كيف ستتعامل الدول الفقيرة مع التغيّر المناخي؟
كيف ستتعامل الدول الفقيرة مع التغيّر المناخي؟
اختتمت قمة غلاسكو التي حضرها ممثلو أكثر من مائتي دولة، ووصفتها الناشطة المناخية “جريتا ثونبرج” بـ”قمة الثرثرة “. لقد اتفقت الحكومات على اتفاقية مناخية ضعيفة تمنح العالم منحة هزيلة هي الحفاظ على درجات الحرارة مرتفعة بمقدار 1.5 درجة مئوية، أما في ما يتعلق بجميع التعهدات المهمة بالتخلص التدريجي من الفحم وتقليل الدعم للوقود الحفري وحماية الغابات فقد فشل مؤتمر جلاسكو. وبالرغم من الوعود التي خرجت، إلا أنّ القمة أخفقت، وكان من المؤمل أن تصدر تعهدا بتصفير انبعاث الكربون حتى عام 2050 إلا أنها لم تعطِ هذا الوعد، واكتفت بأن العالم يمكن أن يصل إلى حيادية انبعاث الكربون حتى منتصف القرن الحالي، واختتمت قمة جلاسجو اجتماعاتها وأصدرت توصياتها بالتقليل من انبعاثات مادة الكربون ومواد أخرى تسهم في زيادة الاحتباس الحراري..
ويعتقد العديد من المطلعين أن قمة “غلاسكو” للمناخ لم تصل إلى هدفها المتمثل في الحصول على التزامات قوية من الدول بما يكفي لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بنسبة 45 بالمائة بحلول عام 2030. فالقمة لم تحدد شروط الالتزام، وتم ترحيل كل الملفات إلى الجولة التالية من محادثات المناخ في تشرين الثاني 2022 في شرم الشيخ في مصر مع التزامات أقوى لوضع العالم على المسار الصحيح من أجل 1.5 درجة مئوية، وحتى القمة القادمة، فإن البلدان ذات الانبعاثات العالية والتي تعتمد بشكل كبير على الفحم ستحظى باهتمام دولي في الأشهر المقبلة، ليس فقط للتخفيض التدريجي من الفحم، ولكن لتمويل الانتقال العادل إلى المصادر الخضراء للطاقة والبنية التحتية اللازمة للكهرباء.
وهذا يعني أن العالم لن يكون على مسار سلس للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. فالتعهدات المتواترة بالتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة كانت عنوانا لكافة مؤتمرات المناخ حتى كانت هذه التعهدات حاضرة في الأسبوع الأول من مؤتمر الأطراف حول المناخ “كوب 26″، باعتبار أن هذه الغازات تعد مسؤولة بشكل كبير عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وتهديد الأنظمة البيئية… إلا أن التساؤل غير المطروح في كل مؤتمر مناخي: هل هذه التعهدات قابلة للتنفيذ؟ وما يؤشر على عدم قابلية هذه التعهدات للتنفيذ هو الانعقاد الدوري لمؤتمرات المناخ التابعة للأمم المتحدة سنويا منذ عام 1995 ـ باستثناء عام 2020 بسبب تفشي الجائحة ـ وفي كل مؤتمر تتشابه البيانات الختامية دون تقدم يذكر، ما حدا المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة “انجر أندرسن” إلى التصريح بأنها غير مقتنعة بأن “الحرب” ضد الاحترار المناخي ستنتهي قريباً، مؤكدة في مقابلة صحفية في جلاسجو على هامش انعقاد مؤتمر المناخ “أصبحنا في مؤتمر (كوب 26) أي مضى أكثر من ربع قرن على هذا الكلام ولا نزال نتكلّم”.
