الإرهاب في مرحلة العولمة الرأسماليّة
الإرهاب في مرحلة العولمة الرأسماليّة
مقدمة:
يعدّ القرن العشرون وما شهده من أحداث وتداعياتِ الحربين العالميّتين، أكثر قرنٍ دموية إذ قُدِّر عدد من قتلوا في الحروب أو بسببها بنحو 187 مليوناً، فقد كانت فترة مشحونة بحروب متصلة لم تتخللها إلا فترات قصيرة من دون نزاعات مسلحة في بقعة هنا أو هناك. فتاريخيّا يُقسم القرن العشرين إلى ثلاث مراحل، الأولى: مرحلة الحروب العالميّة من العام 1914م إلى العام 1945م، ثم المرحلة الثانية: وهي مرحلة القوتين العظميين للفترة ما بين العام 1945م إلى العام 1989م، وأخيراً: مرحلة ما بعد نهاية نظام القوة العالميّة التقليديّة الاتحاد السوفيتيّ وتشكل نظام القطبية الواحدة، وهي المرحلة الثالثة. في مطلع القرن الحادي والعشرين تغير العالم بنحو مختلف إذ شهد هذا القرن غياباً تامًّا لأي سلطة عالميّة بوسعها السيطرةُ على الخلافات المسلحة أو إيجادُ حلول ناجعة بسبب العولمة التي تغلغلت في كل شيء اقتصاديًّا، وتقنيًّا، وثقافيًّا، وعسكريًّا وحتى لغويًّا.
ففي جانبها الاقتصاديّ تشمل العولمة، الانفتاح التِّجاريّ وإلغاء القيود التِّجاريّة، وتوفير فرص التبادل التِّجاريّ الواسع، وفي جانبها الفكريّ، الانفتاح الفكريّ على الآخر وعدم الانغلاق على الذات، ورفض التعصب الفكريّ الذي يدعو إلى إلغاء الآخر، وفي جانبها السياسيّ، شيوع تطبيق القانون على الجميع ومراعاة الحقوق الأساسيّة للإنسان. وفي الجانب الآخر لم تعد العمليات المسلحة في القرن الحادي والعشرين بأيدي الحكومات ولا وكلائها الرسميّين، كما أن القوى المتصارعة في القرن الحاليّ لا تجمع بينها صفات ولا أوضاع ولا أهداف مشتركة سوى الرغبة في استخدام العنف وممارسة الإرهاب الذي تميز بصفة جديدة في عصر العولمة تتمثل بعدم التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، فقد تحولت إستراتيجية الحرب على نحو متزايد من القوات المسلحة إلى المدنيّين الذين غدوا هدفاً للعمليات العسكريّة. فالفرق بين ضحايا الحربين العالميّتين من المدنيّين وضحايا القرن الحادي والعشرين كبيرٌ جدًّا، فإذا كان عدد الضحايا المدنيّين العزل في الحربين العالميّتين لا يتجاوز مجتمعاً 41%، فإن نسبتهم اليوم زادت لتصل إلى 80% أو 90%، وقد ارتفعت هذه النسبة منذ نهاية الحرب الباردة، لأن معظم العمليات العسكريّة منذ ذلك الحين لم تنفذها جيوش نظامية، بل جماعات صغيرة من العساكر النظامية وغير النظامية مستخدمةً بذلك أسلحة متطورة. لهذا فإن أثر الحرب في حياة المدنيّين يظهر وبشكل واضح جدًّا نتيجةً للعولمة والاعتماد المتزايد للعالم على سيل الاتصالات المتواصل والخدمات التقنية، وقضايا الشحن والإمدادات.
أهمية البحث:
تنبع أهمية الدراسة والبحث لما تُمثله العولمة في عصرنا الحاليّ من أهم الأسباب في زيادة ظاهرة العنف الإرهابيّ إذ إنها تهدد العالم بالمزيد من المخاطر والإرهاب التي منها التسلحُ، وانتشار الأسلحة بنوعيها التقليديّ والنوويّ، وبأحجامها الخفيفة والثقيلة. ومن آثار العولمة أيضاً تصديرُ الجريمة، فقد أسهمت العولمة في نشر الجريمة العالميّة على عدة أصعدة، فكان لانحسار الحدود القوميّة دورٌ بارزٌ في تكثيف التجارة غير القانونيّة، وكذلك سهلت تحويل رأس المال من دولة لأخرى، بالإضافة إلى أن التقدم التقنيّ والثورة التكنولوجيّة ساعد بشكل كبير على تبادل المعلومات الإجرامية خلال ثوان قليلة عبر جهاز الحاسوب.
مشكلة البحث:
يُعد العنف الإرهابيّ شكلاً من أشكال العنف عند الإنسان، ومستوى من مستوياته، بل يعدّ الإرهاب أقصى درجات العنف. فالإرهاب هو فعل مقصود يهدف إلى إلحاق الأذى بالآخر، وفي كل المستويات ـ: الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، وكذلك الأذى الجسميّ والنفسيّ. ويثبت لنا التاريخ أن الإرهاب المزعوم اليوم ليس بالأمر الجديد على الحياة البشريّة، بل كان وسيبقى بكل أساليبه وأصنافه ملازماً لحياتنا اليوميّة ما دام هناك اختلالٌ في توازن القوى وتضييع للحقوق، وسيادة للظلم والجور و تغييب مقصود أو غير مقصود للعدالة والحرية على الأرض، بمعنى أن للعنف الإرهابيّ أسبابَه السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والنفسيّة. لقد أصبح الإرهاب اليوم الشماعة التي تستغلها الدول العظمى لكي تفرض استراتيجيتها الجديدة على العالم والمتمثلة بالغطرسة على الضعفاء والفقراء.
أهداف البحث:
يعمل البحث على توضيح حقيقة الآثار السلبية المترتبة من العولمة الرأسمالية المتوحشة وانعكاساتها على المجتمع الدولي وتحديدا قضية الإرهاب العالمي، وكذلك غياب حقوق الإنسان. ويمكن أن نجمل الأهداف الرئيسية للبحث بما يلي:
- ﺤﻅﻲ ﻤﻔﻬﻭﻡ العولمة ﺒﺎﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﺴﺎﺌل ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﺤﻜﻭﻤـﺎﺕ ﻭﻤﺅﺴـﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲّ ﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔ والدوليّة ﺤﺘﻰ ﺃﺼﺒﺤﺕ العولمة بنداً دائماً ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺏ المحافل الدوليّة والندوات والمؤتمرات. ﻭﻗﺩ ﻴﻌﻭد السبب إلى هذا الاهتمام ﺍﻟﻜﺒﻴﺭ ﺒﺎﻟﻌﻭﻟﻤﺔ لمفهومها الملتبس وتباين آراء ﺍﻟﻤﻔﻜﺭﻴﻥ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﻴﻥ ﺒﻅﺎﻫﺭﺓ العولمة ﺒﻴﻥ ﻤﺅﻴﺩ ﻴﺩﻋﻭ ﺇﻟﻰ ﻀﺭﻭﺭة الاستجابة ﻟﻤﺘﻁﻠﺒﺎﺘﻬـﺎ، ومتحفظ يدعو إلى التريث في الاستجابة والتعامل معها
- إن الفكرة الأساسيّة في قضية الحرب على الإرهاب هي، أن اليمين الإسلاميّ كان حليفا للولايات المتحدة الأمريكيّة في فترة الحرب الباردة، وقد توقف هذا التحالف بعد ان تغيرت أهداف القوى المتحالفة، تيار الإسلام السياسيّ والولايات المتحدة، بعد اختفاء الاتحاد السوفيتيّ العدوّ الاول للولايات المتحدة في ظل نظام الحرب الباردة.
- قد يكون من المبالغة القولُ بأن الإرهاب هو وليد العولمة، على اعتبار أنه قد يكون وليد ظروف أخرى، لكن من المؤكد أن العولمة كانت عاملاً أساسيًّا ومركزيًّا سرع في نشوء الإرهاب خاصة بالصيغة التي ظهرت يوم 11 سبتمبر عام 2001م، أو ما يسمى بالثلاثاء الأمريكيّ الأسود الذي أدى إلى التضامن معه بشكل كبير عالميّا.
