نصرة البياتي ــ فارس ترجّل

عراق العروبة
مقالات وآراء
26 ديسمبر 2021
نصرة البياتي ــ فارس ترجّل

نصرة البياتي ــ فارس ترجّل

عراق العروبة

هارون محمد

نصرة البياتي ــ فارس ترجّل

هو واحد من جيل ستينيات القرن العشرين، عرفته الساحات، وعركته المعاناة، مناضلاً عالي الهمة، وسيم الطلعة، يجمع بين عذوبة الروح، وحلو الشمائل، وجميل الصبر، وكنت أحسده على رقة ابتسامته، وقوة تحمله، وأنا أجاوره في قصر النهاية، في صيف العام 1969، برغم أنه أكبر مني، فهو من عمر أخي الشهيد صباح، صديقه وزميل دراسته في ابتدائية مندلي.

أذكر نصرة، عندما كان يعود إلى مندلي في إجازات من وظيفته ببغداد، عقب ثورة 14 تموز 1958، وهو بكامل حيويته، يحمل كراسات وبيانات قومية وبعثية، يوزعها علينا، نحن مجموعة من اليافعين، من ضمنهم محمد وليث عبدالحكيم، ابنا شقيقته، وأذكر أنه لقننا شعار (وحدة وحدة عربية.. لا شرقية ولا غربية) ونحن نستقل الباصات الخشبية إلى ملعب الإدارة المحلية ببعقوبة، نستقبل رسول الثورة، العقيد عبدالسلام محمد عارف، نرحب به ونهتف له، ونغيظ الشيوعيين، ونتدافع معهم، في عراك بالأيدي، احتجاجاً على هتافهم الذي لم يُعجبنا (حياد إيجابي.. صداقة سوفيتية)، وغلبناهم في الملعب.

نصرة البياتي ــ فارس ترجّل
نصرة البياتي ــ فارس ترجّل

لقد سبقنا نصرة إلى بغداد، بأربع أو خمس سنوات، وانخرط في الوظيفة، والدراسة المسائية، وهو ابن عبدالستار (أفندي) كما كان أهالي مندلي يسمون والده الراحل، محبة وتقديراً، برغم أنه كان شيخاً من شيوخ عشيرة (البيات) في ديالى، وأحد وجهاء مدينتنا، وكان قومياً أيضاً، يرتبط بعلاقات صداقة، مع أقطاب حزب الاستقلال، الشيخ محمد مهدي كبة وصديق شنشل وفائق السامرائي وغيرهم، وقد ترشح في انتخابات العام 1954 عن دائرة مندلي، وفاز في صناديق الاقتراع، ودقت الطبول وصدحت المزامير، فرحاً وسعادة، ولكن إذاعة بغداد، عكرت مزاج أنصاره، وزعلّت مؤيديه، عندما أعلنت فوز النائب المزمن، عزالدين النقيب، الذي كان رحمه الله، يحظى برعاية نوري باشا السعيد، قبل أن ينتقل إلى (خانة) صالح جبر، لأسباب معروفة.

كانت بداية نصرة عبدالستار البياتي السياسية، انخراطه في حزب البعث ضمن تنظيمات الأعظمية التي سكن فيها وانسجم مع شبابها، وأحب أهلها، ولكنه صُدم من انفصال سوريا عن مصر، وانهيار حلم الوحدة العربية، وتوقيع قادة في الحزب على وثيقة الانفصال المشؤومة، وعاد إلى التيار القومي الناصري، كادراً متقدماً، ومناضلاً صلباً، ولم يزده الاضطهاد السياسي، والملاحقة والاعتقال، إلا متانة في الصمود والثبات.

وعقب الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003، كان نصرة البياتي في الصفوف الأولى يتقدم مع رفاقه القوميين الذين طووا صفحات الخلاف مع حزب البعث، وسموا على جراحهم القديمة، فبادروا إلى لملمة صفوفهم، في التيار القومي، وتصدوا للغزو، وأعلنوا مناهضتهم له، شعوراً منهم، أن الوطن في محنة، وأن المسؤولية القومية تحتم على الجميع الاصطفاف ضد الاحتلال وإدانة سياساته وأدواته، وفضح مشاريعه التآمرية على العراق والأمة العربية.

وللأمانة، فقد كان أبو فارس، شعلة من نشاط وحركة، خلال السنوات العجاف التي أعقبت الاحتلال، ولم يمنعه التقدم في العمر، ولا الأمراض التي نخرت جسده، من ممارسة فعالياته القومية، على صعيد التنظيم، وقد صار المسؤول الأول للتيار، بعد رحيل المناضلين صبحي عبدالحميد ووميض عمر نظمي وهادي خماس، وقد بذل وأعطى، جائراً على شيخوخته وأوجاعها ولم يهدأ ولا تاق إلى الراحة.

لا أدري، حقيقة، هل أعزي نفسي برحيل نصرة، وقد فقدته أخاً كبيراً، وصديقاً عزيزاً، ورفيقاً مقداماً، أم أعزي فارساً وأخوته، وقد كبروا على خطاه، وصاروا رجالأ يُشار إليهم بالبنان، خلقاً وأخلاقاً، أم أعزي حبيبة قلبه ورفيقة دربه (طيبة) وهي على اسمها، في الخصال والجمال والدلال، أذكر صورتها، وهي تدلف إلى متوسطة مندلي، وكانت على أيامنا مختلطة، والعباءة تتدلى من نصف رأسها، تتخذ مكانها في مقدمة الصف، بهدوء وسكينة، إلى جانب سهيلة، شقيقة نصرة، تلك الفتاة الرشيقة بإفراط، وبلقيس عمران، ابنة عمه، وآخريات.

سلاماً أبا الفوارس، فقد كفيت ووفيت، وكنت خير الناس، وفاءً وجهداً، على المباديء والقيم، أعزك الله ورحمك، وألحقك بجناته مع المثابرين وأهل العزم، آمين.. اللهم آمين.

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.