في ذكراها الـ 38 مجزرة صبرا وشاتيلا لا تمحى مع تقادم الأيام
في ذكراها الـ 38 مجزرة صبرا وشاتيلا لا تمحى مع تقادم الأيام
38 عاماً مضت على ارتكاب واحدة من أبشع المجازر في التاريخ “صبرا وشاتيلا” والتي لا تزال شاهدة على جرائم كيان الاحتلال الإسرائيلي الوحشية بحق أبناء الشعب الفلسطيني… هذه المجزرة واحدة من أبرز جرائم الحرب والإرهاب التي مارسها ولا يزال كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين والعرب، وأحد العناوين الرئيسية لإرهاب الدولة لهذا الكيان الغاصب، كما ستظل هذه المجزرة وغيرها أحد الجروح النازفة في جسد تاريخ البشرية والضمير الإنساني، لكونها نتيجة للتواطؤ بين قوى الاستعمار التي لا تزال ترى في الدم العربي أنه الأرخص، والقابل للسفك والإراقة في سبيل مصالحها وإشباع نزواتها الاستعمارية، بدليل أن هذه المجازر رغم كثرتها وتكرارها تمر مرور الكرام دون حساب لمرتكبها، حيث الإرادة لدى قوى الاستعمار تعمل على أن تمتد يد النسيان إلى الضمير الإنساني، فيستسيغ العالم الجرائم التي يرتكبها مجرمو الحرب بحق البشرية دون أن يلاحقهم أحد.
صحيح أن الذاكرة العربية بعامة والفلسطينية بخاصة لم تخبُ منها بعد صورة النكبات التي توالت على المنطقة وفي فلسطين وما جاورها تحديدا، بخاصة وأننا عشنا هذه الأيام ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا وهي من المذابح التي جند (عديمو الضمير) في العالم كل إمكاناتهم لطمس معالمها والتي ارتكبها شارون في لبنان وأدانته كل اللجان الدولية التي حققت في المأساة منذ اقترافها في سبتمبر عام 1982 وحتى الآن. فقد جرت في المخيمين مذبحة حقيقية ما زالت من دون عقاب… هذا ما قاله الصحفي الروسي (سيرغي سيدوف) لكونه كان شاهد عيان وقت الحادث وتابع يقول: (بعد أن خيمت نشوة القتل على المجرمين… بدؤوا يوفرون الرصاص والذخيرة الحيّة… واستبدلوها بالسكاكين والحربات والفؤوس لقتل أكبر عدد ممكن من النساء والشيوخ والأطفال العزل المدنيين الآمنين في بيوتهم… وقاموا بخنق البعض بالحبال، كما أحرقوا البعض الآخر… وسحقوا ما تبقى بالجرافات وهم أحياء).
حتى إن الصحافة الأميركية المتعاطفة مع الكيان الصهيوني أجبرت أمام فظاعة الهلوكوست الجديد إلى الاعتراف بأن مسؤولية تلك المجازر والجرائم تقع على عاتق القادة الصهاينة الثلاثة مناحيم بيغين رئيس الوزراء ووزير الدفاع أرئيل شارون وروفائيل إيتان رئيس الأركان آنذاك. فقد كتبت صحيفة (تشيكاغو تربيون) عام 1982 تقول: (علينا ألا نصدق إسرائيل بعد الآن… فالقادة الإسرائيليون ادعوا حاجتهم لضمان أمن جنوب لبنان وحاصروا العاصمة بيروت… وزعموا أنهم لن يدخلوها… لكنهم فعلوا… ودخلوها). وثائق سرية أشارت إلى أن أميركا كانت على علم مسبق بمجازر صبرا وشاتيلا… ويرجح أن لها يداً بهذه المجزرة… فقد كشفت صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية عام 2012 عن وثائق سرية تظهر علم واشنطن بذلك، حيث أظهرت هذه الوثائق حواراً جرى بين كل من وزير الدفاع الإسرائيلي (شارون) ومبعوث أمريكي إلى المنطقة، يظهر فيها تنسيقهما حول غض الطرف عن ارتكاب ميليشيات لهذه المجزرة.
