القيادة القومية: مواجهة الجماهير لنظم الاستبداد والمحاصصة والفساد والتأبيد السلطوي والارتهان تتكامل مع مواجهتها للتطبيع مع العدو الصهيوني
وجهت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي تحية للجماهير العربية المنتفضة على نظم الاستبداد والمحاصصة والتأبيد السلطوي بعد مرور عام على انطلاق الانتفاضة الشعبية في العراق ولبنان، واستمرار المخاض العسير في السودان لاستيلاد نظام وطني جديد .وأكدت ان الأمة العربية التي تخوض صراعاً ضد مشاريع استلابها الاجتماعي والقومي ترفض التطبيع مع العدو الصهيوني وستبقى تقاومه لحماية الهوية القومية وتحصين الأمن القومي من الاختراقات المعادية .
جاء ذلك في بيان للقيادة القومية للحزب في مايلي نصه:
تتوجه القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، بالتحية للانتفاضة الشعبية في العراق ولبنان ،مع دخولها السنة الثانية ،وهي مازالت على زخمها الشعبي في حمل راية التغيير السياسي الذي يستجيب والإرادة الشعبية في إسقاط منظومات الفساد والمحاصصة والتأبيد السلطوي والارتهان للخارج الدولي والإقليمي ،ولأجل إقامة نظم ديمقراطية تحكمها قواعد المساواة والحوكمة واستقلالية الخيارات السياسية خاصة بما يتعلق منها بالقضايا الوطنية.
كما تتوجه بالتحية ، لقوى التغيير الوطني الديموقراطي في السودان ، التي استطاعت أن تسقط نظام التمكين والاستبداد والفساد ،وتؤسس لإدخال هذا القطر العربي معطى مرحلةٍ جديدةٍ من البناء الوطني المتحرر من كل أشكال الارتهان والتبعية وتحقيق السلام الداخلي عبر انضواء الجميع تحت مظلة الوطنية الجامعة ،وبما يمكن السودان من توفير مستلزمات التنمية الشاملة وبناء الاقتصاد المنتج وتقوية مرتكزات الجبهة الداخلية في مواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية داخلياًوخارجياً ،والتي تريد اخذ السودان الى الخيارات القاتلة التي تتمحور حول مقايضة ربط المساعدات المالية والاقتصادية بالتطبيع مع العدو الصهيوني .
كما ان القيادة القومية للحزب وهي توجه التحية لجماهير شعبنا العربي الفلسطيني في صمودها ومقاومتها للاحتلال ،تنظر بإيجابية للخطوات الرامية لتوحيد الموقف الوطني الفلسطيني على قاعدة وحدة المرجعية السياسية التي تقود النضال الوطني الفلسطيني بكل تعبيراته ،ووحدة الموقف في التعامل مع كل الظروف والمعطيات المحيطة بواقع الساحة الفلسطينية.
ان اطلالة القيادة القومية بالتحية على ماتختلج به هذه الساحات ، لايعني إغفال معطى ساحات عربية اخرى وهي التي شهدت حراكاً شعبياً ، بعضه استطاع أن يحقق تغيير اً سياسياً مايزال يتلمس طريقه وصولاً إلى مآلاته النهائية ،وتونس والجزائر نموذجاً ، وبعضه حصل الالتفاف عليه وافرغ من مضمونه التغييري،
ونموذجه التجربة المصرية وحركة النضال الوطني الديمقراطي في البحرين ، وبعض آخر تم اختراقه والانقضاض عليه ،وأخذ أقطاره إلى صراع دامٍ ،دمر بنية الدولة والمجتمع كما جرى ويجري في سوريا واليمن وليبيا .ولذلك فان التحية موصولة لجماهير هذه الساحات باعتبار ان حراكها ونضالها انما حركته ذات الحوافز ضد المنظومات الحاكمة التي أمعنت في سياسات الفساد، التي أفقرت البلاد والعباد وعطلت آليات العمل السياسي بصيغة الديموقراطية ،وشرعت توريث السلطة وتأييدها .
ان القيادة القومية لحزب البعث لحزب البعث العربي الاشتراكي ، التي ترى في هذا الحراك الشعبي الذي غطى مساحة الوطن العربي من الأردن ومحيطه المشرقي إلى المغرب وتخومه، بقعة ضوء في عتمة الظلام المخيم على الواقع العربي ، هي على ثقة بأن بقعة الضوء هذه، ستتع دائرتها ، مع اتساع مساحة الحراك السياسي والجماهيري ليس ضد المنظومات السلطوية المنخورة بالفساد وحسب ، وانما ايضاً ضد مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني والتي أخذت بعداً خطيراًفي الاونة الاخيرة من خلال أشكال التطبيع العلني لبعض الانظمة، والمشفر والمرمز لانظمة اخرى وكلهم يزعمون ان التطبيع هو لمصلحة فلسطين وقضيتها.
