في إيران الإنتخابات إنتهت قبل أن تبدأ
في إيران الإنتخابات إنتهت قبل أن تبدأ
قال طرفة:
كُلهمُ أروغ من ثعلب … ما أشبه الليلة بالبارحة
من المعروف إن الإنتخابات هي وسيلة بحد ذاتها وليس غاية، فهي الطريق الذي يوصلنا إلى مفرقين متناقضين، إما التقدم للأمام أو التراجع للخلف، إنها الحد الفاصل ما بين التوحد والتشتت، البناء أو الهدم، الحياة السعيدة أو الموت البطيء. وسنتناول أهم العوامل المؤثرة في سير العملية الانتخابية في إيران، وتقييمها في ضوء الانتخابات السابقة والعوامل الرئيسة التي أثرت فيها بشكل مباشر، سيما العامل الديني.
لا جدال في أن الإنتخابات من أبرز وجوه الأنظمة الديمقراطية في العالم، علاوة على بقية الأوجه كتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والغاية منها أن يعبر الشعب عن إرادته الحقيقية في اختيار السلطة السياسية القادرة على تحقيق أمانيه في الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية والرفاه الاجتماعي والازدهار، وتعتبر النزاهة من أبرز مقومات نجاح أية عملية انتخابية في العالم، والنزاهة تبدأ من بدء حملة الدعاية الإنتخابية لظهور نتائج الإنتخابات مرورا بفرز الأصوات و تدقيق نزاهة الشخصيات المشرفة على الانتخابات والتأكد من التقنيات، ومنع حالات التلاعب والتزوير.
لابد أن تكون الجهة المسؤولة عن إجراء الإنتخابات في قمة النزاهة والشفافية والاستقلالية والحيادية، وبعيدة كل البعد عن تأثير الأحزاب السياسية المتنافسة في المشهد. على إعتبار أنها مسؤولة مباشرة عن مسيرة البلد في المرحلة القادمة من خلال المصادقة على النتائج وتعيين الكتلة الفائزة التي تتولى مقاليد الحكم.
ما يمكن الجزم به عند الرجوع الى أدبيات الأحزاب الإسلامية، أنها تعارض الديمقراطية، بكل أشكالها، ولا تعترف بها مطلقا، وعندما تتحدث عنها وتروج لأهميتها، فمن أجل إسقاط فرض على إعتبار أنها تواكب تطورات العصر لا أكثر، فالقول شيء والفعل شيء آخر، بل نقيضه تماما. بالضبط كما قال شاعرنا الكبير معروف الرصافي”
لا يخدَعنْك هِتاف القوم بالوطن فالقوم في السر غير القوم في العَلَن
لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به رميًا إلى الشر أو قصدًا إلى الفتن
عند إجراء إنتخابات في دول تحكمها أحزاب إسلامية كإيران والعراق ولبنان، فأنت تتحدث عن أكذوبة، تصدقها الأنظمة ويكذبها الشعب، فالديمقراطية تصنع التطور والتحضر والثقافة والازدهار، وليس التخلف والجهل والفقر، ولو نظر المرء بعدالة، بعيدا عن الميول السياسية والطائفية الى الواقع السياسي والإقتصادي والثقافي لهذه الدول الثلاث لأدرك على الفور انها الأبعد عن النهج الديمقراطي، وأنه لا يوجد فهم ولا توجه حقيقي للديمقراطية، الوجه الحقيقي لها ديكتاتوري، ولكنه يتنكر بقناع ديمقراطي.
الإنتخابات الإيرانية محسومة قبل أن تبدأ
إيران كما هو معروف الدولة الراعية الأولى للإرهاب في العالم، ولم يعد هذا سرا، فالعالم صار على بينة بأن هذا النظام هو السبب الرئيس في الإخلال بالأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وأنه يدعم جميع التنظيمات الإرهابية الشيعية كالمليشيات الولائية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول الخليج العربي، والسنية كتنظيم القاعدة وداعش الإرهابيين. الحقيقة أن كل النكبات التي تعرضت لها دول المنطقة والتي نزلت على رأسها كالصاعقة تزامنت مع نزول الخميني من الطائرة الفرنسية وعودته الى ايران بدعم من دول الاستكبار العالمي، و تسلمه دفة الحكم في إيران.
لذا فالإرهاب والديمقراطية على وجهي نقيض، ولا يمكن أن يتعايشا تحت أي سقف وظرف ومسمى.