منهج البحث:
لتحقيق أهداف البحث فقد ارتأينا استخدام مناهج علمية متداخلة بين المنهج التاريخيّ والمنهج التحليليّ مع الابتعاد عن الاقتباس إلا في حدود مختصرة جدا تمت الإشارة إليها في هوامش البحث. وقد تم تناول الموضوع من خلال مبحثين، المبحث الأول، تعريف العولمة الرأسماليّة وانعكاساتها على الإرهاب وعدم احترام حقوق الإنسان. المبحث الثاني، عن أبعاد العولمة.
المبحث الأول
تعريف العولمة الرأسماليّة وانعكاساتها على الإرهاب وعدم احترام حقوق الإنسان
للعولمة عدة تعريفات وكان لا بُدَّ من التطرق إلى تعريف العولمة وأنواعها، لقد عُرفت العولمة بأنها” ظاهرة الانتماء العالميّ بمعناه العام، فهي تشمل الخروج من الأطر المحدودة، الإقليميّة والعنصريّة والطائفيّة وغيرها إلى الانتماء العالميّ الأعم. فهي باختصار الشعور بالانتماء الكبير (العالميّ) بدلاً من الانتماء المحليّ أي الإقليميّ، العنصريّ، الطائفيّ”().
وفي تعريف آخر للعولمة” إنها ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻤﻥ ﻤﺭﺍﺤل ﺍﻟﺤﺩﺍﺜﺔ ﻭﺘﻁﻭﺭﻫﺎ، تتكاثف فيها العَلاقات الاجتماعيّة على الصعيد العالميّ، وحدوث ترابط بين الداخل والخارج بروابط اقتصادية وسياسيّة وثقافية وإنسانية، ولا يعني هذا إلغاء المحليّ والداخليّ، ولكن أن يصبح العالم الخارجيّ له حضور في تأثيره في سلوكيات الأفراد و قناعاتهم وأفكارهم”().
في عصرنا الراهن اختفت فكرة أن الحروب تقوم تحت سلطة حكومات فاعلة تحتكر أدوات القوة العامة ووسائل الإكراه إذ نجد على مر السنوات الثلاثين الماضية فقدان الدولة الإقليميّة، لأسباب شتى، احتكارها التقليديّ للقوة المسلحة، كما فقدت على نحو متزايد المعنى الأساسيّ للشرعية. فالآلة الحربية متاحة الآن على نحو واسع للجماعات الخاصّة، وكذلك وسائل تمويل الحروب غير الدوليّة، كما تغيرت حالة التوازن بين المنظمات التابعة للدولة وغير التابعة لها، وقد باتت النزاعات المسلحة داخل الدولة أكثر جديةً. ويُعد العنف السياسيّ أحد أكبر نتائج العولمة وما نجم عنها من آثار مرضية في المجتمع تمثلت في انحطاط القيم والأعراف، وانتشار ثقافة المخدرات والأسلحة الخاصّة، بالإضافة إلى إزالة الضوابط الإعلاميّة، وبهذا لعبت العولمة دوراً مهمًّا في مسألة الاضطراب الاجتماعيّ الذي بدوره يؤدي إلى العنف المجتمعيّ وممارسة الإرهاب. عمليًّا لقد وضع هذا الأمرَ صانعو القرار السياسيّ في مختلف دول العالم في الحِقبة الحالية من العولمة، وخاصةٌ في مجال مكافحة الإرهاب العالميّ، أمام خيارات صعبة وضيقة جدًّا بين: النكوص عن الانخراط والتفاعل مع سيرورة العولمة واللجوء إلى كبت الحريات والرقابة المسبقة على الحريات الفردية وفرض قوانين صارمة، أو ترك المجال مفتوحاً لسيرورة العولمة بأن تجري بمساراتها الطبيعيّة الجارفة ().
ومن هذا المنطلق يكون الإرهاب” مشكلة عولمية، بمعنى أنه يتحرك في فضاءات العولمة محملاً بكل آليات العولمة، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والتكنولوجيّة، ولذلك لا يمكن معالجتُه بالوسائل الأمنيّة والعسكريّة والحروب فقط”().
العولمة الرأسماليّة المتوحشة:
دأبت الإيديولوجية الغربيّة على نقد النظام الاشتراكيّ ووصفه الذي كان سائدا في روسيا ودول أوربَّا الشرقية بالنظام التوتاليتاري، وقد كان لتطبيق مفهوم التوتاليتارية الذي يُعرف بالشمولية دورٌ في إسقاط التجرِبة التاريخيّة للاشتراكية. ومع انتصار إيديولوجيا النيوليبرالية أو الليبرالية الجديدة في زمن العولمة الرأسماليّة التي تقوم على عدة مرتكزات منها: الدعوة المتطرفة إلى الحرية الاقتصاديّة، وإنكار دور الدولة في ضبط آليات وحركة النظام الرأسماليّ، والتخفيف من شروره الاجتماعيّة تحديداً في مجال التوزيع والعدالة الاجتماعيّة، وهيمنتها على المنظمات الماليّة الدوليّة مثل: صندوق النقد الدوليّ، والبنك الدوليّ، وتعاملها مع البلدان النامية من منطلق التكيف وضروراته مع السوق الرأسماليّ العالميّ، وإبعاد الدولة عن الاقتصاد وإضعاف دورها الاجتماعيّ، وترك آليات السوق لكي تعمل طليقة، وكرد فعل لكل هذه العوامل برزت في العالم الغربيّ إيديولوجيا مضادة للعولمة الرأسماليّة وشعاراتها، حيث تُعدّ العولمة الرأسماليّة، التي ترتكز على الليبرالية الجديدة، مجرد تعبيرٍ عن توتاليتارية الأسواق، وعن توتاليتارية تقنيات الإعلام الجديدة، وإن الذي ساعد على تطبيق سياسة الليبرالية الجديدة في كثير من بلدان العالم، بما فيها البلدان الضعيفة التطور، ضعفُ قوى اليسار، وهو الضعف الذي بلغ ذروته بانهيار دول شرق أوربَّا والاتحاد السوفيتيّ. لقد اتسمت العولمة الرأسماليّة المتوحشة بتركيز الثروة في البلدان الرأسماليّة الصناعية المتقدمة، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكيّة، التي عمدت على إفقار دول العالم الثالث من خلال عمليات النهب السافرة والمقنعة لموارد هذه البلدان إذ حيث استغلت الولايات المتحدة الأمريكيّة قوتها السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة في صياغة هياكل النظام السياسيّ والاقتصاديّ للعولمة وفق النظرة الأمريكيّة القائمة على خدمة مصالحها الخاصّة على النطاق العالميّ، بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكيّة هيمنتها المطلقة على النظام الدوليّ الجديد في ظل القطبية الأحادية من خلال محاولات تكييف النظام الدوليّ التوتاليتاري وفق مصالحها بعيداً عن قواعد العَلاقات الدوليّة ومبادئ القانون الدوليّ، بإعادة العالم المتمدن إلى الفاشية والبربرية وشريعة القوة الغاشمة التي ينتهجها اليمين الأمريكيّ المحافظ في علاقاتها الدوليّة حيث” إن العدوانيّة العسكريّة، والفاشية التي تمارسها الإمبراطورية الأمريكيّة ضد الأمم والشعوب والدول، تعكس درجة التوحش والفاشية والتوتاليتارية التي بلغتها هذه الليبرالية الجديدة التي تبناها اليمين الأمريكيّ المتطرف”().
إن الليبرالية الجديدة تسعى إلى السيطرة على العالم لخدمة أهداف الإمبراطورية الأمريكيّة، وليس الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، والديمقراطيّة في العالم الثالث، كما يزعم ممثلوها الأيديولوجيون ().
