ثوابتنا ومتغيراتنا (2)

عراق العروبة
مقالات وآراء
9 أكتوبر 2021
ثوابتنا ومتغيراتنا (2)

ثوابتنا ومتغيراتنا (2)

عراق العروبة

صلاح المختار

ثوابتنا ومتغيراتنا (2)

ما هي ثوابتنا اذا؟ دون ادنى شك ان الفكر والتجارب البشرية كلها خاضعة لاهم قواعد البقاء وهي التطوير عبر نقد واع وموضوعي لهما، فدراسة ما مضى من تاريخ الامة العربية والحزب وتجاربهما واستخلاص الدروس والعبر شرط بقاءهما، وما مررنا به تجارب معقدة جدا وربما هي من بين تجارب الشعوب النادرة بخصوصيتها، فالغرب مر بتجاربه وهو يصارع تحديات بينية اي لم يكن يتعرض لاستعمار اجنبي معاد بالغ التطور والتفوق العلمي كما هو حالنا نحن العرب، بل كانت تحديات اوربا اغلبها صراع اقطاعيات متناثرة فيها ثم صراع قوميات متنافسة على نهب العالم، ولهذا كانت تحديات مألوفة ونمطية وكانت حلولها ايضا نمطية وتحكمت بها ثوابت صارمة تمثل اهمها في تحقيق النهضة الاوربية التي التزمت بمجموعة مبادئ ولولاها لما وجدت النهضة الغربية،وتلك المبادئ كانت بوصلة النهضة الاوربية وبدونها ما كان لاروبا ان تنهض وتتقدم. واول مبادئ النهضة الاوربية هو مبدا الانتقال من التشرذم الاقطاعي الى التوحد القومي، وهو الذي وفر الوعاء المناسب لتفتح عبقرية الانسان الاوربي، ولم تنتقل اوربا الى عصر القوميات الا بعد تجارب مريرة وحروب مهلكة بين الاقطاعيات ودول المدن.

التفكير الواقعي نتج عن تعلم دروس الصراعات فأثمر واقعية تجريبية مبدعة كانت اولى خطواتها على طريق النجاح هو التوحد القومي ثم التوحد القاري الاوربي، فالنجاح وتجنب الضياع في متاهات دروب متشعبة مرهون بالاعتماد على بوصلة مرشدة، فكما ان للنهر ضفافا تمنع انسياب الماء على جانبيه وتحافظ على مناسيبه وكمياته ويصنع الحياة فان زوال ضفافه يحوله الى نقيض خيره وهو مستنقع كبير يقتل الحياة ويفسد الزرع ويصبح بيئة للفساد ولكل انواع التفسخ. وكان ذلك اول ربما دروس البشرية، والضفاف هي المبادئ الثابتة ورمزها البوصلة. المبادئ في جوهرها انبثقت عن واقعية تجريبية غالبا وهي ما يحفظها لانها تبقيها تتغذي من نبع الحياة فهي محكومة بتلبية حاجاتنا الاساسية، وبعد ان توحدت الامم الاوربية قوميا توسعت دائرة الواقعية لتقيم تحالفا اوربيا بدأ بالسوق الاوربية المشتركة وانتهى بتحقيق الاتحاد الاوربي الحالي، والواقعية تمثلت في الاعتراف بمصالح كل الاطراف وعدم التعدي عليها.

لكل هدف ثمن وثمن الوحدة القومية لالمانيا وفرنسا مثلا كان التنازلات المتبادلة بين مكونات الشعب الواحد، فالاشتراكي قبل التعاون مع الرأسمالي من اجل قوة الامة وتقدمها فرأينا نظما رأسمالية يشارك فيها اشتراكيون. ان الاجابة على اسئلة الحاضر ونحن في العقد الثاني من القرن الجديد تتحدد في التقيد التام بابراز ثوابتنا التي تجسد حاجاتنا الاساسية كعرب وهي التي اختارها البعث اهدافا له منذ اكثر من سبعين عاما وهي الوحدة والحرية والاشتراكية، فما هي هذه الاهداف؟ كيف ننظر لفكرة تطويرها كي تبقى مناسبة لكل الازمان والاماكن في وطننا العربي والعالم؟ ان الاهداف التي وضعها الحزب ليست صحيحة فقط بل اكدت صحتها كل تحولات القرن الجديد وتبلورت ادلة على انها الترياق الامثل لازمات الامم كلها وليس للامة العربية فقط فكيف حصل ذلك؟ وما الدليل عليه؟

1- حتمية الوحدة العربية: منذ فجر العروبة تبلورت في الوعي الجمعي حاجة اساسية هي فكرة التوحد فقد تعلمنا في المدرسة الابتدائية ان العصا الواحدة سهلة الكسر ولكن تجميع العصي يجعل كسرها صعبا جدا وهذه الفكرة البسيطة هي بذرة الوعي القومي لنا ولغيرنا، فالعروبة هي مصدر قوتنا وعبقريتنا الدائمة مادامت وظيفتها الاستثمار الامثل للطاقات البشرية وهي مجمعة لبشر اسمهم العرب بعد ان تتوحد قدراتهم وتنهي التشتت والصراع، وبهذه الفكرة البسيطة نبدأ بالمفاهيم المركبة والصعبة فكل صعب يبدأ بالسهل البسيط ولكنها كلها تدور حول، وتنبع من، فكرة حزمة العصي التي تجعل العروبة المبدأ الاول المتحكم بمستقبلنا كمصباح ينير الطريق، او بوصلة الهداية في عالم مضطرب مظلم وظالم، فهي التي تحدد معالم الطريق وتنيره، وبالتالي فالوحدة العربية ليست ترفا ولا هي هدف تعجيزي بل هي حتمية لابد منها في الحاضر وهي اكثر حتمية في المستقبل لان عالمنا زاد تجردا من الانسانية وساد صراع الغرائز البدائية الاكثر شراسة وهو عالم تسيطر فيه القوى الكبرى اما الدول الصغيرة فمهما قويت وتقدمت فانها يمكن تدميرها، كما حصل للعراق المتقدم والقوي، واحد اهم اسباب نجاح تدميره انه صغير الحجم مقارنة بمن دمره.

