناك ثغرات في السجل العدلي الفيدرالي للأفراد”.
ويمكن الربط بين النظم الاقتصادية وما يحدث في المجتمعات، ويتفرد مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية بنظام اقتصادي لا يماثله نظام آخر في العالم، فدولة الولايات المتحدة تضم خمسين ولاية ولكل ولاية نظمها وقوانينها، غير أنها جميعاً سائرة في إطار نظام السوق والاقتصاد الرأسمالي القائم على المنافسة ومنع الإحتكار، وتأخذ المنافسة واقعاً حدياً لا وجود للضعفاء مكان فيه، بل أن هناك أعرافاً تسير الحياة وفق دلالاتها ومضامينها منها ”عندما نتحدث عن الكسب و المال فإن الشفقة تعني الضعف” و ”إن الفقراء أغبياء و كسالى ويستحقون فقرهم والأغنياء الأثرياء أذكياء و مثابرون ويستحقون غناهم”.
أما نظام السوق فيعمل بقوانين المنافسة الكاملة والتي من بين أنواعها ما يعرف بـ”منافسة قطع الحنجرة” التي تعني ”اقض على منافسيك بإخراجهم من السوق قبل أن يقضون عليك ويخرجونك من السوق” في مثل تلك النظم والقوانين والتشريعات الصارمة الحدية التي تفرضها النخب السياسية في الكونجرس التي تمثل كبريات الشركات والمصالح المسيطرة على سائر طبقات المجتمع الأمريكي، في مثل هذا الواقع لابد أن يسعد أناساً ويشقى منه آخرون.
*كاتب صحافي من المغرب.
المصدر : https://iraqaloroba.com/?p=2735