صراع الحضارات والحرب على الإرهاب:
لقد بدأت الولايات المتحدة البحث عن عدو جديد على الصعيد العالميّ، فوجدت في تيارات الإسلام السياسيّ أفضلَ من يحقق لها هذا الهدفَ، فبدأت تجد الذرائع من خلال استغلال نشاطات التيارات المتشددة التي قامت بالخلط بين مبادئ الإسلام وتأويلاتها الخاصّة، الأمر الذي وفر الظروف المناسبة لتيار المحافظين في الغرب وخاصةٌ في الولايات المتحدة على شن حملة على الإسلام بحجة محاربة التشدد الإسلاميّ الذي وصفه بعضُ المحافظين في الإدارة الأمريكيّة بأنه يشبه الشيوعيّة، واعتبرت أمريكا أن الحرب على التشدد الإسلاميّ في القرن الحادي والعشرين تعادل حرباً عالميّة ضد الاتحاد السوفيتيّ.
بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م اكتسبت فكرة العداء بين أمريكا والإسلام رواجاً كبيراً، وقد مثل الاحتلال الأمريكيّ للعراق في عام 2003م، وقبله احتلال أفغانستان، الذي حدث في فترة الترويج لمفهوم صراع الحضارات، وهي الفكرة التي تقول” بصراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسيّة والاقتصاديّة، بل ستكون الاختلافات الثقافيّة المحرك الرئيس للنزاعات بين البشر في السنين القادمة”().
ولهذا فإنّ الحرب التي بدأها الرئيس بوش على الإرهاب، بعد أحداث 11 أيلول، ليست جهاداً ضد تنظيم القاعدة وحلفائها المتشددين” بل صراعاً أكبر بين الحضارة المسيحية والعالم الإسلاميّ، وإن الصراع ضد الإسلام هو بالفعل الحرب العالميّة الرابعة، وإن قوة اليمين الإسلاميّ، وأحيانا الديانة الإسلاميّة، تعادل قوة الفاشية أو الشيوعيّة”(). حيث يرى الاتجاه المتشدد في الولايات المتحدة الأمريكيّة أن اليمين الإسلاميّ أو الإسلام عدو عالميّ يهدد الوجود الأمريكيّ، وبسببه تم اتخاذ خطواتٍ غايةً في الأهمية. وشنُّ الحرب العالميّة الرابعة يتطلب مبدأ أمريكيًّا جديداً من جانب واحد وحروب إجهاضية، واتخاذ وضع هجوميّ يشمل الحروب ضد أفغانستان والعراق وبحسب رأيهم. لقد كان لتدخل الولايات المتحدة الأمريكيّة في الشرق الأوسط سياسيّا وعسكريّا واقتصاديًّا، في العراق وأفغانستان، والوجود العسكريّ الكثيف في الخليج العربيّ، بالإضافة إلى سياستها الداعمة دائماً وبقوة للأطماع الإسرائيليّة في فلسطين وإنكارها لحقوق الشعب الفلسطينيّ في إقامة دولة مستقلة، الأثرُ الكبير في زيادة الإحباط والحقد والغضب الذي ألهب التشدد الإسلاميّ (). وفي هذا الصدد يقول الأمريكيّ توماس فريدمان” نحن أمام معاركَ سياسيّة وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة الأمريكيّة قوة مجنونة، نحن قوة ثورة خطرة، وأولئك الذين يخشَوْننا على حق. إن صندوق النقد الدوليّ قطة أليفة بالمقارنة بالعولمة”().
وفي ظل ظروفنا الدوليّة الحالية، أي في ظل العولمة الرأسماليّة، حيث العَلاقات التي تربطنا بالغرب وما تحتويه من عناصر لم تكن مطروحة من قبل، خصوصاً عندما يتصل الأمر بزعزعة المفاهيم المرتبطة بالدولة القوميّة والهويات الثقافيّة الوطنيّة، عندما تعمل العولمة على فرض أنماط توحيدية وكأنها تقدم حلًّا كونيًّا لكل المشكلات في العالم. فإذا كان هناك قاسم مشترك بين الأفكار والتأملات الخاصّة بالعنف، فإن مفارقة مشابهة تتطابق مع هذا المفهوم، إذ تبقى في عقولنا، وقبل كل شيء، مؤشراتُ العنف الصريحة الواضحة متمثلةً في أفعال الإجرام والإرهاب والاضطراب الأهليّ، والصراع الدوليّ. أما الاتجاه الآخر فإنه يرى أن الحرب المتمادية على الإرهاب لم تكن صدام حضارات، بل صداماً بين الحضارة من ناحية والبربرية من الناحية المقابلة. بل يذهب بعيداً حيث لا يعدّ العدو هو سوء الاستغلال السياسيّ للإسلام، بل هو الإسلام نفسه. والخطر المنبثق من الداخل هو الموقف المساوم السائد في أوروبا. في أوروبا التي تدعم إنشاء مساجد جديدة، وتلحّ على الاحترام، وما إلى ذلك. في المقابل يُعدُّ مجرد التحول عن الإسلام واعتناق المسيحية جريمة حكمها الإعدام في بعض البلدان المسلمة ().
العنف كرد فعل لسياسة دولية غير متوازنة:
إن الولايات المتحدة الأمريكيّة لا تؤمن بمفهوم آخر للعولمة غير ذلك القائم على أسس الحرية المنفلتة لاقتصاد السوق والمتمركز بدورها على الليبرالية الاقتصاديّة وعمليات الخصخصة، فهي بدورها فرضت على الدول والحكومات ضرورة اعتماد نظامها الاقتصاديّ لدرجة الإملاء دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البنية الاقتصاديّة والسياسيّة أو الثقافيّة للبلدان المختلفة، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لا تمنح الشعوب اختيار حكامها بكل شفافية وديمقراطية، أو السماح بأنظمة حكم تعارض مسار العولمة، فهي تعمل جاهدةً من أجل تكريس ديمقراطيات شكلية تحول دون قيام حكومات متطرفة أو متمردة قد يتعذر عليها التحكم في سلوكياتها مستقبلاً. ونتيجةً للممارسات التعسفية وغير العادلة للعولمة خلقت أوضاعاً غير متكافئة بين الدول في جميع المجالات التي كانت سبباً كافياً لظهور ردود أفعال عنيفة من طرف طبقة المهمشين بقدر العنف الذي مورس عليهم، والذين أصبحوا في درجة الصفر، في ظل نظام كان من المفروض أن يغير أوضاعهم نحو الأفضل، لكن كل الشواهد تؤكد أن البلدان النامية بصورة عامة تندرج ضمن قائمة الفئة المهمشة في النظام العالميّ. إن أهم مظاهر هذا العنف الناتج عن السياسة غير المتكافئة في العَلاقات الدوليّة والمقاوم للعولمة، هو تنامي دور الجريمة المنظمة وانتشارُ العنف والأعمال الإرهابيّة على النطاق الدوليّ الذي يستهدف الدول الرأسماليّة التي تقود مسار العولمة، حيث يرى بعض الباحثين أن الحركات الاحتجاجية في مختلف أنحاء العالم، التي ظهرت كرد فعل لمناهضة نظام عالميّ جديدٍ، ما زال يفتقر إلى أبسط التوجهات والأسس والمؤسسات والضوابط التي من شأنها أن تحد التشوهات الناتجة عن إطلاق حرية التبادل والتفرد المطلق للولايات المتحدة في إدارة شؤون الكون ().