والاكثر ايحاء ومأساوية هو ان من ساهم في تدمير العراق هم اشقاءه العرب! وذلك درس عظيم لايمكن اهماله ابدا، فلو كان العراق جزء من امة واحدة تضم 400 مليون عربي لما تجرأت امريكا ولا اسرائيل الشرقية ولا توأمها اسرائيل الغربية على شن الحروب علينا، ولديكم الصين وروسيا مثالان حيان لدور القوة في حسم الامور فلو كانت روسيا صغيرة عدديا فانها كانت ستواجه نفس مصير العراق وكذلك الصين، ولكن الحجم الضخم والبناء العسكري والتقدم العلمي والتكنولوجي حصنهما ضد كافة محاولات التخريب داخلهما،وامريكا لاتتجرأ على خوض حرب مباشرة ضد اي منهما لانها تعرف ان الخراب ينتظرها، فالوحدة تحقق لنا الامن وتفتح طريق التقدم والازدهار بفضل تجميع الطاقات العربية وتسخيرها لخدمة نهوض الامة.

فكرة العروبة قامت اساسا على واقعية اننا شعب واحد من موريتانيا الى اليمن فنحن من اصول مشتركة وثقافتنا واحدة واقتصادنا تكميلي وارضنا ممتدة بلا انقطاع وما قطعّها عمل استعماري مصطنع هو خلق اسرائيل الغربية وسط وطننا الكبير، وذلك دليل حاسم على ان الاعداء يعرفون ان تحقيق الوحدة العربية هو ضمانة استقلال العرب وتقدمهم وامانهم وبلا منازع، ونحن نعيش في عالم الكتل الكبيرة التي لاترحم الصغير الذي يأكله الكبار بلا رحمه. ما الجديد الذي نحن بحاجة اليه بعد تجارب اكثر من سبعين عاما على وحدة مصر وسوريا التي اجهضت؟

تؤكد التجربة المعاشة وليس اي نظرية مسبقة ان تعدد اساليب وطرق الوصول للوحدة العربية ومستوياتها الممكنة هو التطوير المطلوب وليس التخلي عن هدف الوحدة العربية كما يتعلل البعض لعدم السعي من اجل تحقيقها، فقد نضجنا في العقود السابقة اكثر وتعلمنا من الماضي ولذلك فان وضع ستراتيجية قومية وحدوية هو الحل واساسها مراعاة عقبات كثيرة كانت السبب في افشال وحدة مصر وسوريا وبقية محاولات التوحيد العربية، وذلك يعني الاعتراف بان الوحدة العربية لاتتحقق بسرعة بل تدريجيا وبناء على اتفاقات وتوافقات بين القوى العربية جماهير ونظم. صحيح ان النظم غير مستقلة ولكن الاصح منه هو ان توحد الجماهير باحزابها وقواها النخبوية ووعيها العالي وحكمتها يمكن ان تجبر النظم او بعضها على قبول صيغ وحدوية تبدا من الاتحاد الكونفدرالي وتنتهي بالوحدة الشاملة في خطط طويلة الامد يتم خلالها توحيد المشاريع الستراتيجية العربية لضمان تقدم العرب اجتماعيا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا واسهامهم في تقدم العالم،مع مراعاة عدم طرح مطاليب تفكك التضامن عبر ترك حرية اختيار النظام السياسي لكل قطر وفقا لتوزان القوى فيه،وهذا ليس مجرد فكرة بل هي تجربة عملية فالصين تبنت ستراتيجية ناجحة وهي اقامة دولة واحدة بنظامين رأسمالي واشتراكي، كي تراعي حالة الاجزاء التي فصلت عنها واقامت نظاما رأسمالية في حين انها اقامت نظاما اشتراكيا ولكن الرابطة القومية الصينية بقيت هي قوة الربط الاساسية واحتراما لها قامت الصين بالتراجع العقائدي وقبلت دولة واحدة بنظامين، فالوحدة الصينية مرحليا تفرض التراجع العقائدي لضمان النتيجة النهائية وهي توحد الصين التام وهو الهدف المركزي المحدد لقدرات الصين على مواصلة تقدمها وتفوقها والتسريع له.

فهل نختلف نحن عن الصين ونحن احوج منها بمراحل للتحرر من الكوارث؟ نعم يمكن اختيار طرق متعددة للوصول الى الوحدة العربية تضمن عدم معارضة اصحاب المصالح العالية الذين لايريدون التخلي عن مصالحهم، والتطوير لمفهوم الوحدة العربية اذا في اساليبها واشكالها وليس في جوهرها لانها حتمية زادت اهميتها في العقود الاخيرة من كوارث العرب فلو كان العرب امة واحدة لما تجرات امريكا ولا اسرائيل الشرقية على التدخل في شؤوننا الداخلية ولما بقيت اسرائيل الغربية قائمة. تذكروا ان امتين فقط لم تتوحدا بعد في عالمنا وهما الامة العربية والامة الكورية وكلاهما تناضلان من اجل الوحدة القومية.

يتبع.

ثوابتنا ومتغيراتنا (2)

 من مقالات الكاتب - عراق العروبة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.