قبل أن تغيب شمس الإمبراطورية الصدرية؟
قبل أن تغيب شمس الإمبراطورية الصدرية؟
كان عبد الملك بن مروان عابدا زاهدا ناسكا في المدينة قبل الخلافة، فلما جاء أمر تعيينه خليفة للمسلمين كان حينها يقرأ القرآن والمصحف في حجره فأطبق المصحف فورا توجه لكرسي الخلافة. وبعد كان الحجاج بن يوسف الثقفي مجرد وزير أو قائد أو والي تحت إمارة وقيادة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان. “نعم هو الحجاج نفسه الذي قتل وعصف وذبح كل معارضي الدولة الأموية، هو الحجاج الذي رمى بالكثيرين في سراديب الموت والقهر، وبالتالي فلا أحد نال تشهير وسبا ولعنا أكثر من الحجاج في التاريخ الإسلامي من شره وظلمه وشهوته في الطغيان وشهرته في القتل”. (كتاب اذهب إلى فرعون ص159).
ورغم أن هذا المجرم (الحجاج) لم يكن يفعل سوى تنفيذ التعليمات، أي أن الخليفة عبد الملك بن مروان كان يعلم ويسمع ويدرك بممارسات الحجاج الإرهابية، إلى درجة أن الحجاج ضرب الكعبة بالمنجنيق وقتل الزبير أبن العوام، بمعنى أنه فعل مالم يقدر عليه أبرهة ذو الجبروت والطغيان. لكن من سخريات القدر تركزت على الحجاج حمم الكراهية والغضب وعبارات السب والشتم من قبل الشعب ولا أحد تجرأ أن يذكر سيده وسلطانه (عبد الملك بن مروان)، بحيث ظل الخليفة عبد الملك بن مروان إلى يومنا هذا (زاهدا ناسكا عابدا) لماذا؟ لأنها الرغبة الجامحة والغريزة الخارقة لدى اتباع السيد والخليفة في إضفاء القداسة على سيدهم وقائدهم والتحجج بأنه لا يعرف ولا يدري ما يقوم به وزرائه من فساد ومظالم بحق الشعب، وكأن السادة والقادة والزعماء لم يعينوا بأنفسهم الوزراء والمحافظين وغيرهم في المناصب العليا للدولة ويباركون لهم. في النهاية يبقى (عبد الملك بن مروان) امبراطورية في كل شيء بالنسبة لمحبيه وانصاره. لكنها إمبراطورية لا تخلوا من التزييف والأكاذيب.
وصلاح الدين الأيوبي الإمبراطورية المزورة هي الأخرى، دعنا أيها القارئ الكريم أن نترك فيلم (الناصر صلاح الدين) ونتكلم بالتاريخ الحقيقي لهذا الرجل. يذكر المؤرخ (تقي الدين المقريزي) في كتابه: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف باسم خطط المقريزي أو الخطط المقريزية ص 34. بعد أن استولى صلاح الدين الأيوبي على مقاليد الأمور فى مصر، نقل القاهرة عما كانت عليه من العناية والرقى الحضاري وجعلها مبتذلة لسكن العامة والجمهور. ولم يكتف صلاح الدين بذلك فقط، بل استولى على ما فى القصور من خزائن ودواوين وأموال ونفائس، وأباح بيع كل ما وجد فى القصور، حتى إنه باع كل ما خرج منها لمدة عشر سنين، كما أقطع أمراءه وخواصه ما كان للفاطميين، وفقدت القاهرة مكانتها. واستولى صلاح الدين على ما بالجامع الأزهر من فضة، ثم استولى على كل ما وقعت عليه يداه من فضة فى بقية المساجد، وبقي المسجد الأزهر معطلاً لا تقام فيه صلاة، مائة عام، ولا تلقى فيه دروس العلم.