وفي ظل مناخ العولمة وفكرة أن العالم أصبح قرية واحدة تتأثر فيه مصالح دول عديدة بما يحصل في الدول الأخرى، وإن العالم يجب أن تسوده قيم واحدة حيث يتم الترويج لبعض المفاهيم مثل، الشرعيّة الدوليّة، واحترام حقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وغير ذلك من المبادئ والمفاهيم، لكن عند تطبيق هذه الشعارات والمصطلحات نجد أن ما يتم تطبيقه يخدم ويتفق فقط مع المصالح الغربيّة و يكرس هيمنتها وسطوتها. بالرغم من كل الاختلافات بين الباحثين في موضوع تحديد سمات النظام الدوليّ الجديد والمتمثل بالعولمة إلا أن هناك شبه اتفاق بين المؤيدين والمعارضين للعولمة، بأنها فكرة أمريكية محضة. و المتتبع للسياسة الأمريكيّة وتطبيقاتها الميدانية يلحظ بأنها تسير في نمطين مختلفين، فعلى المستوى الداخليّ: تحاول أمريكا الالتزام بالمبادئ الإنسانيّة وتطبيق الديمقراطيّة واحترام حقوق الإنسان، أما على المستوى الخارجيّ: فتُطبق مبدأ الكيل بمكيالين في جميع الحالات سواء السياسيّة أو الاقتصاديّة أو الثقافيّة. وبينما نلاحظ ارتفاع الخط البيانيّ لمعدلات العنف في ظل العولمة بكل أشكاله، وانتشار فوضى شاملة على جميع المستويات، وإعادة تشكيل خرائط جديدة لا تأخذ بعين الاعتبار الخصائص الماديّة والروحيّة للشعوب، وهو ما جعل المؤرخ البريطانيّ آرنولد توينبي يصف العصر الحاليّ بالعصر البربريّ الجديد. لقد أثبتت الإحصائيات الدوليّة أن ظاهرة العولمة عاملٌ حاسمٌ في الفوضى والأزمات والمشكلات على المستوى العالميّ حيث تطرح العولمة العديد من التحديات والرهانات التي تفرض نفسها على دول العالم الثالث تحديداً، وتؤدي إلى تعميق الهوة بين دول الشمال ودول الجنوب خاصة في المجال الاقتصاديّ، والتلاعب بقيم حقوق الإنسان، بالإضافة إلى ظهور تناقضات صارخة في البنية الأساسيّة للدول المتخلفة ().
العولمة واحترام حقوق الإنسان:
واجهت قيم حقوق الإنسان في ظل العولمة تناقضات عدة بين مضامينها السامية من جهة، وبين وقائع وحقائق السياسة في عالم اليوم من جهة أخرى. فهي تواجه تناقضات فاضحةً بين الاعتراف العالميّ بهذه الحقوق على المستوى النظريّ وبين تعرضها باستمرار على مستوى الواقع الفعليّ للخرق والانتهاك في أنحاء عديدة من العالم. بيد أن الدول المهيمنة، وعلى رأسها أمريكا التي يفترض أنها راعية تلك الحقوق، لم يعد لديها أي وازع أخلاقيّ وإنسانيّ، يحول بينها وبين السعي لتحقيق ما تعتقد أنه مصلحتها الخاصّة على حساب مَن تُعدّهم أعداءها. لقد وظفت الولايات المتحدة قضية حقوق الإنسان وسيلةً إيديولوجية بإعادة طرح مبدأ التدخل الدوليّ لأسباب إنسانية، من أجل حماية هذه الحقوق، ولكن في حقيقة الأمر أن هذا المبدأ ما هو إلا وسيلة من استبدال الشرعيّة الدوليّة بحق التدخل الأخلاقيّ والإنسانيّ، وقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من التدخلات الأمريكيّة في مختلف قارات العالم، وكانت وما تزال تحت أطر مختلفة، فهي تستخدم مصطلح الشرعيّة الدوليّة معياراً لهذه التدخلات، لكن تدخلاتها كانت بعيدة عن هذا المصطلح، بل استخدمته من أجل تحقيق مصالحها الخاصّة، وقد عبر رجال السياسيّة الأمريكيّة علناً وبشكل صريح أن التدخل الأمريكيّ سيكون ضروريًّا عندما تتعرض المصالح الأمريكيّة للخطر، سواء توفر لهذا التدخل المظلة والمشروعية الدوليّة أو لم يتوفر، لكن الثغرة الأخطر في هذا المبدأ هي تصنيف الولايات المتحدة كلَّ من يعارض سياستها أو حتى الدول المحايدة في خانة المارقين أو دول محور الشر التي تعمل على محاربتهم، والتصدي لهم، ومحاصرتهم من جميع النواحي ولو اضطرت في ذلك إلى استخدام القوة العسكريّة ().
المبحث الثاني
أبعاد العولمة:
العولمة هي دﻣﺞ واﻧﺪﻣﺎج ﻟﻸﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ﺑﻐﺾّ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اختلافاتها اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻬﺎ وﻧﻔﺴﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ وﺣﺪة اجتماعيّة واﺣﺪة ﺗﻨﺼﻬﺮ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻗﻮاﺳﻢ ﻓﻜﺮﻳﺔ وسلوكيات واﺣﺪة ﻳﺸﺘﺮك ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ، أي ﻓﻲ آﻠﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ واﺣﺪة، وكما قال صامويل هنتنغتون” فإن العالم عندما يصبح أصغرَ تتزايد التفاعلات بين أبناء الحضارات المختلفة، ما يؤدي إلى تكثيف الوعي الحضاريّ والإحساس بالفروق بين الحضارات والجماعات داخل الحضارات”().
وتعتمد العولمة ﺑﺪرﺟﺔ كبيرة على اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ. وقد انقسم العالم تجاه العولمة إلى قسمين: قسم يشجع الفكرة ويرى فيها فائدة كبيرة واعتبرها إحدى مراحل تطور النظام الرأسماليّ إذ يرى أصحاب هذا الاتجاه أنه لا وجود لأية عيوب في العولمة، وإن وجدت فيها بعض العيوب البسيطة فيُمكن التغلب عليها بكل يُسر، أما الرأي الآخر فهو يشجب ويعارض الفكرة، ويعدّها فكرة وممارسة سلبية وظالمة وجشعة. ومعظمُ أنصار هذا الرأي من الدول النامية والفقيرة. ومن أهم ﺃﺴﺒﺎﺏ الاهتمام ﺒﺎﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﻜﻅﺎﻫﺭﺓ في الظروف المعاصرة أنها ﻟﻡ ﺘﻌﺩ ﻤﺠﺭﺩ ﻤﻔﻬـﻭﻡ ﺃﻜـﺎﺩﻴﻤﻲّ ﻴﺤـﺎﻭل ﺘﻭﻀﻴﺢ ملامح تفاعلات ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ بحيث ﻻ ﻴﻭﺠﺩ ﻴﻘﻴﻥ ﺒﺸﺄﻥ ﻁﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺘﻬـﺎ، وإنما أصبحت عنواناً ﻟﻭﺍﻗﻊ ﻋﺎﻟﻤﻲٍّ ﺠﺩﻴﺩ ﻴُﺤﻴﻁ ﺒﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ويعزز تجلياته وتأثيراته في الاتجاهات كافةً. ﻭﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﻅﺎﻫﺭﺓ ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﻗﺩ ﺍﻜﺘﺴﺤت ﺇﻟﻰ ﺤﺩ ﺒﻌﻴﺩ ﻤﺠﺎﻻﺕ ﺍﻹﻋﻼﻡ والاقتصاد ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓـﺔ، ﻓﺈﻨﻬـﺎ تتجه ﻨﺤﻭ ﻤﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ والأمن ﻭﺤﺘﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ، بكل ما تحمله من انعكاسات على ﺴـﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟـﺩﻭل واقتصادياتها ﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔ، ﻭﺨﺼﻭﺼﻴﺎﺘﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻤﻊ ﻭﺠﻭﺩ ﻓﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﺜﻴﺭ ﺒﻴﻥ ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻭﺁﺨـﺭ من مجتمعات الجنوب تبعاً لمدى اندماجه في التفاعلات الدوليّة. وفى هذا الإطار ينظر التعريف البنيويّ إلى ظاهرة العولمة باعتبارها عملية تاريخيّة جدلية تمثل مرحلة متقدمة من مراحل التاريخ الإنسانيّ المتطور دائماً من حيث تراكم المعرفة العلميّة والتكنولوجيّة، لذلك فالعولمة في إطار هذا التعريف ليست نهاية التاريخ، وإنها في الوقت نفسه تمثل أيضاً مرحلة متقدمة في نمو الرأسماليّة تتخطى الحدود القوميّة من خلال الفاعل الرئيس في هذه المرحلة وهو الشركات متعددة الجنسية. لذلك فإن العولمة تقوم بطبيعتها وبنيتها الرأسماليّة على أساس التمايز وعدم التكافؤ في مستويات تطور المجتمعات ونموها على المستوى الدوليّ، وفي تطور القوى الاجتماعيّة ونموها في داخل المجتمع الوطنيّ الواحد. وفى هذا الإطار تُنشئ العولمة تقسيماً عالميّا جديداً للعمل يتسم بعَلاقات قوى غير متكافئة اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، ويؤكد أصحاب هذا التوجه أن العولمة بهذا المعنى ذات أثر استقطابيّ يتمثل في حدوث عمليتي إدماج واستبعاد في الوقت نفسه على المستوى المحلىّ والعالميّ، وأن منطق التوسع الرأسماليّ لا بد أن يَزيد من عدم المساواة بين أعضاء هذا النظام بشكل مستمر، ولذلك لا يمكن للبلدان النامية في هذا العالم اللحاقُ بالدول المسيطرة على آليات العولمة إلا بفكّ الارتباط، والخروج من إسار التبعية للقوى المسيطرة بحيث لا يمكن تحقيقُ ذلك إلا بإخضاع عَلاقات الدول النامية بالسوق العالميّة لمتطلبات التنمية الوطنيّة النابعة من مجتمعاتها، لا لسياسات مفروضة عليها من الخارج().