والخطير في الأمر، أن هناك مؤشرات أعلنتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقرير للمنظمة التابعة للأمم المتحدة، بعنوان “الوضع العالمي للمناخ 2021″، والذي تم عرضه في اليوم الأول من مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ (كوب 26)، وفيها أن السنوات السبع المُمتدة بين 2015 و2021 هي أكثر الأعوام حرًّا منذ العام 1850، مُعتبرة أن المناخ العالمي “دخل حيز المجهول” وهنا مكمن الخطر. ووفقًا للتقرير فإن زيادة حرارة المناخ بالمتوسط على سطح الأرض، وخلال الفترة بين كانون الثاني/يناير – أيلول/سبتمبر 2021، بلغت 1.09 درجة، مقارنة بالفترة بين عامي 1850 – 1900. وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 ارتفع متوسط الحرارة حوالي 1.09 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية، مع ارتفاع درجة الحرارة بما يزيد قليلًا عن درجة مئوية واحدة منذ الثورة الصناعية، لذلك تتعرض الأرض وسطحها لموجات حر أكثر شدة من أي وقتٍ مضى، وفيضانات وعواصف استوائية تتسبب في ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات…
لقد سُجّلت قمة غلاسكو خيبة أمل كبيرة بشأن ملف ساخن آخر مطروح، ويتعلّق بالمساعدات إلى الدول الفقيرة على صعيد المناخ، حيث أن تداعيات الأزمة المناخية تتفاقم مع موجات جفاف وقيظ مميتة وحرائق ضخمة وفيضانات… وغالباً ما تقف الدول الفقيرة في الصفوف الأمامية في مواجهة هذه الكوارث. وهنا يحضر السؤال التالي: كيف ستتعامل الدول الفقيرة مع مسألة التغير المناخي؟ إن الدول النامية هي التي تتحمّل العبء الأكبر، حيث يُعاني العمال الزراعيون أكثر من غيرهم. في بعض الأحيان، تجعل الحرارة العالية من المستحيل العمل. خلال العام 2020، فقدت الهند وبنغلاديش وباكستان أكثر من 200 ساعة عمل لكلّ شخصٍ عاملٍ بسبب ارتفاع درجة الحرارة. وهذا يعادل أكثر من خمسة أسابيع عمل مدة كل منها 40 ساعة لكل عامل. وبالتالي، تؤدي الحرارة إلى تفاقم الفقر، ما يؤدي بدوره إلى نتائج صحية سيّئة. وإلى جانب الآثار الجسدية، فإن الحرارة المرتفعة تؤدي إلى خسائر فادحة في الصحة العقلية، الأمر الذي يشجع على التفكير في الانتحار وأشكال أخرى من المعاناة النفسية. ووفقًا للأمم المتحدة ستحتاج البلدان الفقيرة إلى ما يصل إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030 للتكيف مع المناخ وحده، هذا بصرف النظر عن الخسائر الاقتصادية المحتملة من فشل المحاصيل أو الكوارث المرتبطة بالمناخ.
لقد تناولت ميشيل شاليت مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الموضوع من زاوية المتطلبات المالية العاجلة داعية إلى تقديم مساعدات مالية على هيئة منح أو قروض ميسرة إلى الدول التي تفتقر إلى مشاريع للتنمية المستدامة القادرة على وقف التدهور البيئي، ويرتصف مع هذا التحدي تحد آخر يتعلق بالسلوك البشري على الصعيد الشخصي المفرد، أو في إطار مجموعات سكانية أو شركات تنظر إلى الضغوط المناخية بالمزيد من عدم المبالاة والاستخفاف والتهاون وتلك معضلة باتت مزمنة تستدعي تغيراً جوهريّاً في القناعات والالتزامات، ولذلك تتجه الأنظار إلى فرض ضريبة تلويث على الشركات العملاقة العابرة للقارات، وكذلك على الأسر والأفراد الذين يخلفون نفايات منزلية ومكتبية تتجاوز المعدلات الطبيعية. الحال أيضاً، هناك الكثير من المقترحات لإعادة ضبط مسار الأولويات البيئية لدى الناس، وهذا خط شروع أساسي لمواجهة الإفلاس البيئي، إلا أن المشكلة تكمن بضعف القدرة على المواظبة الإجرائية.
