رجل شجاع اسمه عزة الدوري

عراق العروبة
2021-03-20T04:51:19+02:00
مقالات وآراء
2 نوفمبر 2020
رجل شجاع اسمه عزة الدوري
رجل شجاع اسمه عزة الدوري
رجل شجاع اسمه عزة الدوري
أحبه ربُ العزّة، وحماه على مدى، أكثر من سبعة عشر عاما، من الدسائس والوشايات، وأنقذه سبحانه وهو القوي والمقتدر، من عمليات المطاردة الأمريكية، وحملات الغدر الايرانية، وألهمه الصبر، على مواجهة سنوات الشدّة، وأنعش قلبه، وأنار دربه، وهو يقود حزبه، بتفان وانضباط وكتمان، ولاحظوا حتى عندما استعاد الله أمانته، فانه تبارك وتعالى، اختار يوماً مجيداً، صادف الذكرى الأولى لانتفاضة تشرين الشعبية، وختم به حياة عزة الدوري، ما أسعدك يا ابن ابراهيم، وانت تنتقل، الى جوار ربك، راضياً مرضياً.
ولانني لست من البيت البعثي، وقد عارضته، كسلطة ونظام، وانتقدت قادته ومسؤوليه، ومن ضمنهم المرحوم عزة الدوري، منذ السابع عشر من تموز 1968، وأعتز بما كتبت، ولا أتبرأ مما قلت فيه وتحدثت، حتى لا يطلع واحد ويتوهم، أنه يُذكرنّي بما فعلت، فاني أكتب اليوم، شهادة ليست مجروحة، لا رثاء للرجل، ولا عزاء لأهله ورفاقه، وهو يستحق الاثنين، ولكني أتناول بعضاً قليلاً، من سيرته ومسيرته، في مرحلة ما بعد التاسع من نيسان 2003، وهي سيرة تُحمد وطنياً وقومياً، ومسيرة فيها الكثير من العطاء والتضحية ميدانياً، وهما تصلحان لكتابة رواية، فيها عبر وبهاء وجلال.

كان أول عمل كبير يقوم به عزة الدوري، في اجتهاد ذكي، وقرار جريء، عندما غادر موقعه الرسمي والعسكري في كركوك، وكان قائداً للقاطع الشمالي، صباح العاشر من نيسان 2003، وعند وصوله والموكب المرافق له الى مفترق طريق تكريت – سامراء، توقف، وجمع أفراد حمايته، وعديد منهم من أقاربه، وشكرهم وأثنى على جهودهم، وطلب منهم، أن يذهبوا الى حيث يريدون، بعد أن أوصاهم بالحذر، ونصحهم بالحيطة، ويتركوه لمفرده مع سيارة واحدة، واعترض بعضهم، وبكى بعض آخر، ولكنه أصر على موقفه، ليس تشكيكاً بهم، ولا محبة في فراقهم، وهم الذين أمضوا سنوات في رفقته وحمايته وخدمته، غير أنه، وهنا استذكر كما هو واضح، تجربته الحزبية في الستينات، في التخفي والمناورة، واستحضر حسه الأمني، في ما يُدبر له، واستعد لمرحلة أدرك أنها ستكون عصيبة، مستشعراً خطورتها، وعارفاً انه يواجه قوة عظمى، لديها امكانيات وتقنيات كبرى، وهكذا بقي وحده في المكان، وانصرف المرافقون، حتى بعدوا، وتوكل ومضى، في طريقه، بلا رفيق أو صديق.