لقد شهد القرن الحادي والعشرين تحولاتٍ كبيرة في جميع المجالات: الاقتصاديّة، والسياسيّة، والعلوم وفي الثقافة، بيد أن كل هذه التحولات والتطورات كانت من إحدى أسباب العولمة أو أنها مجرد من نتائجها الضخمة والعميقة التي أدخلت العالم في تفاعلات ومواجهات لم يعرفها من قبل، ذلك بسبب إسقاطها المستمر لحدود الزمان والمكان، فالعولمة تهدد الحدود الجغرافية وحدود الدول السياسيّة، بمعنى أنها تهدد السيادة الوطنيّة للدول. والعالم اليوم يعيش في عصر العولمة بطبعتها الأمريكيّة، فالحيز المطروح للعولمة أمريكيّ، والنمط الثقافيّ والسياسيّ هو نمط الحياة الأمريكيّة والفكر الأمريكيّ، وكأنما يراد من العولمة رسملة العالم أمريكيًّا. لكن لا يُعرف إلى أين ستتجه هذه العولمة الأمريكيّة أو ما هي نهايتها ().
وتأسيسا لما تقدم هناك انعكاسات سلبية للعولمة على موضوع العنف وممارسة الإرهاب، وهي كما يلي:
1.الأبعاد الاقتصاديّة:
إن مفهوم هذا النوع من العولمة يتمثل في تركيز النشاط التِّجاريّ والاقتصاديّ على الصعيد العالميّ والسيطرة عليه من قِبل مجموعات محدودة وتهميش الآخرين أو إقصائهم، وأحداث التفاوت بين الدول، بل حتى داخل الدولة الواحدة. لقد نجم عن العولمة الاقتصاديّة تداعيات كثيرة، فهي من ناحية لها فوائدُ كبيرة عن طريق زيادة الاندماج الاقتصاديّ والمجتمعيّ العالميّين، وأسهمت بقدر كبير في زيادة نصيب الفرد من الدخل الحقيقيّ في بعض بلدان العالم عن طريق زيادة اندماج التجارة الدوليّة والتدفقات الرأسماليّة على المستوى العالميّ، بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة. ومن ناحية أخرى زادت من درجة التهميش للبلدان النامية، وزيادة معدلات الفقر لمجتمعاتها، إضافةً إلى اختلال التوزيع العالميّ للدخل. كل هذا كان نتيجة لسيطرة مؤسسات العولمة الاقتصاديّة العالميّة المتمثلة في صندوق النقد الدوليّ، والبنك الدوليّ، ومنظمة التجارة العالميّة، وغيرها على السوق العالميّة التي حاولت توجيه اقتصاديًّات الدول النامية وتوظيفها بما يخدم مصالح القوى الرأسماليّة. هذه العَلاقة الجدلية القائمة بين فوائد العولمة الاقتصاديّة وسلبياتها التي زادت الفقراء فقراً والأغنياء غنًى، خلقت حالة من الرفض الشعبيّ والمجتمعيّ في الدول الفقيرة، بعد تفشي ظاهرة الفقر كونها نتيجة حتمية لهذا التفاوت الذي سيؤدي بدوره إلى بروز ظاهرة العنف واتجاه الطبقة الفقيرة إلى ممارسة الإرهاب بسبب ما يعانوه من مأساة الجوع والحرمان، وشعورهم بالتفرقة داخل أوطانهم نفسها ().
وتُعدّ العقوبات الاقتصاديّة، التي تفرضها القوى الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكيّة على بعض الدول التي تعارض سياستها، شكلاً من أشكال الإرهاب الدوليّ في ظروف العولمة، فقد استغلت أمريكا هذه العقوبات الاقتصاديّة، وذلك لتسخيرها في سبيل خدمة أهدافها. وقد فرضت أشكالاً كثيرة للعقوبات على الدول والمجموعات والأشخاص في العقود السابقة، منها: الحصارُ الاقتصاديّ لتجميد الأموال والأرصدة للدول والشركات والجمعيات والأشخاص، وحظرُ حركة الطيران المدنيّ، وإغلاقُ فروع المؤسسات والشركات المتهمة في الدول الغربيّة ومصادرةُ أموالها، وحرمانُ الدول المساعدات الدوليّة الإنمائية، ومعاقبةُ الدول والشركات التي لا تلتزم بالعقوبات المفروضة عليها. وقد اختلف الفقهاء في تعريف العقوبات الاقتصاديّة، فاعتبرها بعضهم” وسيلة ضغط اقتصادية لتحقيق غاية سياسيّة خارجية، بينما اعتبرها الآخرون تصرفاً سياسيًّا يحمل أذًى أو إكراهاً تقوم به الدول في سياستها الخارجيّة”().
لقد أضحى المكون الاقتصاديّ من الأدوات المهمة للسياسة الخارجيّة للعديد من القوى الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكيّة، وذلك لتحقيق أهدافها الجيوسياسيّة في النظام العالميّ الجديد. وتُعدّ العقوبات الاقتصاديّة، التي كانت مفروضة على العراق قبل الاحتلال الأمريكيّ له، من أشمل العقوبات وأقساها تطبيقاً من أي نظام عقوبات في العصر الحديث. وقد استمرت هذه العقوبات ثلاثةَ عشرَ عاماً، وخلال هذه المدة استخدمت الولايات المتحدة الأمريكيّة أنواع الحجج في المحافل الدوليّة لتبرير عقوباتهم. فتارةً يُسلط الاهتمام على دكتاتورية النظام القائم، وتارةً للأطماع المحتملة للنظام العراقيّ في البلدان المجاورة، وتارةً أخرى على امتلاكه أسلحة الدمار الشامل ومساعيه لامتلاك السلاح النوويّ، لينتهي الأمر باحتلال العراق عسكريّا بزعامة الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا خارجاً عن الشرعيّة الدوليّة ومبادئ منظمة الأمم المتحدة ().
وأمام هذا التسييس للعقوبات الاقتصاديّة كان الشعب العراق يعاني جوعاً ومرضاً، في ظل هذا الشكل من الإرهاب الدوليّ في ظروف العولمة المتوحشة، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة الغذاء والحاجات الإنسانيّة الأخرى أداةً في السياسة، فهي تمثل نوعاً من أنواع الإبادة الجماعيّة والحرب التدميرية الطويلة الأمدِ ضد السكان المدنيّين العزل، وبخاصة الأطفالُ والنساء والشيوخ، وهو ما يُعدُّ جريمة حرب وفق القانون الدوليّ، فقد أشار تقرير الأمم المتحدة الصادر عام 1996م إلى أن هذه العقوبات التي فُرضت على الشعب العراقيّ أدت إلى وفاة أكثرَ من 4500 طفلٍ دون الخامسة كل شهر، وأن حوالي مليون وستمائة ألف شخص لقَوْا حتفهم جراءَ الحصار الاقتصاديّ على الشعب بأسره ().
