آمنة وناس في لقاء مع الشاعرة اللبنانية يسرى البيطار

عراق العروبة
ثقافة وأدب
16 نوفمبر 2021
آمنة وناس في لقاء مع الشاعرة اللبنانية يسرى البيطار

آمنة وناس في لقاء مع الشاعرة اللبنانية يسرى البيطار

عراق العروبة

آمنة وناس

آمنة وناس في لقاء مع الشاعرة اللبنانية يسرى البيطار

السلام عليكم

عليكم السلام أهلا ومرحبا بك أستاذة آمنة وبالأصدقاء الكرام

جالسها الحرف، فكتبت للذات، للإنسان و للوطن، حملتها القصيدة في الجوف، فأزهرت من إحساسها الفرح، البسمة و الشجن، رافقها القلم و لوجدانها عزف، فلامس دواخلنا و احتضن، خاطبها الشعر باهتمام وبشغف، لتراسلنا خلجاتها وفي أعماقنا كان لها السكن، صادقتها المحبة و بجنانها تعترف، حفرت في روحها عشق الأرض في الخفاء و في العلن، في كفّها أمل تضرب به الخوف، و إرادة تأبى الخوار و الوهن، الحلم بصرختها يرفرف، و دربها لعناقه مستدن، هي الشاعرة اللبنانية “د. يسرى البيطار”

مرحبا بك سيدتي

آمنة وناس في لقاء مع الشاعرة اللبنانية يسرى البيطار
الشاعرة اللبنانية د.يسرى البيطار

شكرا وتحية من لبنان النازف هذه الليلة جراحا وحرائق لكنني أرفض إلا أن أقول سلام عليكم من شاطئ مدينتي البترون الباسم والعبق بعطر الموج والليمون.

س  “إن أجمل الشعر، قلبي حين يحترق”، فهل الحرف بإحساسك شهق؟

ج نعم هو الحرف أجملُه أو أعظمه ما امتزجَ بالنفَس الأخير حيث قلتُ في إحدى قصائدي:

فأجملُ الشعر لا شكلٌ ولا صُوَرٌ

بل أجملُ الشعر قلبي حين يحترقُ

غير أنني بعد النصّ المذكور بحوالى سنتين نشرتُ على الوزنِ والقافيةِ ذاتِها:

“قد قلتُ يومًا وإني الآن اُخْطِئُها 

أنْ أجملُ الشعر قلبي حين يحترقُ

 فأجملُ الشعر ما قبلَ الحريقِ جوًى

 وبَعدَهُ لا دمٌ يُرجى ولا رمَقُ”

ذلك أنّ الألمَ الكبير قد يؤدّي إلى نصٍّ رفيع المستوى، أمّا الألمُ الأكبر فقد يؤدّي إلى صدمة تُسكِتُ القصيدة إلى أجَل غيرِ محدَّد، وربّما تُسكِتُ القلب.

س كيف يحثّ قلم الشاعرة “يسرى البيطار” الحرف لقهر الوجع؟

ج الحرفُ لا يَقهرُ الوجع بل يرفعُه إلى مكانةٍ سامية. فلحظةُ الكتابةِ ولادةٌ ممزوجةٌ باحتضار. أشعرُ باستسلامٍ للدمعِ والألم لكنه استسلامٌ موَلِّدٌ مثل لحظات الوصال، ومخلِّد. القصيدة وصالٌ مع الحبيب، ومع التاريخ.

س “قصائدي الأجمل والأهم فهي ربما تلك التي كتبتها في غرفتي وأنا حزينة”، كيف يدندن حرف الشاعرة “يسرى البيطار” حزن الإنسانة “يسرى البيطار”؟

ج نعم فعلاً قصائدي الأجمل هي التي تدفّقَت على إيقاع الدمع، وهي المكتوبة في غرفتي المغلقة. لستُ ادري كيف يلجأ الإنسان إلى وحدتِه حين يريدُ أن يقفَ في المواجهة ! مواجهة القوّة بالضعف الممزوج بالعشق هي المواجهةُ الأقوى.