أما المؤرخ (شمس الدين الذهبي) الذي كان يميل إلى رأي الحنابلة، ولقب (بالذهبي) لأنه كان يزن الأخبار مثلما يزن الصيرفي الذهب، يذكر في كتابه الشهير (سير أحلام النبلاء المجلد 21 صفحة 283، 284) كان صلاح الدين يشرب الخمر ثم تاب، وقد قتل صلاح الدين في مصر مائتي ألف 200.000 شخص من (السُنة)، ثم خرج من مصر سنة 573 فالتقى الفرنج، فانكسر وانهزم، وهي تلك الهزيمة النكراء التي تلقاها صلاح الدين على يد الصليبيين فى موقعة تل الجزر (مونتجيسارد قرب الرملة)، قبل انتصاره عليهم سنة 583 هجرية فى معركة حطين بعشر سنوات، ثم هزيمته الفادحة بموقعة أرسوف سنة 587 هجرية، بعد حطين بأربع سنوات.
وهذا ما يحدث الآن في العراق ومع التيار الصدري بالتحديد أو (الإمبراطورية الصدرية)، إلا في بعض الحالات والمواقف النادرة جدا، تلك المواقف التي روج لها، أن السيد مقتدى سجن السياسي الفلاني من تيار الأحرار، والسيد عاقب الوزير العلاني من التيار، وتم اعتقالهم في الحنانة، وكأن المستمع والمتابع يتصور أن الحنانة تحولت إلى سجن الباستيل. في النهاية فهي لا تتعدى سوى فبركات إعلامية الغرض منها تجميل وتبرئة السيد من فساد ممثلي التيار في الحكومة والبرلمان. فالمجتمع ووسائل الإعلام وهيئة النزاهة وكل ذو اختصاص يخشون على حياتهم وممتلكاتهم من التقرب لهذه المنطقة الخطيرة، ويتجنبون اتهام الصدر شخصيا بأنه ملتزم الصمت على فساد جماعته.
السؤال: ماذا تعلم شباب التيار الصدري من مقتدى خلال سنوات التبعية المقيتة، وماذا علمهم مقتدى ونقل لهم من أفكار وفلسفة مدرسة الصدر؟
الجواب ببساطة شديدة لا شيء سوى التبعية العمياء لشخص مقتدى، تبعية بطريقة ميتافيزيقية. والسبب يكمن في الأوضاع المجتمعية والفكرية المتردية بالعراق، حيث أصبح اللجوء إلى المقدس نوع من الحصول على الحصانة.
ووفقا لهذه التبعية من ملايين الشباب والرجال والنساء لمقتدى، وكذلك لسياسات الصدر غير المسؤولة، أصبح لزاما على العراقيين استحضار القوى السماوية الصدرية لنفتح البلاد ونسبي العباد. ولهذا فقد تراكم الخلل في البلاد وتفاقم واتسعت خروقه، فلم يكن الخلل سقوط هيبة الدولة وإرهاب المجتمع فقط، لأن التوابع أوضحت أن الخلل الأكبر والأعمق كان في الإرادة والذات والشخصية العراقية الوطنية. وبما أن ثقافة الصدر وتياره السياسي ثقافة شمولية كاملة لا يأتيها الباطل من بين ايديها ولا من خلفها (وهم الباطل بعينه)، وإن السيد مقتدى وتياره السياسي خير أمة أخرجت للناس، إذن علينا كشعب أسير في قفص هذه الأسطورة، لم نلتفت إلى عوامل ضعف وانهيار البلد، وإنما يجب أن نبحث دائما عن شياطين من خارج المعادلة، مثل الجوكرية والعملاء واعداء الدين والإسلام، فهؤلاء هم من يحوك لنا المؤامرات ويقفون وراء هزائمنا وتخلفنا.
بلا شك أن الإمبراطورية الصدرية ما كانت لتقوم وتثبت وجودها الا بعد أن سجلت انتصاراتها على كل قوى الدولة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية، فلابد أن تقوم هذه الإمبراطورية على أنقاض الآخر. وإذا ما أردنا الربط بين الأسباب والنتائج، فأن الصدر يعتقد أن الله قد نصر تياره وهم أذلة وأعز جنوده بأسرار ربانية وفعل غيبي خارق دون أي اعتبار للواقع الموضوعي. من هنا، أصبح لدينا فكر واحد ومنهج واحد، هو فكر القائد مقتدى ومنهج السيد، فالسيد الصدر هو الفكر السائد ومنهجه سيد المناهج. فنحن جميعا باطل الأباطيل والخطأ المطلق. بالتالي بعد هذا الاستعلاء والكبرياء الذي أصاب الصدر فلم يعد يفرق سماحته بين الممكن والمستحيل.