- الأبعاد السياسيّة:
يشهد عصرنا الراهن توسعاً كبيراً لدور الولايات المتحدة الأمريكيّة على الصعيد العالميّ، فبعد الحرب الباردة أصبحت الولايات المتحدة الأمريكيّة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، فسعت إلى إعادة صياغة النظام العالميّ طبقاً لمصالحها وتوجهاتها من خلال استخدام قوتها ونفوذها لتوظيف كل المنظمات الدوليّة والإقليميّة والشركات العالميّة، وذلك من أجل تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الغربيّين بصفة عامة. إن العولمة السياسيّة هي امتداد للعولمة الاقتصاديّة، والهدف منها واضح جدًّا، وهو التدخل في الشؤون الداخليّة للدول، ومحاولة فرض الهيمنة عليها من خلال التدخل في شؤونها السياسيّة على أرضها ومقدراتها. فالاقتصاد وقضية الهيمنة عليه وعولمته، هو الطريق الممهد للسيطرة على الطرف الضعيف. وبالتالي فإنه يؤدي إلى الهيمنة السياسيّة عليه من خلال سلب حريته وقدرته على اتخاذ القرارات، بل التدخل في نظام الحكم القائم وإملاء وجهات النظر والقرارات التي يرغب فيها الطرف القويّ. فعلى سبيل المثال ما يروج له الخطاب السياسيّ الأمريكيّ بصورة رسمية، الاهتمام بقضية الديمقراطيّة وحقوق الإنسان إلا أن السياسة الأمريكيّة تتعامل مع هذه القضية بنوع من البراغماتية والانتهازية السياسيّة الغرض منها التدخل في الشؤون الداخليّة للدول الضعيفة، لأن الولايات المتحدة الأمريكيّة مستعدة للتضحية بقيم الديمقراطيّة ومبادئ حقوق الإنسان في حالة تعارضها مع مصالحها الاقتصاديّة والتِّجاريّة. ولما كانت السياسة من أبرز اختصاصات الدولة القوميّة التي تحرص على عدم التفريط بها ضمن نطاقها الجغرافيّ ومجالها الوطنيّ، وإن هذا الحرص يرتبط بمفهوم السيادة وممارسة الدولة لصلاحياتها وسلطتها على شعبها وأرضها وثرواتها الطبيعيّة، وتأسيساً لذلك” فإن الدولة القوميّة هي نقيض العولمة، كما أن السياسة ونتيجةً لطبيعتها ستكون من أكثر الأبعاد الحياتية مقاومةً للعولمة التي تتضمن انكماش العالم وإلغاء الحدود الجغرافية وربط الاقتصاديّات والثقافات والمجتمعات والأفراد بروابط تتخطى الدولة، وتتجاوز سيطرتها التقليديّة على مجالها الوطنيّ”().
وبما أن العولمة في المنظور السياسيّ تعني أن الدولة لا تكون هي الفاعل الوحيد على المسرح السياسيّ العالميّ، بل توجد إلى جانبها هيئاتٌ متعددة الجنسيات ومنظمات عالميّة وجماعات دولية، وغيرها من التنظيمات الفاعلة التي تسعى إلى تحقيق فريد من الترابط والتداخل والتعاون والاندماج الدوليّ، مما يعني أن السيادة لا تكون لها الأهمية نفسها من الناحية الفعلية، فالدول قد تكون ذات سيادة من الناحية القانونيّة، ولكن من الناحية الفعلية قد تضطر إلى التفاوض مع جميع الفعاليات الدوليّة، وبسبب عدم التكافؤ يتم فرض قيود تؤدي إلى تقييد سيادة الدول الضعيفة. وخير دليل ما يحدث اليوم في المِنطقة العربيّة وباقي الدول الضعيفة من دعوات لنشر الديمقراطيّة، والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفاؤها على دول العالم الثالث باحترام حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تقويض أنظمة الحكم غير الموالية للنظام العالميّ الجديد، هو خير دليل على أن العولمة السياسيّة تعني، فرض الهيمنة ونشر المفاهيم بعيداً عن احترام خصوصيات الأمم والشعوب. ومن هذا المنطلق نجد أن فرص وإمكانيات تحقيق المزيد من الاستقرار في النظام العالميّ، والتمكن من القضاء على العنف والإرهاب في عصر العولمة، تبدو محدودة؛ فالتأثيرات القائمة والمستمرة للعولمة على بلدان العالم الثالث، وبخاصةٌ فيما يتعلق بتهميش بعض الدول، وتوسيع الهوة بين الشمال والجنوب، واستمرار تفاقم بعض المشكلات التي يعاني منها العالم الثالث، مما يؤدي إلى أن بعض مناطق الجنوب ستبقى رهينة للحروب الداخليّة والإقليميّة، وستشهد المزيد من أعمال العنف والممارسات الإرهابيّة التي تؤدي إلى عدم استقرار النظام العالميّ().
- الأبعاد العسكريّة:
يُشير مفهوم العولمة من المنظور العسكريّ إلى وضع برامج من قِبل دول أو تحالفات لإدخال كل دول العالم ضمن نفوذها الاستراتيجي، والعسكريّ، والاقتصاديّ، والسياسيّ. ولهذه العولمة ثلاث دعامات هي: الولايات المتحدة الأمريكيّة، والمجموعة الأوروبيّة، وحلف شمال الأطلسيّ (الناتو). وتمثل العولمة العسكريّة الذراع القوية للعولمة السياسيّة بالدرجة الأولى، ثم العولمة الاقتصاديّة، ذلك لأن نشر المفاهيم الخاصّة سواء كانت مفاهيم سياسيّة أم اقتصادية، ووضع اليد على المقدرات، والسيطرة على الخيرات، وتنصيب الأنظمة السياسيّة الموالية، كلها تحتاج إلى وسيلة قوية رادعة يمكنها فرض الإرادة بالقوة، وبالتحديد القوة العسكريّة واستخدام السلاح. والمتتبع لواقع العالم، وما يدور في فلك العَلاقات الدوليّة يرى مدى أهمية العولمة العسكريّة وضرورتها لنشر باقي أنواع العولمة. لقد استخدمت العولمة العسكريّة بشكل فعليٍّ وواضحٍ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م إذ شهد العالم عولمة عسكريّة سريعة استطاعت أن تدخل كل أركان العالم، وذلك من أجل ما يعُرف بمحاربة الإرهاب، فقد نشطت الأعمال العسكريّة والعمليات القتالية الأمريكيّة في بقاع مختلفة من العالم تحت ذريعة التخلص من الجماعات والمنظمات والأنظمة السياسيّة ().
- الأبعاد التكنولوجيّة والتقنية:
ظهرت هذه العولمة نتيجةً للانفجار المعرفيّ وثورة المعلومات التي أحدثتها المكتشفات العلميّة الأخيرة، بوصفها نتاجاً معرفيًّا لمجموعة متكاملة من الجهود الفكريّة والإمكانات الماديّة والخبروية، في ميادين البحث العلميّ والتقنيِّ كافةً. وبدأت ملامح هذه العولمة تظهر بشكل واضح بعد الحرب العالميّة الثانية وما صدر بعدها من قرارات دولية للحدِّ من تَكرار مثل هذه الحروب المدمرة، وقد تمكنت تلك القرارات من وقف الصراع الدوليّ المعلن لمدة محددة من الزمن ليدخل الصراع مرحلة جديدة، ألا وهي مرحلة الصراع القطبيّ الدوليّ بين الاتحاد السوفيتيّ والولايات المتحدة الأمريكيّة في حرب سُميت بالحرب الباردة وسلاحها الأساسيّ هو التطور التقنيّ والسلعيّ والمعلوماتيّ والتكنولوجيّ، ومحاولة كل طرف عولمةَ أكبر عدد ممكن من الدول والشعوب بتقنيته. وتصف العولمة التكنولوجيّة” بالمجموعة المترابطة من تكنولوجيا الكمبيوتر والاتصالات وعمليات ربطها بالأقمار الصناعية التي نجم عنها الانتقال الفوريّ للمعلومات عبر العالم”(). لقد مثلت هذه القفزة التقنية المتسارعة في عصرنا الراهن السلاح الأكثر خطورةً وسطوةً وفاعليَّةً، كونه اخترق العقول والأذهان، وأعاد هيكليتها وبرمجتها ليؤسس ملامح ثقافية ومعرفية أيديولوجية جديدة متجانسة والعولمة المراد تطبيقها، وقد أدى هذا إلى ما يسمى بالعولمة السوسيولوجية وهي” ذلك الخيال الجديد للعالم الذي يستشرف ظهور مجتمع عالميّ واحد، أو كل اجتماعيّ مترابط يتجاوز حدود المجتمعات القوميّة”().