عندما تستمع الى تهريج ذيول ايران من العرب وزعيمهم عبد الباري عطوان، والقنوات الفضائية العربية العائدة الى الحرس الثوري أو المرتبطة به، حول العرس الإنتخابي الأيراني والتطبيل المهول للإنتخابات الرئاسية القادمة، وما تمثله من قيم ديمقراطية يخيل لك ان هؤلاء هم الإيرانيون الحقيقيون، والإيرانيون داخل إيران شعب آخر لا علاقة له بإيران الخامنئي.
ولكي يكون الحكم عادلا حول الإنتخابات الرئاسية القادمة، سنترك المعارضة الإيرانية على إعتبار أن موقفها واضح من الإنتخابات القادمة، ونستعرض رأي محمد أبطحي نائب الرئيس الإيراني خاتمي، فقد صرح في لقاء تلفازي” في كل الإنتخابات كان الشعب الايراني حاضرا في الاقتراع، وكان يفترض فوز الإصلاحيين فيها، والمشكلة لا تتعلق بأن الشعب الإيراني غير رأيه، الشعب الإيراني لم يغير رأيه، لكنه يائس من المستقبل. نحن موجودون في الإنتخابات، لكن لم يبق لنا مرشح رسمي إصلاحي فقد رشحنا (9) مرشحين وتم رفضهم جميعا من قبل مجلس صيانة الدستور”.
وقال ايضا حول مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات” ان الانتخابات حسمت لصالح مرشح المرشد الأعلى”؟ يقصد المرشح المحافظ ابراهيم رئيسي.
وعلق المرشد الأعلى الخامنئي” ان مجلس صيانة الدستور، وفقا لواجباته، نفذ ما يجب عليه فعله، وما يراه ضروريا، وحدد أسماء المرشحين”.
وأغرب من هذا أنه عارض قوله بوقاحة” إن بعض المرشحين تم استبعادهم من الانتخابات (مثل علي لاريجاني ومحمود احمدي نجاد)، وقع عليهم ظلم، كما أسيء إليهم عبر أجهزة التواصل الاجتماعي بشكل مجحف، وادعوا المسؤولين إلى رد اعتبارهم”.
مع انه هو الذي إستبعدهم من الانتخابات وطعن بهم! باعتباره المسؤول المباشر عن مجلس صيانة الدستور، وهو من يعين أعضائه. الناخبون هم المحور الرئيسي في إضفاء الشرعية على البرلمان من خلال إختيار ممثليهم وفق رؤيتهم الواقعية ومواصفات المواطنة الصميمية. فكما أنهم يفرشون بساط الشرعية للسلطة الحاكمة فأن بإمكانهم سحب هذا البساط من تحتهم في حال عدم التزامهم ببرامجهم المعلنة. لكن المرشد الأعلى حصر الناخبين في الزاوية التي يرغب بها هو، وليس الشعب الايراني البعيد كل البعد عن توجهات المرشد، وهذا ما شهدناه في الانتفاضات الشعبية التي طالت معظم المدن الإيرانية و جوبهت بالقمع.
الشعب الإيراني كما هو متوقع سيعزف عن الإنتخابات، وستجري عمليات التزوير من قبل النظام على قدم وساق، كما هو الأمر عليه في الإنتخابات العراقية والسورية، إنها مهازل ديمقراطية لا أكثر.
هذه هي حقيقة الانتخابات القادمة في ايران بدون الرتوش التي تستخدمها ذيول ايران في المنطقة. فلا تطنطنوا كالذباب و تزعجونا، فمضرب الذباب بيد أبطحي.
الحقيقة أن الانتخابات هي عملية سياسية بحتة لا علاقة لها بالدين، وهناك فرق بين حرية الإختيار، وفرض الخيار على الشعب أو تضييقه ضمن رؤية المرشد الأعلى فقط، إنها الدكتاتورية بعينها.
الشعب الإيراني سوف لا ينتخب خليفة للمسلمين بل حاكما سياسيا، وإذا تدخل رجال الدين فيها فأنهم آجلا أم آجلا سينحرفوا عن بوصلة الديمقراطية. وتدخل رجال الدين في الإنتخابات إن أدى إلى خير فهم لا يشكروا عليه، وأن أدى إلى شر سيلامون عليه، فعلام التدخل إذن؟
الإنتخابات أمر دنيوي يتعلق بتعاليم أرضية متمثلة بالدستور والقيم الديمقراطية، وليس تعاليم سماوية، وإن ادخال الشعارات الدينية في الدعايات الانتخابية، أو تدخل كبار رجال الدين في الإنتخابات يفني الغرض منها، ويمثل استغلالا بشعا ورخيصا لأسمى عامل في الوجود، ويعكس قلة الوعي بنواميس التأريخ البشري وتجارب الأمم المتقدمة.
في إيران الإنتخابات إنتهت قبل أن تبدأ
Source : https://iraqaloroba.com/?p=9596