الكولونيالية ،،، وتذويب الهوية البدوية !!
الكولونيالية ،،، وتذويب الهوية البدوية !!
اليوم ندق ناقوس الخطرعلى شعوبنا سببه العنصريه التي كسرت بوحشيتها كل حاجز محظور و ما زالت تدفع الشعوب ثمنها القرابين، فقد لا يستوعب عقلك ان تعيش بفرنسا في ظل استبداد كما لو كنت في فلسطين بعدما اصبحت فصول المعاناه والاضطهاد ضد بعض الاقليات التي تمارس في تلك الدول لا تختلف في جوهرها عن تلك التي تمارس بإمضاء من اسرائيل، عنصرية مسّت الوجدان العالمي وأصابته بالصميم ولكن على ما يبدو لم تعد تحرك فيهم شعرة او وخزة من ضمير وقد ربض الصمت بقلاعه وحصونه على صدورهم، حتى باتوا ينظرون الى الفلسطينين بعيون اسرائيل حيال نكبة جديدة وتهجير تطوف المدن الفلسطينيه بلا استثناء واضحه وضوح الشمس في الآفاق تستهدف القرى و التجمعات البدويه الرعويه على وجه الخصوص ، هي حلقة جديدة من سلسلة حلقات تهجير وممارسات عنصرية تتحرك ضمن ايقاع موزون، لا يرى العالم فيها ما يستدعي التحرك او حتى لفت الانتباه.
فحقوق الانسان” ديكور الديمقراطية الجميل” التي ترفعها الامم المتحده وتشن بذريعتها الحروب قد سقطت اليوم تماماً في فلسطين، فأساليب البطش والتهجير الممنهجه، اظهرت عنصرية الاحتلال بوضوح بدءاً من المنطلقات الفكرية والدينية مروراً بالممارسات الوحشية وانتهاءً بالقوانين التي تمت مصادقتها وشرعنتها من قبل الكنيست الاسرائيلي والتي تخدم حصرياً سيطرة الاغلبية اليهودية وهيمنتها في اسرائيل على حساب الفلسطينين.
فاسرائيل طوال سنوات وعلى مر العقود ما زالت تحفر في جرح دامي وحق يأبى النسيان، عمره سبعون عاماً لم يلتئم بعد، ليعاود النزف من جديد، فبصمت وحذر شديد تدير اسرائيل خططها بالتهويد والتهجير، متجافيه قولاً وعملاً القوانين الدوليه لحقوق الانسان التي صادقت عليها والتي بموجبها يحظر التمييز العرقي والاثني ويدين الفصل العنصري، بحيث لا تؤخذ عليها أية مخاطرات قد تؤدي الى تغيير الصوره التي تحاول ان تصدّرها للعالم الغربي بانها جنة عدن، ودوله محبه للسلام ومن يسعى اليه، فبالتحايل على القوانين الدولية تمارس اسرائيل التهجير بشكل تدريجي ومتواصل وقد نجحت في ذلك وأنجزت اكثر مما أنجزته بالمجازر والترويع الذي مورس بحق الفلسطينيين الآمنين عامي 1948 و 1967 فلكل مرحلة ولها استراتيجيتها في اسرائيل، لتكشف الستارعن فكر صهيوني شعاره ” اقتلوهم ولا ترحموا صغيرهم قبل كبيرهم ” فهي لا تقيم لحياة الفلسطيني اي وزن وكيف لا وهي من يستسهل قتل الشباب والاطفال في الشوارع وعلى الحواجز مبرره ذالك بدعوى الاشتباه ….!.
فما بالك بمن هو مهمّش منذ الثماني والاربعون،،، هو مواطن وفق كل المعايير والبروتوكولات الدوليه ، مواطن له الحق في حياة كريمة ، او هكذا يفترض …!! فمن صحراء النقب مروراً بالقدس الشرقيه وصولاً الى مناطق الضفه الغربيه تبقى احوال التجمعات البدويه واحده اينما حلّوا وارتحلوا .
فلطالما شكلت قضيتهم بعداً جيوسياسياً في المخططات الاسرائيلية الاستيطانية، فالجميع يقبعون تحت وطأة بيئه متماسكه ومنظومه متكامله من الفصل العنصري هدفها اقامة دولة يهودية محصوره بالعنصر الصهيوني واقتلاع اكبر قدر ممكن من المواطنين، عنصريه يغذيها فكر ديني يرى بأن العرق اليهودي هو الافضل والأنقى من بين العالمين، فمخططات الضم الاخيره لمنطقه الاغوارالمصنفه مجازاً بجيم والتي تتسارع وتيرتها هذه الايام حلقه لا تبدو هي الاخيره من سلسلة طويله من مشاريع التهجير الاستيطانيه التي بدات بالنكبة عام 1948مروراً بالنكسة عام 1967 ضد التجمعات البدويه التي بات سكانها الاكثر عرضة لمخطط اقتلاعي، ومحاولات متكرره لتذويب الهويه البدويه الفلسطينيه عبر التهجير القسري والفقر والمستقبل المجهول، فمنطقة الاغوار التي تشكل مساحتها ربع مساحة الضفه الغربيه تحمل في طياتها مخطط يهدف الى تدمير التجمعات البدوية بحصرهم ضمن تجمع مركزي وتوزيع التجمعات البدوية الرعوية على القرى المجاوره، ليتضح لنا ان سياسة التمييزالعنصري الذي تمارس بحق هؤلاء هي وسيله لتحقيق غايه وليست هدفا بحد ذاتها فالهدف ليس بالسيطره على السكان بقدر ما هي سياسة غايتها التهجير .
