ملحمة العراق
ملحمة العراق
ملحمة العراق
***********************************
عراقٌ…
ياعراقُ…
ياعراق…
طالَ :
(فداكَ أمي وأبي مابيننا من فراق…)
وشحذتني رجفةُ ملتاعٍ… تثيرها هيجاءُ الحزنِ في الأعماق
الشفاهُ ارتعاشٌ من احتراق
والدمعُ من عيني على الوجناتِ انزلاق
خافقي جمرةٌ تصطليها الريح… وتحرثُ بصدري أنيابُها والأشواق
سكبَ الله لكَ في الروحِ محبةً…
بلا هباتٍ أو مهرٍ أو صَداق
إن أردتها أنت سلاماً برُدت نارُها..
وإن رمتَ اشتعالَها فوادي الفُراتين وجاق
يالهف نفسي.. يالهف نفسي التواق
ألا ليتني تصنمتُ على أرضِك في آخر عناق
في مشهدٍ : بينما أطبعُ على جبينك قبلاتي العتاق… ألتصق على ثَراك التصاق
يا أصغرَ جنينٍ في الدنيا… مخاضهُ العبراتُ في الأحداق
والرافدانِ كأنما استوت لهما منابعٌ في تجاويفِ المآق
عراقٌ…
ياعراقُ.
يا عراق…
حسبوا أن الكريم يُهانُ برزقهِ… فحبسوا البلادَ وقطعوا الأرزاق
بل ما أفلح الخائنون حيثُ ظنوا فعلى النورِ لايضيقُ خِناق
عُشتَ سماحاً إثرَ سماحٍ لإعدائك… في فرائد طبعك الخلاق
وكلما مال حملكَ لحكمةٍ… جاؤوك بنوايا الإنسحاق… هيهات أن تُسحى جبالُكَ بأضراس حاقدة…
وهيهات أن يهضمَ النخيلُ بإمضاق
عراقٌ…
ياعراقُ…
ياعراق
المجد لله في الأعالي… وعلى الأرض العراق
قامت بك قيامةٌ صُغرى… والتفَ الساقُ بالساق
عُدتَ ثانية هولاكو… وعادَ معك قانون اليساق
بل أنبيكَ وجمعَكَ الُملتئمَ من البراذين الصفاق
لن يكون مكوثُكَ طويلاً في تاريخ الرجالِ سوى (قدرَ فواق)
سنطروق ياملك العرب أفق…
لم يبقَ لشرقكَ رواق
عاثت به شياطين الأرضِ وثاراتُ رستمَ من الكوفةِ للرستاق
العلقميُ يبعثُ وأحفادُه… من أسفلِ آبار البُصاق
بطونٌ من الخيانات قبائلهُ.. وأخرى طوابيرُ نفاق
جيوشٌ من الجرذان من جحورها انطلقت… ومن السردايب والانفاق
تسللوا إلى القصرِ وما حولهُ إلى حدائقٍ خلفها عهدُ الرفاق
عراقٌ…
ياعراقُ…
ياعراق
يا أجمل اللوحاتِ على مرسم الأرضِ
ألوانها من الدمِ الأحمرِ المُراق
مؤطرةً بالنخلِ مرصوفاً حولهُ من السعفاتِ حتى الأعذاق
وموشاةً بأمهاتِ المدن والأرياف والأحياء والأسواق
يا بهجة الدنيا وبهاءَها… منذ أن كان بينك وبين السماءِ ميثاق
تُهدي للعالمينَ سلالاتٍ من رسلٍ
منذ نوحٍ واسماعيلَ وإسحاق
ويرميكَ الناس بأحشاف وقتلة مابين مجرم وسفاح وسراق
تهدي الناس خبزَهُم والحرفَ والعدلَ والسلامَ والحريةَ والانعتاق
ليضربوا حولكَ طوقَ حصارٍ وظلمٍ… وأرواحُ أطفالك بأزهاق
يُقطعون حدودَكَ شمالاً وجنوباً… ويفصلون غربَك عن الإشراق
وقد كانت الدُنيا بأسرها حدوداً لك… ذات يومٍ أو ذات عراق
محفورةٌ ذكرياتُكَ على جُدرانِ كل شارع أو حيٍ أو زقاق
من غرناطةِ الضائعةِ… حتى بلاد الواق الواق
تتناوبُ عليكَ غيومُ الغزاةِ كُل حينٍ…
قطيعٌ إثرَ قطيعٍ من قتلة وارتزاق
كُلٌ يقدمُ إليك مهرولاً أو جاثياً أو زاحفاً كأنهم في سباق
من خلف المحيطاتِ ومن دونها… مُخرصون ومُحرضون وأشداقٌ وأبواق
أطلقوا نوابحهم والدجالين في حملة الكذب على أوسع نطاق
زندقةٌ ودجَلٌ وتسويفٌ… وعهرُ الخياناتِ اعتناق
قالوا عنك دمارٌ شاملٌ وإرهابٌ ومحارقُ ومن هذا السياق
فانساق كثيرٌ من الملأِ لأكاذيبِهم ولكن وجدان الكريمِ لا يُساق
سنعرفُ سرَ المقابرِ الجماعية… حينما تتطايرُ عن متونها الأعناق
فقد حاقَ المكرُ السيءُ بأهله قد حاق…
وتكشف النبأ بعد حين من التدثيرِ… وتكشفت نهاراً جهاراً الأوراق
اليومَ يثأرُ الحسينُ من خونتهِ… وتُحِقُ له السماء الإحقاق
ويلطم المتباكونَ على وجوههم بطابور مع أقرانِهم على حائط البُراق
اليومَ تتحررُ زينبُ من قيدِ الطُغاةِ… لينطقَ بالحرية إنطاق
قد :
أبت وجوهُ الكرامِ انحساراً… كما أبى الحرُ استرقاق
فأين القتلة في التاريخ أيها القتلة؟…
قد نام على وجوههم الخزيُ وما أفاق
ماتركتم في الدنيا سفيهاً أو معاق…
ببغائياً أو نقاق..
