مفارقات القراءة عند الكتاب
السؤال الذي لا يزال يتجاهله الكثير من الكتاب والكاتبات هو لماذا لا يقرأ الكاتب/ الكاتبة ما يكتبه الكتاب/ الكاتبات الآخرون؟ في معارض الكتب كما في غيرها من الأنشطة الثقافية يكون الكتاب/ الكاتبات من أقل الفئات التي تقبل على شراء أعمال زملائهم لقراءتها. في هذه اللقاءات يكتفي الجميع بتبادل إهداء الكتب دون أن تكون لدى أغلبهم ثقة بأن من يهدونهم الكتاب سوف يقرؤونه.
ولا يختلف الحال عندما يتناول مجموعة من الكتاب الآراء حول عمل ما لكاتب آخر لأن أغلب الآراء التي تقدم تنم عن عدم معرفة حقيقية بقيمة التجربة، لأن أغلبهم لم يقرأها، في حين يكتفي كتاب آخرون بما يقرؤونه من كتابات عنه في الصحف الثقافية، أو بما يقدمه أصدقاؤهم من آراء حوله.
يتهم الكتاب القارئ العربي بضعف القراءة، في حين أنهم يتناسون واقع الحال بالنسبة لقراءاتهم في ما يكتبه سواهم من الكتاب/ت. يقبل الكاتب على قراءة هذه الكتابات بحماس عندما تخص كاتبا في إطار مجموعة من الأصدقاء أو العلاقات الشللية التي تتبادل المصالح، ما يجعل هذه القراءة غير حيادية أو موضوعية، نظرا إلى دخول عوامل شخصية ومصلحية في تقييم هذا العمل لهذا الصديق أو ذاك.
ولا يخفى وجود عوامل أخرى سياسية أو فكرية تجعل الكتاب/ الكاتبات يقرؤون ما يكتبه من يشاركهم هذا التوجه أو هذه الرؤية، الأمر الذي يجعل الكتاب يعيشون في جزر معزولة عن بعضهم البعض، كما يجعل معرفتهم بالتجربة الأدبية في هذا البلد أو ذاك بتياراتها وأجيالها المختلفة محدودة، ما ينعكس سلبا على تفاعل هذه التجارب وثرائها وعلى علاقة الكتاب/ الكاتبات مع بعضهم البعض.
ولعل ما يحدث في كل عام بعد الإعلان عن الجوائز الأدبية من صخب ومعارك إعلامية بين الكتاب/ الكاتبات حول العمل الفائز ما يدل على أن البعض لم يقرأ العمل حتى يستطيع تقيمه، هذا إذا لم تكن المواقف نابعة من اعتبارات شخصية خاصة.
إن أكثر الكتاب تجسيدا لهذه الظاهرة هم كتاب الجوائز والعلاقات العامة، الذين يقضون جل وقتهم في ترتيب أمور انتقالهم بين هذه الاحتفالية أو تلك أو بين هذه المناسبة أو سواها.
لذلك لا يملك هؤلاء الكتاب ترف الوقت الذي يسمح لهم بالقراءة لما يكتبه الكتاب الآخرون من أعمال، أو الرغبة في متابعة إبداعات الكتاب الآخرين، خاصة بعد أن تكرست شهرتهم، وأصبحوا لاعبين أساسيين في المشهد الأدبي العربي. لقد أسهمت في تكريس هذا الواقع اعتبارات غير أدبية ما زالت تحكم الحياة الثقافية، خاصة مع غياب النقد الجريء والموضوعي لهذا الواقع.
وتتخذ هذه المفارقة بعدا آخر عندما تجد هؤلاء الكتاب يقبلون على قراءة الأدب الغربي بكثير من الحماس، على خلاف ما يقومون به تجاه أعمال زملائهم من الكتاب العرب.
هنا يلعب الانبهار بهذا الأدب دورا مهما في تكريس طبيعة هذه العلاقة، حتى وصل الأمر ببعض الكتاب إلى محاولة التناص مع أعمال أدبية معروفة وجعلها مهادا سرديا لأعمال لهم، في محاولة لتوظيف رمزية هذه الأعمال وفتنتها لتسويق أعمالهم.
وقد ذهب البعض الآخر إلى حد التماهي مع هذه الأعمال متجاوزا بذلك علاقة التفاعل النصي، في ظل غياب المتابعة للمنجز الأدبي العربي، باستثناءات قليلة لكتاب معروفين.
لقد ظل الكتاب المشرقيون حتى فترة قريبة لا يعرفون إلا القليل عن الأدب في المغرب العربي، لأسباب كثيرة كان أهمها غياب الاهتمام بمتابعة هذا المنجز الأدبي، نتيجة الشعور بالتفوق، على خلاف إقبال الكتاب المغاربة على قراءة أعمال الكتاب المشرقيين، ما كان يشكل مفارقة أخرى جعلت هؤلاء الكتاب يشكون من تمركز الثقافة العربية حول أدب المشارقة.
إن هذا الجهل بما يكتبه الأدباء الآخرون يجعل الكثير من الكتاب يعيشون في جزر معزولة، وبالتالي عاجزين عن معرفة حالة التطور والتنوع التي يمثلها الواقع الأدبي في البلد الذي ينتمي إليه، أو في البلدان العربية الأخرى، بسبب التمركز حول الذات والحس النرجسي عند البعض من الكتاب. والسؤال هنا إذا كان هؤلاء الكتاب لا يقرؤون كتب زملائهم من الكتاب، فكيف يطلبون من القراء أن يقرؤوا كتبهم؟
ومن المظاهر الأخرى لهذا الواقع تقسيم الأدب إلى أدب الكبار وأدب الصغار فالكتاب المكرسون غالبا لا يقرؤون للكتاب الذين يعتبرون أنهم أقل موهبة وقيمة أدبية، ما يشي بظهور حالة من التراتبية الأدبية تنسف الجسور التي يمكن أن تمتد بين أصحاب هذه التجارب المختلفة ويخلق واقعا نخبويا يزيد من عزلة الأدب في واقع يعاني من أزمة في القراءة.
وتتخذ هذه الظاهرة بعدا آخر على مستوى العلاقة بين الأجيال الأدبية، إذ كثيرا ما نجد تجاهل الكتاب المكرسين لإبداعات الكتاب الجدد، ومحدودية متابعة ما يظهر من تجارب جديدة، ما يجعل هؤلاء الكتاب عاجزين عن معرفة ما تضيفه هذه التجارب إلى المنجز الأدبي، وما يطرأ من تحولات على الذائقة الأدبية، وعلى الوعي الجمالي لكتاب يعبرون عن تجربة مختلفة ورؤية مختلفة، ما يكشف عن حالة الانقطاع على مستوى الوعي بالأدب الذي يكتبه الجيل الجديد من الكتاب.
إن الكاتب الذي يتوقف عن قراءة ما تضيفه التجارب الأخرى من إسهامات، هو أشبه بالغرفة المغلقة، التي سرعان ما يفسد هواءها ويصبح غير صالح للحياة. تحتاج التجربة دوما إلى روافد جديدة تصب فيها، وتزيد من ثرائها وقدرتها على توسيع حدود فضاء رؤيتها وتطوير وسائل تعبيرها، لأن الأدب لولا الإضافات التي تقدمها التجارب الأخرى، لاسيما الجديدة لكان توقف عن التطور.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=244