حب التملك يحرم الأبناء السعادة
حب التملك يحرم الأبناء السعادة
الحب لا يقتل أحدا، الجميع يحيا بالحب، ليس بالضرورة أن تصلح تلك المقولة للتعميم على الكل، فهناك حالات كثيرة قتلها الحب، أضاعها، وتركها فريسة للفشل.
نماذج عديدة لأمهات أضعن أبناءهن بالحب، بالإفراط في الاهتمام والمبالغة في إظهار العطف والحنان، الأم المتسلطة تضيع مستقبل أبنائها، تمتلكهم كما لو كانوا تماثيل منذورة للفرجة والعبث، مجرد دمى تحركها، وكذلك الأم المخذولة، المحزونة، والمنكسرة تصدر مشاعرها السلبية لأطفالها، ولكن الغريب أثناء بحثي في علم النفس عن مكنونات المرأة وتأثيرها السلبي والإيجابي على محيطها الضيق والأوسع، أنني وجدت الأم شديدة الحب والتعلق بأبنائها تمثل خطرا على مستقبلهم أيضا وتضاف إلى الأصناف الأخرى وقد يزيد خطرها، فهي تقدم الحب والعطف بما لا يدع بابا للشك ينفذ منه سرسوبا مهيضا للتفكير في خطورة هذا الحب أو قدرته التدميرية.
والحقيقة أن تدميرية الحب أكثر فتكا من تدميرية الكراهية، فالأخيرة طاقة واضحة ترى بالعين المجردة، بيد أن الأولى قوى شفافة لا يقام لخطورتها وزن.
تتعدد نماذج المرأة التي تفشل في حياتها الزوجية، إما بالانفصال والطلاق الفعلي، وإما بالطلاق النفسي، وهو حالة انفصال الزوجين في ما بينهما مع اتفاقهما على استمرار العلاقة شكليا وبشكل ظاهري فقط حفاظا على مستقبل الأولاد أو خضوعا لضغط مجتمعي.
وأولئك النسوة مخذولات في الشريك، فأيا ما كانت أسباب الانفصال فالمرأة بحكم مشاعرها تتألم أكثر من الرجل، وبالطبع تخشى تكرار هذا الفشل، تتمسك بأبنائها
بصورة مرضية ومزعجة، ترفض إرتباطهم، إما خوفا عليهم من تكرار سيناريوهات الفشل، وما يتبعه من حزن وألم، أو خوفا عليهم من البعد عنها، ضياعهم من يديها في ما يشبه حب الامتلاك.
الأدب والفن مرآة الواقع يعكسان ما يحدث من تداخلات في النفس البشرية، ويبينان مدى التشابك والتعقيد فيها. يسعيان لفك شفرة النفس البشرية وتحليل ما وراء الكلمات والتصرفات، والأفعال، بحث المكنون النفسي، ومحفزات الوعي.
ولعل رواية السراب لنجيب محفوظ، تقدم ضوءا معكوسا في هذا، بصورة الأم الحريصة على ابتلاع شخصية ابنها في شخصيتها فلا يبين له أثر، حتى أنه ينام ليله في سريرها، لا ينفصل عنها، لم يتعلم كي لا تخرجه من دفء حضنها.
حتى نظريات فرويد، وقواعد علم النفس أفردت صفحات وأسالت حبرا للتأكيد بأن الرغبات النفسية المكبوتة تعد ركيزة أساسية في تشكيل الشخصية بشكل قاطع، والدليل على هذا، على سبيل المثال، نموذج المرأة المتسلطة على أبنائها بدافع الحب والرغبة في تجنيبهم الوقوع في فخاخ التجارب الفاشلة، يكثر حولنا بشدة. لي زميل مهنة تخطى الخمسين من عمره، ما زال يبحث عن عروس، يتقدم خطوات واسعة نحو الزواج وما إن يقترب موعد الزفاف حتى يتهرب ويبعد وكأنه فتاة تخشى من تحمل المسؤولية.
أكثر من مرة يخطو تلك الخطوة التي كنا نعتقدها جريئة في بداية الأمر، نحو تكوين بيت وأسرة، ثم يتراجع، أصبح مثار جدل، لا يثق في قدرته على تكوين بيت، ظل ولسنوات قريبة مضت في معية أمه، تعامله كطفل، تختار له حتى ملابسه وألوانها التي لم تعد تناسب هذا الزمن، تتعامل بعقلية الأربعينات، حتى أنها ترفض ارتداءه للحذاء الرياضي، تجبره على الكلاسيكيات القديمة في الملابس، وحتى اختيارات مشاهدة أفلام السينما.
هي من تقرر كل شيء، تخشى عليه من الفشل، من تكرار تجربتها في الزواج والإنجاب والطلاق، في البدء في حياة ونهايتها فقط في ثلاث سنوات، امرأة تعدّ عمرها كله بهذه السنوات الثلاث. وترهن حياة ابنها بهذه السنوات الثلاث، تمارس القمع المتخفي تحت جلد المشاعر الأمومية الطيبة.
Source : https://iraqaloroba.com/?p=1192