إلا وأجريتم له الدراهم سيلاً… أو على أطباق
يعلفُهم رعاة البقر كما البقرِ…
أو كما الضواري المدربةِ على اجتثاثٍ وانشقاق
واجتمعوا كما القَرادِ على قصعتكَ أنساقاً مرصوفةً بأنساق
يتقاسمون الجراحَ اللذيذةَ… قد بدت للسفاحين تلائم كل الأذواق
وبغالُ طروادة وحظائرُها في هيجان استباقٍ وانطلاق
جاؤوك يمتطون خوازيقَ مدافعِهم… ويرطنون بكل فحيحٍ أو عواءٍ أو نعاق
أمسيت ياعراق للبُغاثِ “مصقرةً “… وحُرم منكَ أبناؤكَ حتى ضيوف طُراق
عراقٌ…
ياعراقُ…
ياعراق
سيرحلون عنك يوماً… أما أنت فما بين الفراتين باق
وكأين من الظُلماتِ سيمرُ ظلامُهم وبعد كل حالك… فجرٌ وانبثاق
كان هذا في غير مكان وزمان من تواريخِك الجليلةِ…
كأنكَ ودوران الحياة على اتفاق
إن لك من الصبرِ جَلداً من الإيمان واق
لايجدي معه تسللٌ أو زحفٌ أو اختراق
كم باءت قبلهم حملاتٌ بالخزي والعارِ والإخفاق
بالأمسِ كانَ دجلةُ يغرقُ من الأحبارِ إغراق
حتى خالطَ وجنتيهِ الجميلتين ازرقاق
وكابر عراقُ الخالدينَ على الجرحِ وعلى الجراح مابين رتقٍ ورِتاق
رؤوسُ النخلِ من سعف ومن رطبٍ
لاتُجدي معها ياحجامُ أداةُ حلاق
كم جلبوا من أشباحِهم والخفافيشِ… ولم تأخذهم بالثكالى إشفاق
كأنما لو فعلوا مُسحوا عن الأرض جميعاً… فلا يحيا الذليل بأخلاق
حلموا بوأدِ أجيالكَ بحصارهم… ولكنَ الخيرَ بأرضِ السواد اندفاق
كان الرغيف من هُنا أول أمرهِ… فلايقتل ” الرافدين ” أبناءَهُ خشية إملاق
ستنحني من ذلة رؤوسهم جميعاً… وسيبقى علمُ العراقين عالياً خفاق
وستبقى ياسيدي متفرداً كبُرجٍ أوحدٍ…
وجحافل الغزاةِ حولك أطواقٌ أطواق
تشدُ سروجَ المجدِ من مجدٍ إلى مجدٍ… ودونكَ الركبُ في إلحاق والتحاق
وأنت كما أنت يا موطنَ التاريخِ… منتجاً للعلياءِ وللحضاراتِ ترياق
لو أن لك في الدنيا شبيهاً… لكان قلادةً تزيّنُ الآفاق
سيسقطُ كلُ واقعٍ زائفٍ بعد قليلٍ… فلا يُزين المعصمُ طويلاً بكل أصفرٍ براق
مرةً أُخرى لم تحرق يا ابراهيم…
برداً وسلاماً كان الإحتراق
ويونسُ أخوكَ قد عاد فرحاً… قد أنسَ بانتظاره مؤمنين وعشاق
عراقٌ…
ياعراق…
كم جشمتُكَ… وجشمتني ياحبيبي من مشاق…
وبقِيتَ كما أنتَ من أحلى الحكاياتِ
وأحلى من كل قصيدة شعرٍ أو جناسٍ أو طباق
على حبِ الله وحبِكَ…
كل الناس أحبابي
ودون عناقِكَ بيني وبين العالمين طلاق
عراقٌ…
ياعراقُ…
ياعراق.
**********************************
*أستاذ التاريخ المقارن – كاتب وشاعر وباحث من سوريا – محافظة : الرقة.
سبق ونشرت القصيدة في شبكة البصرة بتاريخ 16/1/2013
ملحمة العراق
المصدر : https://iraqaloroba.com/?p=9127
عبدالله تعمريمنذ 3 سنوات
ياعراق