هذا واقعنا مع الإمبراطورية ونرجسية إمبراطور الإمبراطورية الأسطورة مقتدى الذي جعلنا نتنفس الخرافة بعبارات طنانة مثل (الإصلاح ومحاربة الفساد، وقصاصة السيد، وتغريدة السيد، والسيد معتكف في محل إقامته في الحنانة وغيرها). ولعلنا نستذكر كيف تحالف الصدر مع الشيوعيين واستقبلهم استقبال الفاتحين ليضيف كتلة من العجزة إلى إمبراطوريته، ومع هذا الانتصار المؤزر للتيار الصدري والآيات الباهرات بالتحالف مع أنصار الثورة البلشيفية وعشاق لينين وستالين، لن يبقى للسيد الصدر إلا أن يتحالف مع النائب السيد (يونادم كنا) السكرتير العامة للحركة الديمقراطية الآشورية في العراق، ويدعوه إلى إشهار إسلامه لينظم إلى حضيرة المتأسلمين.
وإذا كان السيد مقتدى الصدر رجل دين ودعوة، فلماذا يتدخل بالسياسة، ولماذا يروج اتباعه باستمرار، أن رئيس وزراء العراق القادم سيكون من التيار الصدري، ألا يعلم السيد الصدر أن شأن السياسة كان خارج اهتمامات الدعوة، بل أن الدولة خارج اهتمامات الرسالة النبوية، فالرسول الكريم لم يطلب من إمبراطوريات العالم تهديم الكنائس أو سب عيسى، بل طالبهم بالإسلام فقط. فما دخلك انت بالدولة والسياسة سيدنا؟
اما أنصار الصدر فهذه قضية لوحدها بل كارثة بحد ذاتها، فهم يتعاملون مع قائدهم وفق مبدأ (الكرستولوجيا) بمعنى اللاهوت المسيحي، التي تهتم بدراسة طبيعة يسوع، وخاصة كيفية ارتباط الألوهية والإنسانية في شخص يسوع. ولهذا فقد مُنح الصدر صفة الألوهية يتصرف كما يشاء له، يحكم بين الناس ويعاقب البشر بحسب اهوائه، وأصبحت أحلام السيد أوامر لدى اتباعه. وقد تجهض ألف حامل، وتحبل ألف عاقر وعذراء برضاء أو عدم رضاء السيد. ثم تحتشد جماهير التيار الصدري بالملايين في الشوارع رافعة صورته، يبايعون السيد القائد حتى الموت. ولا أدري موت من؟ موت السيد القائد ام موت اتباع القائد؟
لكن الله لم يمنح القدسية حتى لأنبيائه، فلو تدبرنا قليلا الآية الكريمة في سورة النساء: بسم الله الرحمن الرحيم (أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) آية (105).
هذه الآية تؤكد على الحق في التحكيم بين الناس وأنها نزلت على رسول الله ليحكم ببراءة رجل يهودي من تهمة السرقة التي حاول بعض الناس إلصاقها به تغطية على قريب لهم من المسلمين هو السارق، فلما نزلت الآية وبرّأت اليهودي وفضحت السارق ، أمر الله عز وجل نبيّه بعدم قبول كلام الخائنين للأمانة والصدق، ولو كانوا مسلمين (ولا تكن للخائنين خصيما) ولو كان المتهم يهوديا غير مسلم، هذا هو الحق والعدل الذي يجسده تحكيم القرآن الكريم في واقع البشرية، فإحقاق الحق بين الناس أيا كانت دياناتهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم هو الذي يعكس طهارة رجل الدين ومصداقيته، رجل الدين الذي يجب أن يحكم بين الناس بالعدل حتى إذا كان الفاسد واللص ينتمي للتيار البلبلي.
قبل أن تغيب شمس الإمبراطورية الصدرية؟
Source : https://iraqaloroba.com/?p=9891