الاستبغال
الاستبغال
ربما تكون عبارة الاستبغال من افضل المصطلحات التي قرأتها مؤخرا في قصة نشرت في الانترنيت وفيها معنى كبير يخدم أمتنا وهو الانتباه للخداع المرسوم لتعطيل الرفض لخطط التآمر المعادية، تقول القصة:(في نهايات الحكم العثماني أبحرت سفينة من اسطنبول إلى ميناء أم قصر في العراق، محملة بالبغال، كمدد لبعض وحدات الجيش هناك، و لأن العلف قليل، فقد كان يوزع على البغال مرة واحدة في اليوم ، بعدما يتلقى السوّاس (مروض البغال) أمرا من القبطان بواسطة (دق الدودك)، أي عندما يصدح البوق، في وقت معين لهذا كانت عندما تسمع الدودك، تعي أن العلف بات قاب صدحتين من الوصول لمعالفها، فتتحمحم للأكل، وذات يوم نفذ العلف، وعندما أحست البغال بالجوع بعدما فات موعد – او وعد – تقديم الوجبة لها هاجت بكل ما للجوع من جنون، وكادت أن تخرق بحوافرها أرضية السفينة، فأسرع السواس مذعورا يشرح الحالة للقبطان، ويؤكد له أن السفينة ستغرق بأقدام البغال الجائعه. أمر السواس بدق الدودك، ومع أول صدحة ، عاد الهدوء للبغال، وعندما مضت ساعات ولم يصلها الاكل عادت لهياجانها ، فما كان من القبطان إلا أن أعطى الأمر بالصدح مرة أخرى، وهكذا استمرت مهزلة الدودك حتى وصلت السفينة مبتغاها.
هذه المهزلة التصبيرية أو التأجيلية عن طريق دق وصدح الدودك وابتكار الأزمات مع امتلاك الحلول مسبقاً، ينبغي ألا تنطلي على الشعوب التي بانت هياكلها العظمية بعد فقر وجوع طويلين.فترويض الخنوع هذا إن مرَّ على الذين يمصون النوى من شهوة التمر، ويأكلون أصابعهم ولحوم سواعدهم من الجوع والفقر فاعلم أنهم وصلوا فعلا لمرحلة الاستبغال !!) انتهت القصة.
ما معناها ودلالاتها ؟ عندما تعد المؤامرات وتكون خطيرة ونجاحها مشروط بعدم معارضتها ويتوقع المتأمر ان هناك رفضا شاملا لها يستخدم تكتيك الاستبغال هذا فيدق البوق كلما نفد صبر الرافض للخطط بعدم تحقيق الوعد الأول والثاني وشك بوجود شيء مريب يدفعه للضغط والاعتراض مرة اخرى فيكون رد فعل (القبطان ) هو دق البوق فيطمئن مرة اخرى، والبوق هو وعود بحل وأن الفرج قادم حتما فانتظروه ولا تستعجلوا ففي العجلة الندامة! وهكذا وكلما وصل تدهور صبر المنتظر وشك بعدم وجود الحل يدق بوق الوعود مرة اخرى الى ان يوصل الى اكمال تنفيذ خطوات مؤامرة رسموها وعند ذاك يجد الصابر نفسه وقد استبغل وصار أمام واقع لا يمكنه تغييره ، وكما أن البغال خرجت من السفينة العثمانية جائعة ومستسلمة لأمر واقع صار من الصعب تغييره فإن الصابر الذي يؤمن بان (الصبر من الإيمان) يكتشف أنه استبغل عمدا وأنه غير قادر الا على الاستسلام لما كان سيرفضه حتما قبل هذه الخديعة،ويقبل بعلك العلف المقدم له والتلائم مع شرور القبطان !
من يقع في فخ الاستبغال قبل غيره هو من يعتقد بان دق البوق هو اشارة صحيحة لتقديم العلف فيطيل صبره وهو لم يتعلم من اول دقة بوق لم يعقبها تقديم العلف ان الامر فيه خداع وسرقة للوقت وتمييع لأي قرار بالثورة والتحرر!والفرق بين المستبغل والواعي هو أن الثاني يفكر ويحلل دلالات أي خطوة ويتذكر كم وعد سابق نكث به وعندها يعرف ان دق البوق هو للتخدير الذي يستخدم لاجل اكمال خطوات عملية التآمر مع تجميد امكانية انتفاضة ضد الظلم فلا تبقى فرصة للإنقاذ أو التراجع بعد فرض أمر واقع! فهل يمكن لمناضل من أجل التحرير أن يقبل بوعود المحتل،أو أي (قبطان) متأمر، بالخلاص عبر وعد او مؤتمر او خطة غامضة وبلا ضمانات واضحة جدا يقدمها (القبطان)؟ من يقبل ذلك مستبغل، فحتى الأزمات داخل العائلة تخضع لتكتيك الاستبغال فالأب الذي لا يملك مالا ويعد ابنه بشراء قميص له قريبا فيسكت الابن ولا يضايق والده ولكنه بعد وعدين نكثا يبدأ برفض الوعود و يتصرف بطريقته لأنه ذكي وواع واكتشف أن والده يستبغله ! والان نرى خطط الاستبغال هي السائدة واخطرها على الاطلاق هي التي تجري مع الثوار و الطلائع الثورية من أجل تحييدها وعزلها بدقات بوق متواصلة كلما وصلت الطلائع الى قناعة بضرورة الحسم السريع لانقاذ الامة والشعب، ولذلك فالثائر والمناضل الواعي من أهم سماته أن قناعته لاتغيرها دقات بوق المتأمرين مهما تكررت لانه يعرف انها خداع وتهدئة من اجل ايصال الزورق للبر وعندها يكون السوط هو الرادع وليس دقات البوق، فيضيع الحق والوطن والثوار .
أيها الواعون: التحرر والخلاص لايأتي من وعد دقة البوق بل من موقفكم انتم ورؤيتكم انتم فلا تنتظروا خلاصا من بوق، أما من استبغل وهم من القلة القليلة جدا وصار يقول لكل قبطان (تأمر سيدي) فهؤلاء ليسوا منا ولا نريدهم مادمنا متمسكون بأهم القواعد الذهبية للثوار والأحرار وهي أن الثورة يصنعها الأحرار وليس العبيد. من هنا فإن أول مظاهر وعي المناضل الطليعي هو الاقتناع الراسخ بأن دقات البوق الكاذبة شر مستطير ،وان انقاذ الامة والطليعة من شرور الاجتثاث هو بتوعيتها واعلامها بحقيقة ما يجري حولها داخل الوطن وخارجه وليس التعويل على دقات بوق مجاني. فاحذروا (سياس الخيول ) لانهم مجرد عبيد المال أو عبيد الجهل.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=10489