س أطلّت الشاعرة اللبنانية “د. دورين نصر سعد” من نافذة التساؤل فعطّرت: “ماذا عن قصيدة بطعم البرق، و لون الجمر، و لهب الماء”، فإلى كم من نفس تطيّبت بهذه الريح الشاعرة “يسرى البيطار”؟

ج لا طعمَ للبرق في قصائدي. ربّما هي تعكسُ لونَ الجمر في القلب. امّا الماءُ فموجودٌ وحَيِيّ ! وأمّا الريحُ فدائمةُ العصفِ وإني أكثرُ عصفًا وتحدّيًا. قلت:

“وعلى العاصفات أعلو كأنّي

 كنتُ مِن قبلُ طفلةً من سحابِ”

وقلت:

وإني الضوء ما بقيَت حياةٌ”

 أشقّ الريح مِن فوق الحِبالِ”

س “في مبنى الأبجديّة ضوضاء كبيرة” هذا ما يعتقد فيه الشاعر اللبناني “د. سرجون كرم”، فكيف يروّضها صهيل الكلمة من على صرح المعنى عند الشاعرة “يسرى البيطار”؟

ج الضوضاء شريعة المجتمعات عمومًا وكلّما ارتقت الإنسانية خفَّ الضجيج. الضوضاءُ اليوم في كلِّ مكان وخصوصًا على المنصّات الالكترونيّة المتاحة بلا رقيب وبلا معايير. وأجرؤ على القول إنّ أمّيّين لم يَقرأوا كتابًا واحدًا يُبدون رأيهم في الأعمال الأدبية كأنهم نقّاد. أما يسرى فتكتبُ ما يتدفّقُ في روحِها بلغةٍ أصيلةٍ ومتمكّنةٍ وصادقة وعفويّة. هذا هو السرّ العظيم. إنه الصدق.

س “يمر الوقت على نفسه و لا يمر على الكلمات”، ماذا تحمل هذه الكلمات في كفها و لا يمكن لعاصفة الوقت أن تحدّق فيه؟

ج الوقت عدوّ الإنسان. كنّ النّفوسَ الكبيرةَ تغلبُه فتعلو عليه وتنتصر. لذلك يبقى الشعر والكلمة الصادقة والحرّة ، مثلما يبقى شبابُ العاشقين. هكذا نفهم قولَ جميل بن معمر مخاطبًا حبيبتَه بثينة:

” قريبان مَربَعُنا واحدٌ

فكيف كبرتُ ولم تكبري؟”

س متى تقول الشاعرة “يسرى البيطار”، أريد توديع حروف كلماتها ماتزال عالقة بين زفرات التنهيدة؟

ج لقد قلتُ يومًا في “أكاد من المحبة أسقط:

” ماذا سيُجْديني بقاءُ الشعر للأجيال إنْ مُتُّ؟

ليتَ السعادةَ نلتُها في عالمي…”

مرارًا في حياتي كفرْتُ بالشعر.

ومؤخَّرًا قلتُ لنفسي:

لن أخسرَ حبًّا من أجل الشعر وإلا فلستُ شاعرة، وأنا القائلة في “منازل العشق:

” أ شِعرٌ ؟ لَأنتَ الشِّعرُ في كلِّ نهدةٍ

أم الكون؟ ذا نقصٌ وإنّكَ كاملُ”

لكنّني مثل جميع الثوّار في العالم أرفضُ فكرةَ توديع الحروف بقرارٍ نهائيّ لأنّ الحرفَ هو الحرّيّة ، و صوتُ الضّمير.

س أكتب بلغة منسية، و القلم عن حبري ينحرف، ما عادت تلك المعاني بسطوري معنية، فهل أنا عن السرب انعطف؟

ج أؤمن دائما بأن لغةَ الشعر لغةُ القلب. لا يستهويني التكلّف ولا تعجبني الصّنعة ولا تركيبُ الصّوَر المفتعَلة بهدف الإدهاش. فالشعرُ من الشعور و احمله أصدقُه. وإنّ استخدامَ الغريبِ من الألفاظ عمدًا ليس من البلاغة. أما الصور في قصائدي فهي تخرجُ عفوًا مع خفق العاطفة ولستُ أعمل على أكثر من ذلك. 

