لا أمن ولا استقرار في ديالى والمليشيات تحكم!
لا أمن ولا استقرار في ديالى والمليشيات تحكم!
أدمى العيون أسىً، وملأ القلوب حزناً، ذلك المقطع الفيديوي الذي انتشر للرجل الأعزل، في قرية نهر الإمام، وهو يتلقى طعنات القامات الحادة، في حوش منزله البسيط، تنهال على رأسه ورقبته وصدره، على يدي شابين موتورين، واضح أنهما لا يملكان شرفاً، ولا يعرفان ناموساً لوحشيتهما في ارتكاب جريمتهما، وسط توسلات زوجته وأطفاله، وأقرب فصيلة يُمكن إلحاقهما بها، هي الكلاب السائبة في خستها ووضاعتها.
وعندما تتحول المليشيات الولائية الإيرانية إلى سلطة تحكم وتتحكم في محافظة ديالى، وأكثر عناصرها من العبيد (جمع عبد) وخدام بيوت المسؤولين والقياديين البعثيين السابقين، ومرافقيهم وسائقيهم، فأن عقدة النقص تبقى ترافقهم، ومرض (الدونية) يحدد مسارهم، فماذا ترتجي من هذه الفئات الرثة، في السلوك والتصرفات، غير التسلط على الناس الخيرّين واغتيالهم، والسطو على أموالهم وممتلكاتهم، والاعتداء على حرماتهم، تنفيساً عن ماض عائلي أسود، وبيئة اجتماعية منخورة، وهذا هو، على وجه الدقة، ما يجري في ديالى، منذ احتلال المليشيات لها والتحكم في مفاصلها، واسألوا عن تاريخ محافظها الحالي، مثنى التميمي، كيف كان يقود عجلة (بيكاب) ويساوم البقالين والقصابين في بعقوبة، لشراء الخضر واللحوم، وطبخها في مقر فرع الحزب، غداءً شهياً للرفاق، أو عشاء للخافرين منهم، في حين نجده، اليوم، منتفخ الخدين، وعالي الكتفين، يصحبه موكب من السيارات والآليات المسلحة، وحشد من المرافقين والحمايات والخدم والحشم، وبعد هذا وذاك كله، تريدون منه، أن يكون نزيهاً ومنصفاً ومتواضعاً، والأمر نفسه ينطبق على كثير من المسؤولين في المحافظة، ورؤساء الوحدات الإدارية، وضباط الأجهزة الأمنية.
ومما فاقم سطوة الصغار وصلافة تعاملهم مع الكبار، أنهم من أقلية مذهبية، استغل قادة المليشيات الطائفية، بعضاً من أبنائها، وزرعوا الكراهية والأحقاد في نفوس أفرادها، على الأكثرية من سكان المحافظة، برغم أن عدداً كبيراً من شيوخ الأقلية الشيعية ووجهائها في ديالى، وخصوصاً من (التمايمة)، حظوا برعاية متميزة من النظام السابق، وحصل أبناؤهم وأقاربهم على مراكز متميزة في الجيش والاستخبارات والأمن والمخابرات، ونال رجال الأعمال منهم، تسهيلات وامتيازات، حتى أن أحدهم في ناحية الوجيهية، كان يصطف أمام قصره الفخم، ليلة الخميس من كل اسبوع، صف طويل من سيارات المسؤولين والقياديين البعثيين، يولم لهم، ويعتني بهم، وهم لم يُقصروا، بالطبع معه، وقال لي محافظ سابق عمل في المحافظة في تسعينيات القرن الماضي، التقيته في سوريا، قبل سنوات، إن كتاباً رسمياً ورد إليه من ديوان رئاسة الجمهورية، يوصيه أن يهتم به، وإحالة ما يتوفر من مناقصات وأعمال إليه، والمفارقة أن هذا (المقاول) الكبير، رفع، هو واخوانه وأبناؤه، شعار المظلومية، عقب الاحتلال، وصار أحدهم محافظاً، وهو، في الأصل، محام متواضع، كان اختصاصه استدراج المطلقات والأرامل (الشابات)، بحجة التوكل عنهن، واسترداد حقوقهن.
وهنا لابد من التذكير، أن كثيراً من شيعة ديالى، رفضوا بإصرار، دعوات الأحزاب الشيعية، لضمهم إلى صفوفها، واستنكفوا الانخراط في مليشياتها، برغم تعرضهم إلى ضغوط وتهديدات، وقال لي صديق، هو أستاذ جامعي تميمي: كيف أسمح لنفسي التعاون معهم، وهم ما زالوا يعيرون قبيلة بني تميم، ويتهكمون عليها بـ(المزاح) المغلف بالجدية، لأن الداعية السعودي محمد بن عبدالوهاب، وهو تميمي نجدي، أسس المدرسة الفقهية (الوهابية).
ويخطيء رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، عندما يُقيل قائد شرطة المحافظة، بتهمة التقصير في أداء واجباته، وهو يدرك أن الرجل، وهذا ليس دفاعاً عنه، مكتوف اليدين وغير قادر على نقل شرطي من مخفر إلى آخر، لأن المليشيات هي التي تأمر وتنهى في المحافظة، تستقوي بالمحافظ المسنود من هادي العامري، الذي تؤكد جميع الوقائع وتقارير وزارتي الداخلية والدفاع وجهاز المخابرات، أن شراكة تجارية ومالية تجمع بين الاثنين، وآخر استثمار لهما، مصادرة مقبرة سنية في بعقوبة، لتحويلها إلى (مول) تجاري.
إن الحل الوحيد الذي يضمن لديالى الأمن والاستقرار، وعيش أهلها بكرامة، هو اتخاذ خطوات سريعة، بدمج فصائل الحشد، بالقوات المسلحة، كما ينص القانون الخاص بها، مع ملاحقة كل منتسب إليها ارتكب جريمة أو مارس انتهاكاً، وهناك لائحة معززة بالأسماء والعناوين والصور والشهادات، وتقارير الاستخبارات والمخابرات، تضم عدداً من قيادات الحشد، تورطت في عمليات قتل وسلب وتهجير، والا فأن الأوضاع مستقبلاً ستكون أسوأ كثيراً.
من يستطيع إيقاف طفل أو صبي أو شاب، بعد سنة أو سنتين، من تفجير نفسه ضد قاتل أبيه أو أمه، أو أخوته الأكبر منه، أو خاله أو عمه، ذُبحوا وسط بيوتهم، والقتلة معروفون بالشكل والمهنة والانتماء العشائري، يسرحون في هذه القرية أو يمرحون في تلك البلدة؟.
من يقدر على تهدئة امرأة، غداً أو بعد غد، ويمنع تحولها إلى مفخخة، بأي شكل من الأشكال، وهي التي رأت بأم عينيها، فلان الفلاني، يقتل زوجها، ويُيتم أطفالها، ويسطو على بيتها، ويهجرها مع عيالها؟، والدم في مثل هذه الحالات يُنتج دماً، ربما أكثر.
ومرة أخرى، لن تهدأ ديالى، والمليشيات الشيعية تسيطر عليها، وفي كثير من الحالات التي تشهد المحافظة هدوءً نسبياً، تتواطأ مع خلايا داعش، وتنسق معها، في الهجوم على هذا المكان، أو ذاك المقر، ثم تتدخل تلك المليشيات، وتصفي حساباتها، مع مواطنين أبرياء وآمنين، والأدلة والحيثيات، محفوظة في الاستخبارات والمخابرات، ولكن في (القاصات)!.
لا أمن ولا استقرار في ديالى والمليشيات تحكم!
Source : https://iraqaloroba.com/?p=11442