وتأسيساً لذلك فقد انعكست العولمة التقنية على تجاهل كامل لذاكرة الشعوب ولغتها وتاريخها وحضارتها، ومناهجها الدراسية في مختلف المراحل التعليمية والثقافيّة، بالإضافة إلى أنها أثرت في سلوكياتها وأخلاقياتها كأفراد ومؤسسات اجتماعيّة، لأنها لا تخضع لرقابة، وتدخل البيوت والعقول بدون استئذان، ومرتبطة كليًّا بأيديولوجية الفئات الأقلية المالكة والمسيطرة ().
- الأبعاد الثقافيّة:
حرصت الدول الغربيّة بمختلف الوسائل على تحطيم الثقافة والدين والتراث في نفوس الشرقيين والمسلمين، وزعزعت العقائد. وقد حاول الغرب أن يوجه كل أسلحته الحربية والعلميّة والفكريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة إلى العالم الإسلاميّ بشكل خاص. فالغرب حريص اليوم على أن يكسب من خلال العولمة الثقافيّة ما عجز عن كسبه بالأمس مستغلًّا وسائل التطور المختلفة أنتجتها الحضارة الماديّة الغربيّة، ومسخراً أجهزة ووسائل عاتية من أجله، حيث تحاول العولمة من فرض نموذج ثقافيّ على المجتمعات البشريّة، وهي من دون شك ثقافة نخبوية أمريكية” يخضعون بواسطتها أذواق الناس في كل مكان تقريباً من الكرة الأرضية لمؤثرات تعمل على تغيير أذواقهم، وأنماط سلوكهم في اتجاه الأذواق والقيم وأنماط السلوك التابعة للغرب، ومن ثَم فإن ظاهرة عولمة الثقافة هي في الأساس عملية تغريب”().
ومن هنا تبرز خطورة العولمة الثقافيّة في تغريب العالم الإسلاميّ، وصبغه بالصبغة الغربيّة وصولاً إلى إذابة شخصيته العربيّة الإسلاميّة، وإضاعة هويته والقضاء على خصوصيته. لقد سعت العولمة الثقافيّة إلى تعميم أفكار ومفاهيمَ ومبادئ ونظم وقيم ومعتقدات، وأنماط من السلوك والعادات، وطرائق المعيشة الغربيّة الأمريكيّة وإعطائها صبغة العالميّة، ثم محاولة إحلالها بل وفرضها على حساب الأفكار والمعتقدات والقيم والمبادئ والأخلاق والأنماط السلوكية والمعيشية الخاصّة بالمجتمعات الأخرى لا سيما المجتمعات الإسلاميّة، تحت مزاعم أفضلية الثقافة الغربيّة على ثقافة الشعوب الأخرى خاصة الإسلاميّة منها. لقد أدى إصرار قُوى اليمين المتطرف في الدول الغربيّة على الانتقاص من المعتقدات الدينيّة والثقافيّة العربيّة إلى ظهور الجماعات التكفيريّة المتطرفة التي قامت بتأويل خاصٍّ للدين الإسلاميّ بعيداً عن مبادئه بحجة الدفاع عن الدين، وردًّا على نظرية صراع الحضارات الذي ذكرناه آنفاً ().
النتائج والمناقشات:
إن النهج والممارسات السابقة التي تقوم بها الولايات المتحدة والدولة المرتبطة بها يعني وجود اختلال حادٍّ في موازين العالم في ظل العولمة الرأسماليّة المتوحشة. فإذا كان الإرهاب تهمة جاهزة للإسلام والمسلمين، فإن التشديد على محاربة الإرهاب وعدم قبول التعامل معه لفظاً، ودعم إرهاب الدولة الإسرائيليّ، والدفاع عنه في المحافل الدوليّة وعرقلة إدانته من قِبل المنظمات الأوروبيّة والأمريكيّة والدوليّة المعنية بالحرية والمدافعة عن حقوق الإنسان، يؤكد حقيقتين في غاية الأهمية، أولهما: سقوط مصداقية الولايات المتحدة الأمريكيّة مع أتباعها وحلفائها، وثانيهما والأهم: بروز تيارات إسلاميّة متشددة وجماعات متطرفة تمارس العنف والإرهاب ضد الإرهاب المقابل ().
بالتالي فإن ﻫﺫﺍ التغيير ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﻬﺩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﺤﻭل ﺒﺼﻭﺭﺓ ﺠﺫﺭﻴﺔ ﻭﻫﺎﺌﻠﺔ ﻻ يعدّ ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﻤﺠﺭﺩ إﻤﺒﺭﻴﺎﻟﻴﺔ ﻤﻌﺎﺼﺭﺓ ﺃﻭ ﻟﻴﺒﺭﺍﻟﻴﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﺃﻭ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺃﻤﻴﺭﻜﻴﺔ، ﻜﻤﺎ ﺃﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺕ ﻤﺠﺭﺩ ﻨﻅﺎﻡ ﻟﺘﺴﻴﻴﺭ ﺍﻟﺴﻭﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﻜﺘﺴﻠﻴﻊ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻭل والأجساد، ﻜﻤﺎ ﻴﺭﺍﻫﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻥ في عصر الثورة ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤاتية، ﻓﺫﻟﻙ ﺘﺒﺴﻴﻁ ﻭﺘﻬﻭﻴل ﻴﺠﻌﻠﻨﺎ ﻨﺘﻐﺎﻓل ﻋﻤﺎ ﻴﺤﺩﺙ ﻭﻴﺘﺸﻜل ﻓﻲ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ. ﻟﻘﺩ ﺃﺼﺒﺢ ﻤﻥ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﺍﻟﺘﻌﺎﻤلُ ﻤﻊ ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﻜﻅﺎﻫﺭﺓ ﺒﺼﻔﺘﻬﺎ ﻨﺘﻴﺠﺔً ﻟﻠﻁﻔﺭﺍﺕ والانفجارات والتحولات ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻀﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ ﺃﻤﺎﻡ ﺍﻟﺘﺤﺩﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﻴﺭﺓ ﻭﺍﻟﺨﻁﻴﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺍﺭﺩ ﺠﺩًّﺍ ﺃﻥ تتحول ﺇﻟﻰ ﻤﺯﻴﺩ ﻤﻥ الأزمات ﻭﺍﻟﻤﺂﺯﻕ، ﻭﺭﺒﻤﺎ ﻤﺯﻴﺩﺍ ﻤﻥ ﺍﻟﺨﺴﺎﺌﺭ ﻭﺍﻟﻜﻭﺍﺭث ().
تعقيب للباحث:
من الطبيعيّ أن يتفاوت فهم المجتمع للعولمة ومضامينها المختلفة، فالاقتصاديّ الذي يركز على المستجدات الاقتصاديّة العالميّة وطبيعة التراكم الرأسماليّ الراهن على الصعيد العالميّ يهتم بالعولمة بخلاف عالم السياسة الذي يبحث تأثير التطورات العالميّة والتكنولوجيّة المعاصرة في الدولة، كما أن عالم الاجتماع يرصد مسألة الانفجار السكانيّ، البيئة، الفقر، الإرهاب، المجتمع المدنيّ والعالميّ، والثقافيّ يهتم بانفتاح الثقافات والحضارات وترابطها بعضها مع بعض، وبهذا كلٌّ يفهم العولمة بحسب اختصاصه. إذن لا بد من التمييز بين العولمة الاقتصاديّة، و العولمة الثقافيّة، و العولمة العسكريّة، والعولمة الاجتماعيّة. ولكن في المحصلة يتمثل جوهر عملية العولمة في سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكونيّ.