ان حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ربط بين ثلاثية أهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية ربطاً جدلياً ، فلادراكه العميق بواقع الأمة ،حيث التحرر من الاستغلال على كافة اشكاله والذي تخوض الجماهير العربية نضالها الشعبي على ارضيته ،انما هو احد الاوجه الذي تقاوم فيه الامة عملية الاستلاب الاجتماعي الذي تمارسه النظم الرجعية بحق الجماهير وهي التي تربط وجودها في السلطة بواقع التجزئة القائم ،وتهرول بغالبية اطرافها ،لتخرج من جلدتها القومية عبر اقامة علاقات سياسية واقتصادية وامنية مع العدو ،بتغطية ورعاية من مراكز التقرير الدولي في النظام الاستعماري بقديمه وحديثه وخاصة أميركا .
على هذا الاساس ، تعيد القيادة القومية للحزب التأكيد ،ان نضال الامة العربية التحرري بمضمونه الاجتماعي ،إنما يتكامل مع نضالها التحرري ببعده القومي.وعليه فإن الموقف العربي وخاصة الشعبي منه ،بقدر ما يكون محكوماً بوحدة الرؤية والأهداف والفعاليات على مستوى التحرر الاجتماعي والقومي بقدر ما يكون مؤثراً في مجرى الأحداث وضابطاً لايقاعها بالاتجاه الذي يحقق مصالح الجماهير في التحرر والتقدم والوحدة القومية.
من هنا فإن القيادة القومية للحزب تدعو جماهير الامة وكل القوى التحررية في الوطن العربي الى اعتبار قضية مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني ،قضية اساسية ومحورية في نضالها ،وهي لاتقل اهمية عن نضالها في مقاومة نظم الفساد والاستبداد والتخلف ، لابل تتقدم عليها في الارجحية ،لان الامر يتعلق بحماية هوية الامة العربية وتحصين امنها القومي من الاختراق المعادي والتدمير البنيوي الذي ينفذه التقاء التحالف الصهيو -اميركي مع الشعوبية الجديدة وقوى التكفير الديني والتخريب المجتمعي على اضعاف عناصر المناعة الوطنية العربية وإجهاض ما استطاعت تحقيقه في تعرية المنظومات السلطوية الحاكمة لتمرير التطبيع دون القدرة على تعطيله .
إن القيادة القومية للحزب إذ تدعو الجماهير العربية المنتفضة على مساحة الوطن العربي الكبير الى تطوير برنامجها السياسي والذي على أساسه تخوض نضالها ببعده الوطني الداخلي عبر إدخال مقاومة التطبيع في صلب هذا البرناج وشعاراته فلأن معطيات الصراع الذي تخوضه الأمة إنما يتكامل ببعديه الاجتماعي والقومي.
إن هذا الترابط بين دفتي الصراع تمليه الضرورة القومية الملحة ، خاصة وأن القوى التي تدفع باتجاه التطبيع دولياً وقارياً ،وتلك المهرولة نحوه من النظام الرسمي العربي ،تسعى لاستغلال الأزمات والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بعض الأقطار العربية ، عبر ربط توفير حلول للأزمات بالسير في ركاب التطبيع ،ومثاله الصارخ مايتعرض له السودان من ضغوطات سياسية واقتصادية لأجل دفعه للتطبيع كثمنٍ مدفوعٍ مسبقاً لرفع العقوبات المفروضة اميركياً عليه ، فضلاً عن تصوير التطبيع مع العدو الصهيوني بانه لمواجهة تهديدات النظام الايراني وتمادي تغوله في العمق القومي ، علماً ان الطرفين يشكلان تهديداً وجودياً للامة والاستقواء بأحدهما في مواجهة الآخر ،كالمستجير من الرمضاء بالنار .وهذا ما يجب أن يكون واضحاً أمام جماهير الامة العربية وهي التي تتعرض لاطباق عليها من قبل هذين العدوين اللدودين وأطراف دولية واقليمية اخرى تعمل تحت سقف الاستراتيجية الاميركية لتشكيل نظام إقليمي جديد تنضوي فيه “اسرائيل” وتركيا وإيران وإثيوبيا من بوابة التأثير على الأمن المائي العربي.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ،وفي الوقت الذي تدين فيه كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني وتدعو الى مقاومته بكل الامكانات المتاحة ، توجه تحية لكل من عبر عن رفضه لهذا النهج الاستسلامي و الخياني ، وتخص الذين أطلقوا مواقف معترضة ،قوى كانوا اوكيانات أو شخصيات في دولتي الإمارات والبحرين ، وقوى الحرية والتغيير في السودان والحزب في طليعتها ،وهي التي تقاوم محاولة احد اجنحة السلطة الترويج للتطبيع بحجة تخليصه من أزمته ورفعه عن لائحة الدول الراعية للإرهاب بحسب التصنيف الأميركي .