فصمود البدو الذين برغم عسر الحال وغياب راحة البال فقد ورثوا الجلد والاحتمال لابعد الحدود في وجه هذه المخططات فانتشارهم في هذه المناطق هو من يعيق مشاريع الضم ويحول دونها وهذا ما جعل اسرائيل تسعى بكل قواها لاستئصالهم منها قاطعه الطريق على اية محاوله لاقامة دوله فلسطينيه مستقبليه، وكيف لا وهي مناطق رأت فيها اسرائيل عمقاً استراتيجياً ومناطق حدودية ومصدراً للمياه والحياة لا يمكن لاي دولة الاستغناء عنها، لهذا وضمن خططها الخبيثه تسعى اسرائيل جاهدة الى الالتفاف حول عنق القضيه الفلسطينيه وخنقها ولعل ذلك كان سبباً مباشراً في خلخلة الاسس التي استندت عليها عملية السلام المزعومة القائمه على حل الدولتين، ولست ابالغ ان قلت تمهيداً لإنهائها وذلك من خلال ترسيخها لنظام اداري في المناطق التي تسيطرعليها السلطه الفلسطينيه، شبيهاً بنظام البلديات، و الذي يشكل جزء من سلسلة عثرات تضعها اسرائيل للحيلولة دون تمكنها من تشكيل دوله ذات سياده مستغله بذلك ثقافة البدوي القائمه على الترحال وعدم امتلاكهم اوراقاً رسميه ثبوتيه تثبت ملكيتهم للاراضي التي يقيمون عليها، لهذا سعت اسرائيل الى تصنيفها على انها اراضي اسرائيليه ومناطق عسكريه وفق مبدأ ان ” الحدود ترسم حيث يقطن اليهود”.فاسرائيل في جوهرها مبنيه على فكرتين اساسيتين “الاستعمار من خلال السيطره على اراضي الاخرين والعنصريه بفصل السكان عن الدوله والارض “
وليس الحال بأفضل منه في البركان الصامت المتمثل بصحراء النقب والتي تشكل مساحتها اربعين بالمئه من مساحة فلسطين حيث يسعى الاحتلال الى تمرير مخطط”برافر ” الذي يعزز التمييز العنصري وينتهك حقوق البدو الغير معترف بهم والذي يصنفهم على انهم غزاه لا يملكون الحق في الارض التي يقيمون عليها ، وما خفي يكون بالغالب هو الاعظم لحياة ملؤها القهر تعاني منها تجمعات لعشرات من القرى البدويه التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة الانسانيه الكريمة، من رعاية صحية وبنى تحتية، ومما يجدر الاشاره اليه ان العنصريه الاسرائيليه لا تقتصر على من يقطن خارج الخط الاخضراو داخله وانما تتعداه لتشمل كل فلسطيني يتحرك على الارض، فتتعامل معه على انه “مخرب محتمل” وكان هذا مبرراً كافياً وحافزاً لاستمرار الانتهاكات بحق فلسطيني الداخل المحتل فالالاف من المواطنين البدو يواجهون المصير ذاته من التهميش، حيث يعانون فصولاً من الملاحقه والاهمال والتضييق على يد احتلال يبطش بهم بيده الثقيلة لدفعهم الى الرحيل، عبر حرمانهم من التمتع بأية حقوق متساوية مع الاسرائيليين من الفترض انهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، فلك ايضا ان تتخيل حجم المعاناة التي تتسبب بها التدريبات العسكريه الاسرائيليه كل عام والتي تتسبب في نزوح المئات من العائلات البدويه عن مناطق تجمعاتهم ليلجئوا الى مناطق اكثر امناً تجنباً لمخاطر تلك التدريبات التي هي سياسيه بامتياز. فحياتهم قد تتوقف فعلاً بجرة قلم ليبدئوا بالبحث عن مكاناً لهم تحت الشمس لا يملكون له اختيار.
وكحال كثير من الفلسطينين لا يملك الساكن هنا ان يقرر اين وكيف يعيش فذلك يتوقف تبعاً لمزاج احتلال يعمل على تجميع الفلسطيني في اقل مساحه على الارض مقابل تخصيص اوسعها لصالح المستوطنين، وهذا الابرتهايد يحدث في ظل تجاهل عالمي واقليمي ومحلي لسياسة استعمارية مغطاة بستار ودعم امريكي لا محدود، وغرب قاموسه حافلاً بمعاني حقوق الانسان يرفع دائماً قيم الديمقراطية عالياً وفق ما يدر على مصالحهم اوتتوافق مع توظيفهم السياسي لها ، لتخفت احياناً وقد تتلاشى بلحظة على وقع المصالح والنفوذ التي تفرض نفسها على خارطة ماسي الشعوب، ودولاً عربية اسقطت العداوة مع الاحتلال مستسلمة للاحلام والاوهام في احضان اسرائيل، ومواقف فلسطينيه يكتنفها التناقض والغموض والامبالاه تقف اليوم عاجزه امام معاناة هؤلاء وكان ماساتهم المزدوجه وباءا واحتلال يتربص بهم وبنا ليست من بعض ماسينا ، فالحلول المطروحه ليست سياسيه بقدر ما هي إغاثيه مؤقته لكارثه انسانيه لا تنتهي… كما ان مشكلة هؤلاء تنبع من التعامل مع قضية التجمعات البدويه من منطلق مبدأ الحماية لا السياده، مما قد يهدد بتعزيز الوضع المأساوي لهم والاستسلام للواقع الاستيطاني، فمع كل الخيارات الاسرائيليه المتاحه لاستئصالنا عن وطننا لا يزال خيار الوحده الوطنيه الفلسطينيه هو الوحيد المستبعد لدى الجميع…!!
الكولونيالية ،،، وتذويب الهوية البدوية !!
*كاتبة وباحثة سياسية.
المصدر : https://iraqaloroba.com/?p=3785