الخلاصة:
من خلال العرض السابق تطرح مجموعة من الأسئلة، منها: هل أدى تطور الرأسماليّة وصولاً إلى مرحلة العولمة إلى انخفاض وتيرة العنف والإرهاب أو العكس؟ هل يكمن العنف في فكرة التجاور على بساطتها؟ وهل يعدّ الرد على العنف إرهاباً؟
و بالارتباط بموضوعنا نشير إلى أنه في ظل العولمة الرأسماليّة المتوحشة تمارس الإدارة الأمريكيّة العنف، وتستخدم القوة في فرض سطوتها على العالم. وليس لها غير قوة السلاح، وهذه القوة متعددة الأشكال والأساليب، لكن القوة العسكريّة هي أداتها. وتستخدم القوة حسب الحاجة إليها، وبالأسلوب التي تراه هي مناسباً لها. فهناك التلويح باستخدام القوة، أي التهديد، وهناك الاغتيال، وكذلك إثارة التمرد الداخليّ على قوة معادية، ومساندة دولة مجاورة، وهناك الغارات والغزو، وتحريك الأساطيل وغيرها من الأساليب الإرهابيّة. فقد اتفقت حكومة الولايات المتحدة وحكومة إسرائيل على تفتيت العالم العربيّ، وإخضاعه لمصالح الدولتين: الولايات المتحدة، وإسرائيل.
إن كل ذلك يُشير إلى أن الحملة الأوروبيّة، الأمريكيّة، الصهيونيّة الشرسة على العرب والمسلمين واتهامهم بممارسة الإرهاب هي جزء من المعركة السياسيّة والعسكريّة التي تخوضها قوى اليمين المتطرف الأمريكيّة بالاشتراك مع إرهاب الدولة الإسرائيليّة التي تتخذ من ترسيخ صورة الإرهابيّ لكل ما هو عربيّ ومسلم، العربيّ المسلم في كل أوساط الرأي العام العالميّ، لتبرير القيام بغزوات وهجمات كالغارات الأمريكيّة على ليبيا وأفغانستان، والغارات الصهيونيّة على لبنان، وحروب الإبادة الإسرائيليّة ضد الشعب الفلسطينيّ الأعزل، فالولايات المتحدة تمارس دوراً منفرداً من خلال دعمها غير المحدود للكيان الصهيونيّ، وترفع الفيتو بعد الآخر لتتمكن من العدوان على مَن تشاء من الدول، وغزو العراق بحجج واهية دون موافقة الشرعيّة الدوليّة المتمثلة بمجلس الأمن الدوليّ ، وتأخذ المعتقلين من أفغانستان إلى سجون غوانتانامو دون محاكمة عادلة، وتطلق على المنظمات الفلسطينيّة المقاومة للاحتلال بالمنظمات الإرهابيّة، وفي الوقت تدعم الاحتلال الإسرائيليّ، وتبرر إرهابه، كما تصنف الجماعات المتطرفة في أفغانستان بأنها إرهابية، بينما كانت تلك الجماعات، تَعدّ منظمات مقاومة شرعية إبّان الاحتلال السوفيتيّ لأفغانستان.
المصادر والمراجع:
المصادر العربية:
الكتب:
- أبي خليل، رودريك إيليا، العقوبات الاقتصادية الدولية في القانون الدولي بين الفاعلية وحقوق الإنسان، الناشر، دار الحلبي الحقوقية، دمشق، 2009
- أحمد، آدم مهدي، العولمة وعلاقتها بالهيمنة التكنولوجية، الناشر، الشركة العالمية للمطبوعات، القاهرة، 2001
- الجابري، محمد عابد، قضايا في الفكر المعاصر، الناشر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997
- الخراشي، سليمان بن صالح، العولمة، الناشر، دار بلنسية، المملكة العربية السعودية، 1999
- الشرقي، أحمد العربي، حقيقة العولمة، الناشر، دار قتيبة، دمشق، 2003
- المديني، توفيق، التوتاليتارية الليبرالية الجديدة والحرب على الإرهاب، الناشر، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003
- أمين، جلال، العولمة والتنمية العربية-من حملة نابليون إلى جولة الأوروغواي، الناشر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991
- بوث، كين، وديون، تيم، عوالم متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالمي، ترجمة، عبد الحق، صلاح، الناشر، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2005، ص 354
- تيلور، بيتر، وفلنت، كولن، الجغرافيا السياسيّة لعالمنا المعاصر: الاقتصاد العالمي، الدولة القومية، المحليات، ترجمة، رضوان، عبد السلام، وعبيد، إسحاق، الناشر، عالم المعرفة، الكويت، 2002
- جيجك، سلافوي، العنف تأملات في وجوهه الستة، ترجمة، جتكر، فاضل، الناشر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، 2017
- جي، فرانك، وبولي، وون لتشنر، العولمة الطوفان أم الانقاذ؟ الجوانب الثقافية والسياسيّة والاقتصادية، ترجمة، جكتر، فاضل، الناشر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010
- حسن، عمر كامل، الجغرافية السياسيّة الجديدة للعالم العربي في ضوء العولمة الثقافية، الناشر، دار رسلان، دمشق، سنة الطبع، بلا
- دريفورس، روبرت، لعبة الشيطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي، تقديم ومراجعة، عبد الرزاق مصطفى، ترجمة، رفيق، أشرف، الناشر، مركز دراسات الإسلام والغرب، القاهرة، 2010
- غضبان، مبروك، المجتمع الدولي والأصول والتطور والأشخاص، الناشر، ديوان المطبوعات، الجزائر، 1991
- محمد، إسماعيل علي، العولمة الثقافية وموقف الإسلام منها، الناشر، دار تنوير للنشر والتوزيع، مصر، 2007
- محي الدين، جمال، العقوبات الاقتصادية للأمم المتحدة، الناشر، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2009م
- نافع، ابراهيم، انفجار سبتمبر بين العولمة والأمركة، الناشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، سنة الطبع، بلا
- هنتنغتون، صامويل، صدام الحضارات، ترجمة، الشايب، طلعت، الناشر، دار سيمون، نيويورك، 1999
- هوبزباوم، إيريك، العولمة والديمقراطية والإرهاب، نقله إلى العربية، حمدان، أكرم و، طيب، نزهت، الناشر، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2009، ص25ص26، والشرفات، سعود، العولمة والإرهاب: عالم مسطح أو وديان عميقة، الناشر، دار ورد، عمان، 2001
الرسائل الجامعية:
ماجدة، حجار، مقاربة سوسيولوجية لظاهرة العنف في ظل العولمة، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم فرع تنمية وتسيير الموارد البشرية، الناشر، جامعة منتوري، الجزائر، 2009، ص201ص201 ولاحقا
المجلات:
- المنصور، عبد العزيز، العولمة والخيارات العربية المستقبلية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 25، العدد الثاني، 2009
- أمين، سمير، مستقبل الجنوب في عالم متغير، الناشر، دار الأمين، القاهرة، 2002، ص 178؛ وقيرة، إسماعيل، العرب وتحديات القرن الواحد والعشرين، مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، العدد 3، 2008
- أبو زيد، جيهان، الشباب والأهداف التنموية للألفية في الوطن العربي، ورقة عمل الشباب العربي والعولمة، الناشر، UNDP، 2016
- حرب، على، عولمة بديلة أم عقل مختلف، مجلة المستقبل، العدد 1558، 2004
- عبد الله، عبد الخالق، العولمة: جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها، مجلة الفكر العربي، العدد 27، 1999
الإرهاب في مرحلة العولمة الرأسماليّة
إعداد
الدكتور أنمار نزار الدروبي
المصدر : https://iraqaloroba.com/?p=10847