العراق المحتل وطالبان
العراق المحتل وطالبان
لن نكون طالبان ونعلن العفو والسماح إلا بعد تسديد الحساب لكل من تلطخت أيديهم بالدم العراقي ووفق القانون
توقعت في أحد مقالاتي الافتتاحية في صحيفة بابل العراقية نهاية 2001 أن مصير العدوان الأمريكي واحتلال أفغانستان سينتهي بحالة أسوأ من نهاية احتلالهم لفيتنام… ورغم أن الاحتلال الامريكي كان تحت ذرائع وادعاءات كاذبة كان صوت المدافع والصواريخ كافيا ليعمي بصيرة العالم ويصم اذانهم عن إدراك جوهر الحقيقة التي تم التدليس عليها ،فألمؤسسات العالمية التي تقود العالم ومنها أمريكا قررت بأحتلالها أفغانستان قطع الطريق على الصين لتنفيذ اجندتها كقوة صاعدة لاسيما انشائها طريق الحرير الذي يجب ان يمر عبر أفغانستان وتحجيم التوسع الأفقي لروسيا في آسيا، ناهيك عن المغانم المالية وعلى سبيل المثال لا الحصر اشار جوليان أسانج مؤسس ويكليكس الى ان احد اهم اسباب احتلال أمريكا لأفغانستان هو تبييض الأموال وتجارة الحشيشة لصالح الطبقات المهيمنة على أمريكا الرأسمالية ووو. ولذلك يجب ان نفهم ان ما يرمز إليه الانسحاب الأمريكي من افغانستان بأنه ليس انسحاب العاجز بل تنفيذ خطة بديلة لاستدراك ما خسروه من حروبهم العبثية ضد الشعوب الاخرى لاسيما المسلمين.
أكاذيب أمريكا
في مايو 2002 بثت شبكة NBC العالمية الإخبارية تقريرا يفيد بأن جهاز الأمن القومي الأمريكي قد قدم قبل يومين من أحداث 11 سبتمبر 2001 خطة كانت إجمالا نفس خطة الحرب التي وضعت موضع التنفيذ من قبل البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية والبنتاغون بعد هجمات 11 سبتمبر. كانت الخطة المذكورة تفيد بشن حرب ضد القاعدة. تبدأ هذه الحرب بالمبادرات الدبلوماسية حتى تصل إلى العمليات العسكرية ضد القاعدة في أفغانستان. وكانت هذه الخطة تقول بأنه سيتم إقناع حكومة طالبان الأفغانية بتسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة. وأن الحكومة الأمريكية ستبدأ باستخدام القوة العسكرية لأن طالبان سترفض حتما ذلك.
شكلت لجنة مشتركة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري للتحقيق في هجمات 11 سبتمبر. وطبقا لتقرير نشرته اللجنة في عام 2004 فإنه قبل يوم بالضبط من هجمات 11 سبتمبر 2001 وافقت إدارة جورج بوش على خطة للإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان بالقوة إذا رفضت طالبان تسليم أسامة بن لادن. في يوم 10 سبتمبر في اجتماع عالي المستوى ضم مسؤولي الأمن القومي في إدارة الرئيس بوش تمت الموافقة على منح طالبان إنذارا أخيرا لتسليم بن لادن. وفي حال فشل ذلك فإن الولايات المتحدة ستعطي مساعدات عسكرية سرية إلى المجموعات المسلحة المضادة لطالبان. وإذا فشلت هذه الخيارات جميعا فقد “وافق النواب على أن الولايات المتحدة ستسعى للإطاحة بنظام طالبان من خلال إجراءات أكثر صرامة”.
وفي تقرير صحفي نشر في مارس 2001 في جريدة جاينز البريطانية، صرح مصدر استخباراتي وعسكري مسؤول أن الولايات المتحدة كانت قد خططت واتخذت إجراءات ضد طالبان كان سيشرع فيها قبل ستة أشهر من هجمات 11 سبتمبر 2001 ووفقا لجريدة جاينز فإن واشنطن أعطت تحالف الشمال الأفغاني معلومات ودعم لوجستي كجزء من إجراءات متفق عليها مع الهند وإيران وروسيا ضد نظام طالبان الأفغاني، واستخدمت القواعد العسكرية الأمريكية في طاجكستان وأوزباكستان.
تسميات مختلفة والهدف واحد
أطلق على العدوان الأمريكي على أفغانستان سبتمبر 2001 تسميات مختلفة مثل الحرب في أفغانستان أو الحرب الأمريكية في أفغانستان، أو الحرب الأفغانية، أو الحرب الإنجليزية الأفغانية الرابعة كما سُميت حركيًّا لحد عام 2014 عملية الحرية الباقية، و من 2015 إلى 2021 عملية حارس الحرية، عقب غزو الولايات المتحدة لأفغانستان في 7 أكتوبر 2001، نجحت هي وحلفاؤها في تنحية طالبان عن السلطة لحرمان القاعدة من اتخاذ مقر عملياتي آمن في أفغانستان ،بعد انهزام طالبان في بداية الغزو، أعاد قائدها مُلَّا عمر تنظيمها، وشَنّ في 2003 الهجمات القوية على الحكومة الأفغانية وضد القوات المساعدة الدولية لها ومنذ ذلك الحين الحرب قائمة بين الولايات المتحدة وقوات الحكومة الأفغانية الحليفة وبين مقاتلي طالبان. وهي أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.