للأسف المأسوف على شبابه، أنه لا يكفي أن تعلن أسفك على ما يجري من تدهور بيئي، بل عليك أن تكون طرفًا تضامنيًّا عالميًّا مستعدًّا للانخراط في هذا النوع من المواجهة المصيرية. لقد كشف التباين في الأخلاقيات الدولية إزاء جائحة كورونا كم هو حجم الابتعاد عن مفهوم المصير المشترك إزاء الوباء، فقد تبين أن سبعين بالمائة من سكان الدول الثرية صناعيًّا قد أخذوا اللقاحات حمايةً من الجائحة، بينما لا تتعدى النسبة واحدًا ونصفًا بالمائة في أغلب الدول النامية. ليس الوقت مناسبًا للتعاطي بالتاريخ وإعداد لائحة اتهام دامغة، ولكن على الأقل أن تتم قراءة تطبيقية منصفة لاتفاقية باريس للمناخ، بل الأسبق أن تتم قراءة أمينة لوثيقة مصيرنا المشترك الصادرة عام 1987، وعلى الأقل أيضًا، فحص الكفاءة الدولية لقياس مدى فرص الأخذ بقرار قمة العشرين التي انعقدت في روما وعبرت فيه عن الالتزام بتخفيض الاحترار المناخي إلى 5/1، عندها فقط يمكن تفادي الانهيار البيئي.
وعلى كل حال فإننا في الوطن العربي نشهد مشاكل بيئية نشأت من خلال الطبيعة أو من خلال مسببات أخرى وتضخمت، ولم نتحرك بشكل فعلي للتخلص من تلك المسببات أو العمل الجاد في إيجاد الحلول المناسبة للتمكن من تجاوزها، والأهم عدم تطبيق القوانين والمبادئ البيئية في أغلب أقطارنا العربية، وهذا أيضا سيضاف إلى عوامل الاحتباس الحراري. وعليه، فإنني أرى من المهم جدا أن يتم مساندة أي مشروع للتخلص من انبعاثات الغازات التي تزيد من التلوث البيئي في العالم مثل الكربون والميثان، وكذلك الإسراع بعقد قمة عربية أو شرق أوسطية تضم الوطن العربي والدول الإقليمية بإشراف الأمم المتحدة للتباحث في إمكانية الحد من العناصر التي تتسبب في زيادة الاحتباس الحراري في الشرق الأوسط على الأقل وتبني برنامج “توعية” شامل، وانبثاق لجان من هذا المؤتمر لمراقبة الدول الأكثر (جهلا) في تطبيق مبادئ القوانين البيئية ومساعدتها على النهوض بالواقع البيئي داخلها.
خلاصة الكلام: إن ما تمخّض عن قمة المناخ من تشخيصات وتحذيرات وتوصيات، وإن كانت لا تمثل الطموح الذي سبق الإعداد للمؤتمر، لكنه بالحد الأدنى اعتراف لأول مرة بوجود مشكلة بيئية مستعصية والاستغراق في الإجابة عن أسئلة في كيفية مواجهة الاحترار المناخي، وأن لا بديل من التشارك في تلك المهمة، وكذلك في التصدي لسلالات جديدة من “كوفيد19” قد تفتك أكثر. ليس هناك من دولة أو منطقة أو حتى شبر من كوكب الأرض سيكون في منأى عن أخطار الاحتباس الحراري الذي وصل إلى عتبة الكوارث الكبرى التي لا علاج لها، وتنذر بعدم إمكانية إنقاذ كوكب الأرض. وليس من مسوغ بعد الكوارث التي حصلت والفواجع التي ألمت بالناس جراء الحرائق والسيول والأعاصير بعدم الالتزام بخفض الانبعاثات الكربونية خلال أقصر مدة ممكنة وعلى الدول الغنية تقع مسؤولية كبرى ليس بالالتزام بالخفض فقط، وإنما بمساعدة الدول الفقيرة للمساهمة في هذه المعركة المصيرية عن طريق تعويضها بتبديل مصانعها القديمة وهي أصلاً من مخلفات الدول الصناعية وتحولها لاعتماد الطاقات المتجددة لكي تكتمل هذه العملية التي تهم البشرية جمعاء.
كيف ستتعامل الدول الفقيرة مع التغيّر المناخي؟
Source : https://iraqaloroba.com/?p=11819