و أما اللغة الشعريّة فهي خاصّة بالشاعر حتى تكاد أن تشكّلَ هويّتَه كما قيل قديمًا: 

« Le style c’est l’homme »

اللغة الشعريّة تركيبٌ معقَّد من الموهبة، الثقاقة الممتدّة مع عمر الإنسان، وعلمِه ووعيِه ولاوعيِه. وكلّما ارتفعَ منسوب العواطف والثقافة ارتفعت الشّعريّة، وأصبحت الجُمَلُ الشعريّة متعدّدةَ الأبعاد.

س أراد الكلام أن يعتذر للشعور فأهداه باقة من الصمت، فمتى تزهر؟

ج تزهر حين تُلتقَطُ الأنفاس، ويطمئنُّ القلب، وتشرق الشمس من جديد. تزهر مع شجر اللوز في ربيع العاشقة التي بذلَت رجالَ العالم من أجل واحد.

س كيف للصمت أن يرتق تمزّق البوح في شرايين القصيدة؟

ج لستُ أدري كيف للصمت أن يفعل! لكنني أعرف أنّ الضغطَ على الجراح يستلزم الصمت. في الوقت الصعب يعجز الكلام ويعجز الشعر وتعجز الأنفاس. ربما يعجز المشي أيضا وقد كتبت: “أنا لا أستطيع المشيَ من دون الأماني”.

س سقط “الضياء ذبيح”، كيف احتضنه قلم الشاعرة “يسرى البيطار”؟

ج أراكِ تستحضرين أيتها المثقفة مطلع قصيدتي: 

“ما زال يَنسى والنجومَ يُزيحُ

ويُريحُهُ أنّ الضياءَ ذبيحُ”

فالضياء الذبيح أنا. أما القلم فحينًا يحنو عليّ وحينًا أنا. قلت أخاطب القلم: 

” وأجوب البحار أنت شراعي

حانيًا حاملًا ضروبَ جنوني”

وقلتُ ذاتَ حزن:

“أحنو على الورق المسجّى لابسًا أبيض”.

س “أيها الشعر و الحب و الفرح، عائدون”، بين الحب و الفرح، إلى أين يسافر الشعر بالإنسانة”يسرى البيطار”؟

ج الحبّ أقرب. الفرح بعيد. الحبّ بالشعر أو من دونِه. الشعر تعبير، خروج، وقوفٌ في عين الإبداع. مثلما أنّ روح الشاعرة والعاشقة تقفُ دائما في عين العاصفة أو بالقرب. قلت: 

“إني سأبقى في ضفاف الريح

إني أستلذّ الريحَ كالنسرِ”

س “لا هدف لديّ و لا طريق، أنا عنب على كفّ السلال”، متى تقبضين على الورد و على الرحيق، متى تكونين أنت الوصال؟

ج الألم أن تكوني القابضة على الورد والرحيق وأن تكوني أنتِ الوصال عند خطوط النار. لو كنتُ هامشيّةً لكانَ سهلًا. أنا دائما صاحبة الرحيق، صاحبة العشق والقرار، وعلى خطوط النار.

س “أنا نشيد السواقي متى سترهف سمعك؟”

ج نعم هو إلحاح الشوق النقيّ الذي يضجّ بالحياة ويُطْلِعُ الزرعَ. هي الأنوثة الماء يقابلها الرجل الشرقيّ بصمت الجبال. والصمت قسوة حين يدّعي الذكاء.

س هل يمكن لنا أن نسكب فائض القسوة في مجاري السنين؟

ج القسوة لا تبلغ فائضا في مقام الأنوثة الحقيقية إذ يتمّ ترويضها لا محالة. أما قسوة الزمن والقدَر فهي نزيف السنين.