في عام 2021، وبعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بدأت حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان تدريجيًا وفي يوم 15 أغسطس استطاعت حركة طالبان السيطرة على العاصمة كابل و ستعلن عن عودة وشيكة لإمارة أفغانستان الإسلامية. وفر الرئيس الأفغاني أشرف غني من أفغانستان إلى طاجيكستان تاركًا البلاد لطالبان التي فرضت سيطرة كاملة على العاصمة الأفغانية كابل بعد 20 عاما من الاحتلال الأمريكي. و بموجب اتفاق مع طالبان،وافقت الولايات المتحدة و حلفاؤها في الناتو على سحب جميع القوات، مقابل التزام الحركة بعدم السماح للقاعدة أو أي جماعة متطرفة أخرى بالعمل في المناطق التي يسيطرون عليها.
وحدّد الرئيس الأمريكي جو بايدن موعدا نهائيا في 11 سبتمبر/أيلول، الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، للانسحاب الكامل للقوات الأمريكية.وقالت حركة طالبان لبي بي سي إن أي قوات أجنبية تبقى في أفغانستان، بعد الموعد النهائي لانسحاب الناتو في سبتمبر/أيلول، ستكون معرضة للخطر بصفتها “محتلة”.وكانت حركة طالبان الإسلامية المسلحة قد أثبتت أنها قوة قتالية هائلة في أفغانستان، ظهرت حركة طالبان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، شمالي باكستان، عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان وغالبية أفرادها في البداية كانوا من الأطفال الأيتام الذين قتلت القوات السوفيتية أهاليهم. حيث تم زجهم بالمعاهد الدينية التي يعتقد أنها مدعومة من السعودية ليتعلموا الفقه الإسلامي على طريقة أبو حنيفة النعمان ،ولمعت اسم طالبان، في أفغانستان خريف عام 1994. ووعدت طالبان، التي تتواجد في مناطق البشتون المنتشرة في باكستان وأفغانستان، بإحلال السلام والأمن وتطبيق للشريعة بمجرد وصولها للسلطة.
مع خروج الولايات المتحدة من أفغانستان ، عشية الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر ، من المهم التفكير في الانعكاسات الأوسع والأطول أجلاً لذلك الانسحاب. عند فحص الانسحاب وعملية السلام والديناميكية الأخيرة لبناء الميليشيات وسيطرة طالبان ، أصبح من الواضح أن تهديدًا عابرًا للحدود الوطنية المختلفة على المصالح الأمريكية آخذ في الظهور. لقد اكتشف الأمريكيون استحالة الانتصار على من تحتلهم بل وأكثر من ذلك اكتشفت أنها في حربها عليهم ساهمت في إحياء محركات هذه الشعوب التي استفاقت تحت الوخز الذي كان يسعى لإخماد جذوتها فإذا بها تستعيد دقات القلب الكوني، أمريكا فعلت ذلك بعد ان يأست من قدرة أوروبا استئناف الاستعمار المباشر الذي هو الوسيلة الوحيدة لحماية عملائها ولا قدرتها على منع التنين الصيني والدب الروسي من الدخول عليها من جبهات عديدة تفتحها على نفسهما.
لقد أخطأت إدارات الولايات المتحدة في اعتقادها أن احتلال أفغانستان كان محسوم النتائج ولذلك وصلوا الى قناعة إما أن ينسحبوا بطريقة منظمة أو أن عليهم تحمل انسحاب سيندمون عليه، لاسيما وقد دخل الصراع في أفغانستان بعد عشرين عاما دامية مرحلة جديدة فبدلاً من إيجاد بيئة يمكن لأمريكا إدارتها ، تعرضت الولايات المتحدة لضربات موجعة وخذلها الجيش حكومة كابل الذي أنفقت عليه المليارات ودربته وسلحته وانهار قبل أن تبدأ مهماته بالدفاع عن النظام الكارتوني الذي أنشأته أمريكا … لقد فشلت أمريكا في كل الاختبارات وستبقى شعوب أمريكا تدفع ضريبة استمرار عدوان نظامها على شعوب العالم لذلك ستضطر الادارات الحالية والقادمة الى تغيير أساليبها مع العالم الخارجي بعدما ازدادت التحديات والمشاكل بكل انواعها داخل الجسد الامريكي المنخور اقتصاديا وأخلاقيا وسياسيا واجتماعيا وامنيا ، لذا فإن أفضل مسار للولايات المتحدة هو إعادة الانخراط ، في أجواء السياسة العالمية بدلاً من عنجهية استعراض العضلات التي لم تعد أمريكا قادرة على الاستمرار فيها …. فأمريكا عام 2021 هي غيرها قبل عقود ،وعليها اعتماد سياسات أخرى إن أرادت حماية مصالحها المهمة.