رجل شجاع اسمه عزة الدوري
رجل شجاع اسمه عزة الدوري
وقد صدق حدسه، عندما ألقت القوات الامريكية على جميع مرافقيه، وحققت معهم، وكانت افاداتهم واحدة، وهم لا يملكون غيرها، وحار ضباط الـ(السي آي ايه)، واستخدموا آخر ما توصلت اليه، ترسانتهم التجسسية، من أقمار صناعية، وأجهزة مراقبة، ولجأوا الى عبيدهم، واستعانوا بعملاء ايرانيين، فما نجحوا، وباءت خططهم بالفشل الذريع، وظل أبو أحمد، يتنقل ويتفقد، واثق الخطوة يمشي شامخاً، وسط مريديه ورفاقه، وكانوا نعم الرجال، في الوفاء والغيرة والايثار.
والقصص والحكايات عن تسيير دوريات، وانزالات جوية، ونصب كمائن، وتحريك فخاخ، لاصطياد الدوري، كثيرة ومتنوعة، يحتفظ بها حاضنوه، قد تروى في قابل الايام، تكشف ألمعيته، في تضليل مطارديه، وخداع ملاحقيه، وبرغم ما كان يكابد ويعاني، الا أنه لم ينس أصدقاء ومعارف، فُجعوا بمصاب، أو فقدوا أحبة، ذهب اليهم ونزل عندهم.
وقد حدثني شيخ جليل، ليس بعثياً، وكان صديقاً للدوري، منذ نصف قرن، التقيته في الشام، صيف العام 2009، أن أبا أحمد جاءه نهاراً، يقود سيارة (بيكاب) قديمة، يُعزيه في وفاة زوجته، ولم أتمالك نفسي ـ والحديث للشيخ ـ وأجهشت بالبكاء، وأنا أرى صديقي، الذي كان الثاني في تراتبية الحكم، وهو في حالة لا تسر، ولكنه تواضع وحدثني، بان الشكل والملبس والمأكل، لا قيمة لهم، في أيام المحن، انما المهم ، أن النضال يتقدم، والهمة تتصاعد، وربت على كتف الشيخ وهو يودعه، وابتسامة الرضا تطفح على وجهه.
وقد اطلعت شخصياً، على تعليق للدوري، أرسله مكتوباً، بشأن ترشح الاستاذ حسن العلوي، الى انتخابات 2010، وموقف الحزب منه، بعد سنوات القطعية والانقطاع، وكان عميقاً في مضمونه، وحافلاً بالمودة، وفيه مسحة حزن، لما جرى بين البعث والعلوي، في سنوات مضت وانقضت، وفي تلك الفترة أيضاً، وصلتني رغبة (الحجي)، كما يناديه رفاقه، حباً واحتراماً، نقلها اليّ عضو قيادة، ما زال حياً، والحمد لله، في أن أظهر، على شاشة قناة (المنصور) الفضائية، في برنامج يومي، وأتحدث فيه بحرية، وفقاً لقناعاتي الفكرية والسياسية، وتعبيراً عن آرائي ووجهات نظري، دون التقيّد بمواقف الحزب، أو الالتزام بسياساته، وقد سُررت بتلك الرغبة، وأكبرت لفتة صاحبها، وثقته بي، وهو يختارني لمهمة، وأنا غير البعثي، ومع الأسف، لم تتحقق رغبته، ولم تكتمل غبطتي، لاسباب فنية، وأخرى أمنية، تتعلق بمقر القناة، في بيروت.
ومن تابع خطب عزة الدوري، وتمعن في تصريحاته، وهو يتسلم قيادة البعث، عقب اعدام الرئيس صدام حسين، لا بد ولاحظ تلك الواقعية التي كان يتحدث بها، مع ثباته على مباديء الحزب وأهدافه، وتأكيداته على حق الشعب العراقي، في مقاومة الاحتلال الامريكي، والنفوذ الايراني، وضرورة ازالة آثارهما، وقد أعلن في أكثر من مناسبة، ان الحزب لا يطمع في حكم وسلطة، والشعب هو صاحب القرار، في اختيار ما يناسبه، في ظروف تسودها الحرية والتعددية، بعيداً عن الاستبداد والاضطهاد، بل أنه، وهذا يُحسب له، وطنياً وقومياً وتاريخياً، انتقد غزو الكويت في آب 1990، وعدّ ذلك وما ترتب عليه، كارثة على الامة، في موقف شجاع .
عزة الدوري سلاماً، وقد بذلت وضحيت، ويكفيك فخراً، انك تحديت أمريكا وايران، في وقفة عز، تُسجل لك، نم قرير العين، باسم الثغر، عزيزاً باسلاً.
 من مقالات الكاتب - عراق العروبة
Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.