لقد فات الذين يدفعون باتجاه التطبيع مع العدو ،بان هذا التطبيع انما ينطوي على تمكينه من النفاذ الى العمق القومي من بوابة العلاقات السياسية الدبلوماسية ، وهذا النفاذ سيمكنه من السيطرة على مفاصل الإمكانات الاقتصادية والثروات العربية وتوظيفها في خدمة الرأسمال الصهيوني انتاجاً وتسويقاً ومردوداً .ومن يعتقد ان التطبيع سيجلب الازدهار كما يروج له المطبعون ، فليروا كيف تفاقمت الأزمات الاقتصادية بكل تداعياتها الاجتماعية في الدول التي طبعت أنظمتها وكياناتها مع العدو من مصر الى الاردن وفلسطين بعد توقيع اتفاقية اوسلو.
ان العدو الصهيوني لايقدم على خطوة،الا خدمة لمصالحه ، وهو يهدف الى فتح الأسواق العربية أمام منتجاته وتحويل سوق العمل العربي الى سوق يوفر عمالة لماكينة الرأسمال الصهيوني ، وكله على حساب الاقتصاد العربي وحق المواطن العربي الانتفاع بمقدرات وثروات بلاده. وعليه فإن الازدهار العربي والانماء الاقتصادي لا يكون عبر التطبيع مع العدو الذي يمن النفس بامتصاص الخيرات العربية ، بل بالتنمية الاقتصادية العربية التي تتم عبر استراتيجية عربية واضحة تقوم على ربط الوطن العربي بشبكة مواصلات عصرية وتفتح الحدود امام تنقل الأشخاص والبضائع وتقيم
المشاريع الانتاجية برأسمال عربي تمكن من استثمار الثروات الوطنية بايدٍ عربية وتوفر فرص العمل التي تحد من البطالة وهجرة الكفاءات، وتعيد التوازن للاقتصاديات الوطنية الذي يقيها املاءات شروط صندوق النقد الدولي الذي يستولد ازمة تلو أخرى ،ويضع الدول المقترضة في دائرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها المعيشية الحادة.
إن الاخذ بخيار توفير الشروط اللازمة للتنمية العربية المستدامة التي تقارب حلول الازمات الاقتصادية من ضمن رؤية استراتيجية تقوم على مرتكزات التكامل في اقانيم الاقتصاد العربي ، يساعد على توفير قاعدة صلبة للإنماء الاقتصادي العربي ويمكنه من الوقوف في وجه الكارتلات الاقتصادية الكبرى ويحد من تأثيرات نظام العولمة المتوحش والمدمر للاقتصاديات الوطنية.
إن القيادة القومية للحزب وفي ضوء ما تتعرض له الأمة من مخاطر ،ترى أن خروج الامة من واقعها الراهن ، ودخولها رحاب التحرر من كل أشكال الاستلاب الاجتماعي والقومي ، لا يكون إلا بإعادة الاعتبار للمشروع القومي العربي الوحدوي التحرري بقواه وآلياته ومضمون خطابه السياسي وشعاراته .وعندئذٍ تكون معركة مواجهة التطبيع ووأده مكملة بسياقتها وقواها وآلياتها ونتائجها لمعركة مواجهة المنظومات السلطوية من اجل اسقاطها ،واقامة النظم السياسية الوطنية التي تطلق طاقات الجماهير وتوظف إمكاناتها وطاقاتها في خدمة الإنسان العربي، في ظل مجتمع تسوده الديموقراطية في ممارسة حياته السياسية وقواعد والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
فليتحد الجهد العربي الذي يقاوم التطبيع والمطبعون في السر والعلن ،وليتوحد الجهد الشعبي العربي في حراكه لإحداث التغيير السياسي بوسائط التعبيرات الديموقراطية.
وليبق الصوت العربي ضد التطبيع قوياً ومدوياً كما كان وما يزال الصوت الشعبي المطالب بالتغيير مدوياً في الساحات والميادين من بغداد إلى بيروت ومن الجزائر الى الخرطوم.
وليبق الموقف الفلسطيني على المستوى الشعبي والفصائل رافضاً للتطبيع ولكل اتفاقيات الذل والاستسلام. فبهذا الرفض ستحاصر وتسقط كل محاولات التطبيع والترسيم السياسي والجغرافي مع العدو الصهيوني ، و بالاستناد الى معطياته يبقى الصراع مع المشروع الصهيوني مفتوحا ومحكوماً بثابتة أنه صراع وجود وليس صراع حدود .
وليبق موقف البعث طليعياً ومتقدماً في مواجهة التطبيع والمطبعون وعاملاً على تشكيل أوسع اصطفاف شعبي وسياسي لمواجهة هذا النهج التآمري والمتخاذل .
وليع دعاة التطبيع والمروجين له ، ان حق الامة في فلسطين ،هو حق قومي غير قابل للتصرف والتنازل ، وهو حق وطني لأي من المكونات الوطنية العربية وكل تفريط بهذا الحق الذي هو ملك الأجيال على تعاقب مراحلها التاريخية هو جرم بحق الامة والانسانية ، وهذا جرم لا يسقط بالتقادم وكل من يفرط به ستحاسبه الأجيال وحسابها سيكون عسيراً.
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
في٢٠٢٠/١٠/١٢
Source : https://iraqaloroba.com/?p=1505