افغانستان ليس العراق
في شتاء عام 2000 اتذكر جيدا كيف دخل على غرفتي في قسم الاعلام بكلية الاداب أحد طلبة الدكتوراه من سكان مركز مدينة الفلوجة وهو في حالة هيستيرية ويتمتم بكلام غير واضح ،فطلبت منه الجلوس ولما هدأ سألته مالحكاية ؟
قال تخيل ان رجل وزوجته من المتعمقين بالاسلام تمكنوا فجر هذا اليوم من هزيمة سرية من الشرطة ،وقلت أين المشكلة؟ قال معقولة رجل وامرأة بسلاح خفيف(كلاشنكوف) ينتصرون على أكثر من مائة من الشرطة مدربين على استخدام السلاح ،فقلت له اسمع التفسير بسيط جدا…. هذا الرجل وزوجته لديهم منظومة عقائدية يؤمنون بها ويدافعون عنها حتى الموت ولهذا هم مستعدين للموت و متهيئين لاستقباله بقناعة وايمان… أما الشرطة فليس لديهم ذات الايمان بعقيدة ما ولذلك لا يمتلكون نفس الدافعية والاستعداد للموت من أجلها والأمر بالنسبة لغالبيتهم لا يخرج عن مجرد أمر صدر اليهم يمكن ان ينفذه غيرهم أو ينفذ باساليب اخرى… فسكت وبعد احتلال العراق تذكر ما كنت اقصده عندما قاتل أهل الفلوجة وكل الانبار ومحافظات كثيرة الاحتلال الامريكي بعقيدة الإيمان بتحرير بلدهم من الاحتلال بكل انواعه وكادوا أن ينتصروا لولا خيانة ثلة ممن باعوا أنفسهم للمحتلين ومازالوا من الشراذم الخونة والقتلة واللصوص وتجار الدين، وإذا لم نتخلص من هؤلاء الخونة فلن يتركنا المحتل لاسيما وان الهالكي وقع معهم اتفاقية مع الامريكيين استأجروا بموجبها القواعد في العراق لمدة 99 عاما.؟؟!!!
هل يجوز المقارنة؟
لذلك اذا اردنا ان نقارن بين مدعي مقاومة الاحتلالات جميعها وبين مقاتلي طالبان…لابد من ملاحظة مايلي:
هل سيكون مطار بغداد الدولي قريبا مثل مطار كابل ؟ حيث سمحت طالبان للعملاء بالهروب من البلاد وأصدرت عفوا عن الجميع ، ضباط ورجال أمن وشرطة وكل من تعاون مع المحتل…
طالبان لم تختطف المواطن على الهوية وتبتز ذويهم وبعد ذلك ترميهم جثث خلف السدة.
طالبان لم تدخل كابل وبيدها قوائم بأسماء الطيارين وضباط الجيش الذين دافعوا عن بلادهم بكل شرف.
طالبان لم تقتل العلماء والأطباء واساتذة الجامعات والصحافيين والكتاب.
طالبان لم تسرق خزينة الدولة وفتحت حسابات في بنوك أوروبية و ايران.
طالبان لم تبني مستشفيات في إيران بأموال أفغانستان وتركت شعبها يحترق في المستشفيات الخربة.
طالبان لم تسمح بانتشار الملاهي و استغلال كازينوهات القمار وبيوت الدعارة…
طالبان لم تفتح الحدود لإيران أن تغرق أسواق كابل بالحشيشة والمخدرات وتنتهك سيادة الوطن .
طالبان لم تهجر المسيحيين وملايين من اعزة مجتمعنا العراقي.
طالبان لم تسمح للسفير الايراني ان يلتقي بشيوخ العشائر من القردة ويزور المدارس ويوجه بتغيير المناهج الدراسية.
طالبان لم تنهب المال العام وترسله لدولة أخرى.
مراجع طالبان لم تستقبل المحتل الامريكي وتستلم رشوى لإصدار فتوى بعدم قتال المحتل للوطن.
طالبان لم تجعل ولائها خارج حدود الوطن.
طالبان لم تتاجر بنساء الوطن للإيراني والباكستاني.
طالبان لم تحرق البشر في المستشفيات والشجر في الحقول والبساتين.
طالبان لم تسمح للشعب أن يحوسم بفتاوى ضالة ومضلة.
طالبان لم تخلق الفتن وتجعل بحور من الدم بين أبناء الشعب الواحد.
طالبان لم تقول نحن معسكر يزيد… وذاك معسكر الحسين.
إذن فالحساب ثقيل وثقيل جدا… والدم بحر لن ولن يجف…. فأين الهروب والمفر ….. عليهم أن يدفعوا الحساب… لن نكون طالبان ونعلن العفو والسماح إلا بعد تسديد الحساب لكل من تلطخت أيديهم بالدم العراقي ووفق القانون .
العراق المحتل وطالبان
Source : https://iraqaloroba.com/?p=10473