من قتلني!
من قتلني!
في الخامس والعشرين من شهر أيار كانت بغداد وغيرها من المحافظات على موعد متجدد مع التظاهرات السلمية التي تطالب بأسقاط النظام والعملية السياسية، اذ وصل الالاف من الشباب في مقدمتهم النساء الى العاصمة من تسع محافظات جنوبية والتحق بهم جموع من المحافظات الشمالية ومن المنطقة الغربية، توزعوا على عدة ساحات كبرى لكي تكون الاحتجاجات في أكثر من مكان ولا يتم التجمع فقط في ساحة التحرير القريبة من المنطقة الخضراء، رافعين لافتات كتب عليها من قتلني! هذه الجملة هي ليست سؤالا تم رفعه من المتظاهرين بل هي صرخة مدوية خرجت من احشاء الغضب الذي عم المحافظات الجنوبية بعد اغتيال الناشط ومنسق احتجاجات كربلاء الشهيد اياد الوزني يرسلها العراقيون لحكومة المنطقة الخضراء ولمصطفى الكاظمي رئيس الوزراء لكي يعتقل القتلة والمجرمين المتسيبين من المليشيات التابعة لإيران وحرسها والتي تعبث في كل شبر من العراق قتلا واغتيالا وتدميرا وفسادا. فقد صرحت والدة الشهيد الوزني عبر القنوات التلفزيونية ان المدعو “قاسم مصلح” أحد قيادات الحشد الشعبي المعروفة جرائمه الكثيرة والعلنية من قبل أهالي مدينة كربلاء وممن له حظوة كبيرة لدى القيادات الولائية وممثلي الحوزة الدينية قد قال لأبنها قبل يوم واحد من اغتياله انه سيقتله ولو بقي من عمره يوما واحدا.
فمن قتلني؟
كان مشهد التظاهرات مهيبا ومؤثرا لا يقل جمالا وتألقا إنسانيا عن مثله في الأول من تشرين عام 2019 فقد فاجئنا الشباب بوحدة الصف وذكاء فرز المندسين والتنسيق واستراتيجية التعاطي مع كل ما حشده رئيس الوزراء الذي تفوق على سلفه المقال عادل عبد المهدي صاحب تعبير “الطرف الثالث” باستخدامه الجيش وكافة صنوف القوات الأمنية لقمع المتظاهرين وقتلهم ليس فقط بالرصاص الحي بل ملاحقتهم في مناطق واسعة من بغداد وفي الشوارع المحاذية للساحات بالرصاص تارة وبالسكاكين تارة أخرى. لقد نفذت القوات الأمنية المتواجدة في ساحة التحرير تعليمات رئيس الوزراء مقترفة بذلك مجزرة جديدة بحق الشباب المتظاهر سلميا قتلت فيها سبعة شباب وأصابت عشرات بجروح لم يسلموا بل تمت ملاحقة بعضهم الى المستشفيات!
مرة أخرى يشاهد العراقيين أداء مزدوج لرئيس حكومة المنطقة الخضراء إذ وفي تغريدة له كتب : ” دعمنا حرية التظاهر السلمي في العراق واصدرنا أوامر مشددة بحماية التظاهرات وضبط النفس ومنع استخدام الرصاص الحي لأي سبب كان”. لكن ما ظهر في ساحة التحرير وبقية الساحات التي توزع عليها المتظاهرون لتجنب فقدان الأرواح بينهم ان رئيس الوزراء وكل قواته الأمنية قد بيتوا القتل والقمع والرصاص للمتظاهرين من الشباب والنساء وحتى المسنين الذين جاءوا لدعم أبنائهم وبناتهم واعتدوا على بعض الأمهات المرافقات لأبنائهن؛ فمنذ الصباح الباكر بدأ وصول الالاف المتظاهرين وكانت الساحات مسورة بقوات الجيش وآلته العسكرية التي بقيت بعيدة عن جرائم القتل مؤقتا بأمر من المغتال قاسم سليماني الذي جردها منذ بداية الثورة من أسلحتها لكي تنفذ ميليشياته “بطولات القتل والاغتيال والاختطاف والتعذيب بشكل حصري” وأيضا لعزل الجيش عن مساندة الشعب ، لكن ومع هبوط الليل انسحب الجيش ليترك مهمة القمع الوحشي واطلاق الرصاص الحي والاعتداء بالسلاح الأبيض لقوات مكافحة الشغب التي تستعمل للمرة الأولى بحسب الشباب السكاكين لإرعاب وإرهاب المشاركين في التظاهرات. فهل من المعقول أن تتمرد كل هذه القوات الأمنية وقادتها على أوامر القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء وتتخذ قرار قمع التظاهرات وقتل المتظاهرين بصورة فردية وعشوائية؟ وإذا صح ان قادة القوات الأمنية قد تصرفوا بشكل شخصي فلماذا لا تتم محاكمتهم عسكريا بتهمة عدم تنفيذ الأوامر كما هو متعارف عليه في العرف العسكري بدل من قيام الكاظمي بتشكيل لجنة للتحقيق بما حدث؟ اما هذه اللجنة التي شكلت “بسرعة غير عادية ” فهي أيضا لجنة غريبة لأنها تتكون من عدة أطراف من ضمنها ممثلين عن الميليشيات الولائية التي لا تهدد فقط وتصرخ بوجه الكاظمي وتستهزأ به برسائل وخطابات ، بل توجه له الكلام صراحة بأن لا مكان له كرئيس وزراء وان قرار ذلك يعود لهم لا غير. هذا هادي العامري رئيس ما يسمى بزعيم تحالف الفتح يرفع الصوت ليحذر مصطفى الكاظمي من ” محاولات الالتفاف على القضاء ” معتبرا أن عملية اعتقال “المجرم” قاسم مصلح هو محاولة لكسر هيبة الحشد”. ليس ذلك فحسب بل ان العامري يذهب أبعد في تعنيف رئيس الوزراء ويتهمه بعدم احترامه للقانون وللدستور وتنفيذ اعتقالات بدون مذكرات قبض وقيامه بعمليات تعذيب تعيد العراق الى الدكتاتورية! فوق كل هذا وذاك، تأتي الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة جينين هينيس بلاسخارت لتضع لمساتها الأخيرة على أداء حكومة المنطقة الخضراء والميليشيات الولائية وتعبر عن “قلقها” قائلة في حديث لإحدى القنوات ” أن قيام أي جهة مسلحة “مجهولة” )ما يعني طرف ثالث ( باستهداف المواطنين او الأجانب هو امر ينبغي التفكير فيه جيدا” معتبرة ان ذلك “يدفع بالبلاد الى الهاوية ويقوض الدولة “، فهل يستوي تعبير الجهات المسلحة “المجهولة” مع تقويض الدولة منها مثلا؟ من هو الذي يقوض الدولة عندما يتم اعتقال مجرم مثل المدعو قاسم مصلح بتهمة أربعة إرهاب ، عقوبتها الإعدام او المؤبد، وتستنفر الرئاسات الثلاثة للتشاور بينها للتوصل الى تسوية “تحفظ ماء وجه” ما يسمى “بالدولة” أمام الحرس الولائي والفقيه الإيراني بينما مئات الاف العراقيين الأبرياء اقتيدوا للمشانق أو ما يزالون يقبعون في السجون من غير محاكمات ولا توجيه اتهام دون ان يرف رمش واحد للرئاسات عن أوضاع المواطنين المظلومين في سجون عمليتهم السياسية الإرهابية التي انقضت على العراق ودولته لتمزقه وتنهي وجوده؟
حكومة الخضراء ومن ورائها الاحتلال الأمريكي الأطلسي الإيراني هو من فكك الدولة وهو من اغتال العراق وابنائه وكل رموزه الوطنية، هو من يديم الفوضى والميليشيات والفساد لإنهاء العراق ودولته وتهجير شعبه وقتل المزيد والمزيد من أبنائه يوما بعد آخر لأن خطط التدمير جارية لم تتوقف بعد وما يزال هناك خطط ترسم وتنفذ و أجندات تحت التنفيذ مستمرة من أجل هذا الهدف.
تظاهرات الخامس والعشرين من أيار هي تجدد لملحمة تشرين، من جديد يكتبها شباب العراق بدمه وعرقه وروحه، يرافقه شعبنا بكل فئاته، درعا وحضنا، فاتحا أبوابه للعطشان منهم وللملاحق والجريح والمطلوب بأوامر من رئيس الوزراء والميليشيات الطائفية، ليثبتوا انهم عراق المعدن الأصيل بشموخه وابائه وكرامته، هم من يريد الدولة والنظام والقانون والمواطنة والعدالة والكرامة والسيادة، هم الثورة وامل تحرير العراق وأفق المستقبل الذي يطمح إليه كل الشعب العراقي من شماله الى جنوبه ومعه كل احرار العالم.
من قتلني! – ولاء سعيد السامرائي
Source : https://iraqaloroba.com/?p=9233