بعد المجزرة بساعات قال (مناحيم بيغين) رئيس الوزراء آنذاك: (غوييم هاركو… غوييم) ومعناها… أن الأغيار من غير اليهود قتلوا الأغيار أيضاً من غير اليهود… وهذا يدلل على أنه لا يهمه ماذا جرى… ومن قتل من… ويعني ذلك أن حلفاءهم هم من قتل… فكأن الصهاينة الذين حاصروا بيروت نحو ثلاثة أشهر، وأشبعوها قصفاً وقتلا ودماراً لم يشاركوا في المجزرة، ولم يكونوا قد اجتاحوا العاصمة اللبنانية عقب مقتل الرئيس المنتخب (بشير الجميل) آنذاك، وأيضاً رحيل القوات الفلسطينية عن بيروت الغربية ضمن اتفاق دولي لم يلتزم الصهاينة به… ولم يحترموه بقيادة وزير الحرب آنذاك (أرئيل شارون) الذي خاطب جنوده عقب انتهاء المجزرة قائلاً: (أهنئكم… فقد قمتم بعمل جيد… ورائع).
هذا يدلل على أن الصهاينة شركاء أساسيون في المجزرة وقواتهم هي التي نقلت القتلة المجرمين لتنفيذ تلك المجزرة.
ومنذ ذلك اليوم وإلى الآن لا يزال الفلسطينيون يطالبون بمحاسبة الجناة الإرهابيين الصهاينة ومن اشترك معهم من العملاء، ولكن لا أحد يسمع صوت استغاثتهم ومطالبهم، في ظل عالم يتحول أو تحول إلى حياة الغاب، تتحكم به قوى ترفض الاعتراف بالقانون الدولي والشرعية الدولية، وترفض الاعتراف بحقوق الإنسان وتحارب الحريات، تقلب الباطل حقًّا والحق باطلًا. ليست مجزرة صبرا وشاتيلا وحدها من تبحث عن العدالة ومحاسبة المجرم والمسؤول عنها، مثلما أنها ليست هي الأولى ولن يكون ما بعدها الأخير من المجازر، ما دامت يد الإرهاب الإسرائيلي حرة طليقة وأيادي الدعم تنثر المال والسلاح لتقويتها وأبواق النفاق تعلو تأييدا لها، فيد الإرهاب الإسرائيلي مثلما ارتكبت من قبل تجهد لارتكاب المزيد من المجازر لتشمل كامل جغرافيا المنطقة، ولا يهمها في ذلك إن كانت تمثل حضورا وشاهدا على السجل الإجرامي والتاريخ الإرهابي الصهيوني، أو وصمة عار في جبين دعاة الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.
إن هناك أرضا فلسطينية محتلة وشعبا يرزح تحت الاحتلال، بينما قادة الاحتلال يلعبون دور الساسة الأحرار على المسرح الدولي، والمؤسف أن أجهزة القضاء التي تتشدق بنزاهتها في أوروبا والولايات المتحدة رغم ما قدم إليها من دعاوى تدين مجرمي الحرب الإسرائيليين غدت تعاني من أزمة ضمير، في الوقت الذي تبحث فيه العدالة عن عودة الضمير الإنساني إلى اليقظة في ظل المحاولات المستميتة لساسة وقادة في هذا العالم لطمس معالم جرائم كيان الاحتلال الإسرائيلي والتستر عليها والدفاع عنه، واعتبار ما يرتكبه الإسرائيليون من جرائم وانتهاكات ضد الفلسطينيين هو “دفاعًا عن النفس”، وهو ما أعطى قوى الباطل التي تريد تعمية العالم عن اكتشاف وإعادة اكتشاف الحقيقة الفرص السانحة لذلك.
خلاصة الكلام:ستظل دماء شهداء صبرا وشاتيلا التي نعيش ذكراها هذه الأيام، وما سبقها وما لحقها من مذابح ومجازر دليلًا ثابتًا لا يسقط بالتقادم على حقيقة وحشية كيان الاحتلال الإسرائيلي وقيامه على سفك الدماء والإرهاب والاحتلال ونشر الفتن والخراب والدمار، وبرهانًا على حقيقة طبيعة النفس الإسرائيلية الفاشية المتعطشة دائمًا إلى ذلك، بل إنها لا تستطيع العيش والبقاء بدون ذلك. فأن يسقط نحو 3500 شهيد فلسطيني ولبناني أو يزيد ـ كما تشير التقديرات ـ بأيدي العصابات الإسرائيلية ومجرمي الحرب الإسرائيليين وعملائهم كفيل بتأكيد الحقائق الثابتة عن طبيعة كيان الاحتلال الإسرائيلي.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=863