الرَّقّة المنسية، عاصمة الرشيد وعروس الفرات الخالد ودرته
الرَّقّة المنسية، عاصمة الرشيد وعروس الفرات الخالد ودرته
ريحانةُ الفراتِ وعروسـهُ الأزليّة ، ” كالينكوس ” كما كان اسمها الأول قبل الميلاد و كالينيكوم و توتول و ومينيابوليس و يوليانوبوليس و أسمائها الأخرى، الرَّقة التي ماخامرَ شاطئَها يوماً شكٌّ بالتقاء ِكلِّ أشكالِ فجور الكون ونقائه .
المدينة المسالمة التي لم يخطرْ على بالِ طرقاتها أن تمرَّ بها ماريشالات العروض العسكريّة من كافّة الجنسيّات .
حتى ترهّلتْ وهادها بالحروبِ والبشاعةِ وفاضتْ بيوتاتها بالعذابات و الجراحات و الأنين ،
الرَّقةُ التي فقدتْ التواصلَ مع الحياة وباتَ بريدُ الموت هو العنوان و الوسم ،
الرَّقّة ( العربية ) السورية التي كانت منسـيّة حتى على أخبارِ النشرةِ الجويّة لأن فراتها لا يغيّرُ لونه على مرِّ الفصول ؛
وسماءها بقيتْ تحرسُ عبقَ الزيزفون و الصفصاف وعطايا الربيع و حنطتها و قطنها وطيبة وعفوية وشمائل أهلها لم تتبدّل على مرِّ السنين .
فجأةً ..وفي سابقة زمنية صادمة ، دخلت التاريخ الحديث من أسوأ أبوابهِ ، بعدما كانت قد افتتحتْ تاريخاً ملوّناً بالحضارات والانفتاح على الترجمة والتوثيق والعمران في العصر الذهبي للخلافة العباسية ونسيجاً مجتمعياً متنوّعاً من كافة الطوائف والاثنيات والملل .
منذ احتضانها لأفواج الشّركس والأرمن و الكراد (حركة سعيد بيران) الهاربين من المذابح وإقامتهم فيها بعد أن سكنتْ قلوبهم وارتاحتْ في سِلْمٍ أهليّ منقطعِ النظير ؛ مروراً باحتضانها للأشقاء اللبنانيين والعراقيين في سنوات حروبهم الماضية ، والأهل السوريين القادمين من المدن غير الآمنة قبل سقوط و إحتلال الرقة ،
أصبحت الرقّة الآن .. أضحية التطرّف وخفافيش الظلام و شذاذ الأفاق و القنادلة و في بازارات الموت الأمميّة ، والاسم المحنّط في المؤتمرات التي تعجُّ بالمصافحاتِ الكيديّة وغرفِ الموت العربيّة ، و الكرة الذهبيّة في ملعب السياسة العالمي .
لا يزال أهلها يتساءلون بسِـلْمٍ حائر:
ماذا اقترفنا ليحرقنا ويأكلنا العرب والعجم ؟!
الرَّقة التي أُرسلتْ إليها جميع التنظيمات و الفصائل المشبوهة والمجرمة تقودها رايات صفراء و سوداء وغرف تحكّم قاتلة ، وقصفَتها قوات التحالف حتى بعد موتها ، وجُربت على أرضها وأهلها كل أنواع الأسلحة المحرَّمة دولياً والصوارخ والقنابل والألغام.
الألغام التي حصدتْ كثيراً من أرواح المدنيين الهاربين من جحيم ِداعش وحتى إرهابيي قنديل والحصار و قصف المدنيين الذين سلكوا طرق الموت لينجوَ منهم شهودٌ على جرائم ــ تم التعتيم عليها ــ تضاهي في بشاعتها كل الجرائم و المجازر .