س أي نزف صفعك أيتها الحياة، ليعلق في ضجيجك ألم الفراغ؟

ج إنها الخيبات لانعدام التوازن بين الأخذ والعطاء، بين الحلم والصفعة، بين المثاليّة وسقوط المثال. و للحقّ أظنّ أنّ بعض النفوس ميّالة إلى الخيارات المتعِبة.

س يسقط لجامك، أيها الحلم، فيبلّل الكسر فيك لهيب الواقع، إلى متى؟

ج كتبتُ في مطلع:

” سأُرجِئُ حُلْمِي غدًا أحلمُ

أخافُ اشتياقي وما يَرسمُ”

ولا أعرفُ ” غدًا ” متى.

س اشتياق يبنيه الرحيل ليهدمه الرحيل، ذاك الذي طالما تربّع على عرش الأنين، فأهدى الروح عدّة ألقاب بعد أن زجّ بالجسد في قلب التراب، و ترك للأيام معانقة الحنين…، فإلى أين المسير؟

ج بل يبنيه حضورٌ ويهدمُه ثمّ يَبنيه… الشوق هنا ليس حنينًا ولا جسدَ في التراب.

قلت:

” و بي عطَشٌ وشوقٌ وارتواءُ”

فالشوقُ إلى حاضرٍ بالجسد أو لا يكون.

ولنا دليلٌ صارمٌ في قول الحلّاج:

“لم يَزدْني الوِردُ إلاّ عطَشَا”

س “البحر بلا موج ميت، و مع الأمواج غريق”، فلماذا النجاة؟

ج إنها حلم الطمأنينة والسلام.

س أريد سلاما بين أزقّة الغروب 

خطوط وألوان تتلامس

 فيُطرب الإحساس من عطر المكان

 من الأعماق حكاية تجوب

 صور من الذاكرة تتهامس

 تعاند اليوم قدرة النسيان

 أرض تحمل وشم الحروب

 لتكبيلها الأغلال تتنافس

 و لتعريفها أي عنوان؟

ج لبنان

س “بيروتُ أحلى المدائنْ، والنّارُ فوق الجنائنْ، فكم شهيدًا تُرى كي يُدفَعَ الثّمنُ ؟”، بيروت يا صرخة الأماكن، و الصدى في جيب المكامن، فكم من اختناق سجّله الزمن؟

ج بيروت الجرح الذي تتسابق إليه الجراح. بيروت الحُسن رغم النكبة!! الجميلة التي لا تَنالُ من سحرها الأحزان.

س كم زرعت فيّ من غربة، أيها اللامكان، و كم سأقطف فيك من اللاوطن؟

ج كلُّ مكانٍ خارج الحبّ لامكان ونقطة الجاذبيّة واحدة. لذا قلتُ يومًا إنني أجلسُ مترًا فوق سطح الأرض.

س “و لا نزال متمسّكين بالوطن…”، كيف يبتسم الوطن محبة؟

ج نعم هو الوطن الذي نحبّه ونبقى متمسّكين به إلى أن يبتسمَ من جديد. إنها بسمةُ الطفل أو الوالد أو العائد.

س “لبنان زهر، فلسطين هي المطر”، لبنان قمر، فلسطين هي السحر، و تونس بينهما ماذا قال فيها الوتر؟

ج فلسطين قضيّةُ العروبةِ والحقّ. أما تونس فما بينها وبين لبنان سهلٌ أخضر، وثقافةٌ واسعةٌ، ووشاحٌ شفيفٌ ملوَّن. ومقدّمة خطَّها ابنُ خلدون للحضارة الإنسانيّة، مثلما خَطَّ جبرانُ النّبيّ. وقبل هذا وبعدَه إليسا وقرطاجة والحَرف… ولا بدّ أن نحطّ يومًا في تونس، والرفيق قصيدة.

شكرا لك الشاعرة “د.يسرى البيطار” على حسن تواصلك وإلى لقاء آخر إن شاء الله.

شكرا لجماليّة الحوار وعمقِه، وهذه تحيّة القلب.

آمنة وناس في لقاء مع الشاعرة اللبنانية يسرى البيطار

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.