ذكريات من بلدي الجريح ..”قصة قصيرة”
ذكريات من بلدي الجريح ..”قصة قصيرة”
ذكريات من بلدي الجريح
ركب السيارة بكل هدوء مع صديق عمره وانطلقا بكل اطمئنان وتبادلا أطراف الحديث بكل أمل عن حياة بسيطة، وتعالت احلامهما تضحك وتأمل أن تنعم بالحرية في بلد يدعي انه بلد ديمقراطي.
و فجأة توقف كل شيء ؟
توقف كل شيء برصاص مسموم ليأخذهما إلى مكانهما المحتوم وينهي قصة أمل ورحلة احلام لما تزل في بداياتها.
لم يكن يدرك بدر ذو الثلاثة وعشرين ربيعا أنها القُبلة الاخيرة لابنته (ملك) عند خروجه من المنزل وهي تتشبث به وتقول له بابا ارجع بسرعة ولا تنسى الشكولاته.
ولم يكن ابوه يدرك انها النظرة الاخيرة لفذة كبده ولم يكن يدرك بدر ان ابنه الذي عقد العزم على طهوره بعد يومين ودفع فاتورة المستشفى انه لن يحضر احتفاله هذا، ولم يكن جَدُّه يدرك ان الوليمة الكبيرة التي عقد العزم على اقامتها بمناسبة طهور حفيده الذي سمي باسمه، سيقيمها على روح ولده ، ولم تكن تدرك زوجته انها تلبسه سترته للمرة الاخيرة في حياته.
وسط جو يشوبه الموت عند باب مستشفى الطب العدلي حيث يتجمع الناس للتأكد من رحيل أولادهم وفلذات أكبادهم وليتسلموا جثثهم التي تعودوا أن يتسلموها مشوهة أو ناقصة الاطراف او مخترقة بالرصاص.
اسماعيل كاتب شهادات الوفاة في مستشفى النهايات نسيت انامله ان يكتب ما يدعى عادة انه اسباب الوفاة ، جراء هرم أو شيخوخة أو توقف للقلب بل جرى قلمه بعبارات اشهرها (من جراء طلق ناري نافذ في الرأس او البطن او الصدر او الى اخ)…….)
عاد محمولا على الاكتاف بأكفان ملائكية
…. لم يصدق ابوه ابدا ان الروح قد فارقت الجسد
تلك الروح التي تعود ان يراها ضاحكة مستبشرة….صوت الاب يتعالى: لم تركتني يا بدر ومن سيعينني على عَوَقي ومن يسندني على عكازتي.
….الجار يتألم أيما ألم على جار خير ونخوة … انه يتذكر كم اعانه على حوائج الدنيا فبكاه بصراخ وعويل.
إمام الجامع قال: اشهد انه كان من المواظبين على الصلاة وأنه كان من أصحاب النخوة والإيمان ويحب عمل الخير على الدوام.
زميله في العمل قال: اشهد انه من المخلصين ومن أصحاب الحق واليقين. ويحب أن يقدم اقصى ما يمكنه للمراجعين.
رب العمل قال: اشهد انه من الملتزمين ومن أصحاب الغيرة والحرص على حقوق الآخرين.
صديقه قال: اشهد انه كان من المصلين وممن يعطفون على المساكين ويساعدون المحتاجين.
ملك ابنته ، ذات الربيعين تضحك في مأتم والدها و تلهو مع الأطفال وتقول :والدها سيعود إليها محملا بشوكلاته جميلة.
جو مشحون بحزن عميق تكاد تتلمس نهاية العالم فيه…
انفاس ثقيلة تخرج من أجساد مضطربة ودموع غزيرة شبيهة بأمطار كانون، ودماء مبعثرة هنا وهناك في بلد فارقته الحياة وغاب عنه الفرح ولازمته الاحزان والآلام مستمرة على ارواح تتصاعد الى عنان السماء ساعة بعد اخرى في ليل او نهار.
إننا نعيش في نفق مظلم ، دون بصيص أمل.
الحزن ليس له نهاية.
لقصص الموت حكاية: امل يذوي ورصاصة تأبى إلا ان توغر في قلوبنا نهراً من الحزن لا حدود له.
نصار النعيمي
Source : https://iraqaloroba.com/?p=7810