لقد نُهبَت المدينة وخُرِّبتْ صروحها الأثريّة على مرأى ومسْمَع العالم ولا يزال النّهبُ مستمراً في ظلِّ عدمِ حصول الانتربول على إحصائية دقيقة بحجم المسروقات .
ولا نستغرب أن نجدَ في متاحفِ العالم الرُّقُم الطينية الآشورية وكنوز وفسيفساء هرقلة وحمّام التركمان وقلعة جَعبر الأثرية والمتحف منذ أوائل العصر البدائي 7000 قبل الميلاد والعصر البرونزي و البابلي والأرامي والآشوري والروماني والبيزنطي والعصور الوسطى ..
الرقة التي تُغتصب وتُنهب خيراتها ويتم احتلالها بذريعة الحماية ، تفوح من شوارعها رائحة الموت والجثث المتحللة تحت الأنقاض .
تفرّق أهلها في بيوتٍ ليستْ لهم ، يشربون مياهاً ليستْ فراتهم ، علّق أبناؤها أحلامَهم ومستقبلهم على شمّاعةِ الضّميرِ العالمي الميّت .
لاتزال المدينة تُغتصَب كل حين ويهجر أهلها من قبل الرايات الصفراء ويتمُّ التسوّل على رصيفها من قبل المنظّمات والجمعيّات الإنسانيّة المزعومة ؛ في محاولةٍ لتأصيلِ الدور الدولي الإغاثي ، والذي نعلم جميعاً أنه وسيلة مخزية في إذلال “الشعوب “وتوطينها واندماجها في واقع الاحتلال وتُستثنى فقط بعض الجهود الأهلية التي تسلكُ طريقاً تكافلياً ليس بغريب عن أخلاق أهلها .
ولكن أي ” شعب” وهو ينافسُ الماء في جودهِ ويشادي الغيمَ في سماحتِهِ ويصافحُ النخيل في رِفعتهِ حين يموت واقفاً؟!
والرّقة المشنوقة بحبال الحقد و الشوفينية ،
الرّقة التي لم تعي معنى التطرّف في ثقافتها ، ولم تفهمْ تفسيرَ ماحدثَ على أرضها وفي سمائها حتى اليوم ، تحوّلت إلى حدَثٍ يوميّ سيء السمعة ،
بعدما كانت تصدّر الحُبّ والحَبّ والحمام والوئام لكل من يقصدُها ؛ وتتصدّرُ الأفلامَ التي تتحدّث عن الإرهاب .
والسؤال من هم الأبطال في هذا المشهد البشع ؟
إنّهم الحمائم المفترسة والذّئاب المعتدلة الذين سرقوا أماننا وحياتنا ودفء دورنا وحجورنا …
الرقَّة هي المدينة المظلومة بصورتها النمطيّة في مخيّلة السورييّن على أنها مدينة البادية البسيطة ؛ بينما في واقع الأمر كانت قدتجاوزت وتقدمت في فخامة وجمال عمرانها وبناها التحتية على كثير من المدن السورية ؛ لمرحلة أن المتأمل لشوارعها لا يلتقي نظره بفوضى الكابلات والمخالفات و…التي تتواجد في كثير من المدن السورية… بل والعربية .
المدينة المنسيّة أيها العالمُ الغافل والمتغافل …
الرّقة عاصمة الرشيد وعبوره إلى ضفاف بدائع الصيف .
رقّةُ الزيزفون وسِـحرُ السُّكون ..!
رقَّةُالصفصاف و البردي وقزح الأطياف نداوة الحبِّ ووشوشة الضفاف ..
رقّةُ أهل الله المتخفّين برداء البساطة ..
رقّةُ الخير ـ أيّها السوريون ـ قمحكم في سنابل السنوات الماضية ..
خبزُ البلاد وماؤها ..
ترى هل ستبقى مجهولة المآلات ؟!
تترنّح على تخومها أسوأ السيناريوهات !
الرقة_المحتلة_المنسية!
Source : https://iraqaloroba.com/?p=5435