وارد بدر السالم.. تراجيديا قساوة السرد
وارد بدر السالم.. تراجيديا قساوة السرد
*كلما ازدادت خطواته هدوء، انغمست روحه القلقة منذ بداياتها البصرية الاولى، وهي تحاول استدرار كنه الحكايات وضرورة الأسئلة وماهياتها، اكتشف مالم يره غيره، ربما يكون سليل ذاك الملك الذي عرف كل شيء، وبدل ان يطلب الغناء والهتاف له، راح يشيد بهدوء المكين، ممكنات معرفية دقيقة التوصيف، وبثيم شادة تتوافر على جبروت سردي جريء ربما لم تعتده السرديات القصيرة العراقية منذ ظهورها التأسيسي، دخل وارد بدر السالم، دوائر حكي ماكان لاحد غيره ولوجها، واكتشاف سراديب وخفايا دهشتها وقسوتها معاً، اتخذ من لوعات الخنادق وصراخ الموجوعين وثائق سردية، اسهمت في تبيان ضعف الكائن البشري الذي وضع دون رغبة منه وسط الانون الناري الملتهب دون هواده، لم يقف عند حافة تراجع، كان واظنه حتى الان لايعرف ماتعني التراجعات، مادام اليوم واثامه يقدمان منبعا سرديا يمكن من خلاله التدوين، والأرخنة، حتى وإن كان في السرد ثمة قسوة، حين ولج ذاكرة المعدان، وهي ذاكرة سردية خصبة وغير مكتشفة، تجاوز المألوف لينبش سريات الفعل ومؤثراته، مطلقاً افاق لغته الى حيث مهمتين اساسيتين، اولهما غرابة الثيمة المركزية، وطرق ايصالها الى المتلقي وهي طرق عنكبوتية صادمة، يرسم وارد بدر السالم شخوص سردياته باتقان رسام ماهر، لاتهمه ظواهر اللوان ومرتكزاته، بل يغموص في اعماق الذات لغرض اظهار الوانها المتوافرة على الادهاش الدرامي، واللقطة المشهدية المتكاملة الابعاد، ظلت تلك الأشتغالات مكون سردياته الأهم والارحب ايضاً، وأن كان في لحظات استرخاء نفسي وهي قليلة يجنح صوب العذوبة الشعرية ومحاولة تخليص ذاته اولاً من مايعانية من ضغوط ومتاعب، بعيد ماحدث من خراب وتراجعات وجنون، راح السالم يبحث عن سر ماحدث؟ والكيفيات التي يهان بها الأنسان لالشيء سوى انه يفكر وينتمي الى تواريخ مغايرة؟
شكل همه الاكتشافي هذا، عمق تفكيره السردي المركزي، الذي ولج من خلاله الى بواطن الشخوص المسلوبة الارادة والمعاملة بتعنيف قبيح لا رحمة فيه، صارت سرديات السالم المتوسطة الطول، تفلسف مبدأ القسوة المتلاحقة، وضروراتها الخارجة عن الاطر الروحية الممكنة، ينغمر في التوثيق السردي وكأنه لايريد ترك هذه المرارة اومايسميه الفضائح الأنسانية خلفه، فليس ثمة رغبة سوى تقديم هذه السرديات لتكون لحظات صدم عل المتلقي يصرخ ويسهم في ايقاف ما حدث وادانته، وتلك مهمة سردية جعلت من وارد بدر السالم، تراجيدياً سردياً من طراز لم يألفه السرد قبل لحظات الاندماج تلك، تخلو سرديات السالم، من التزويق المتخيل الذي كان يهتم به ايام كانت الحرب تشكل هم ذاكرته الاول، ولا حتى ايام كان الجوع يفري مصارين الفقراء والمساكين، والمنتظرين لفرج الله، صار يمشي بسرعة عارف، الى حيث الغاية والمقصد، مع دقة في توافر الدراما المشهدية السيمية السريعة اللقطات، والمحفزة الصادمة، حوارات شخوص سرديات السالم، هي الاداة المعرفية التشكيلية الفاعلة، لايمكن لشخوصه المأزومة، والمحطمة، والمتصارعة مع وجودها، اطلاق حوارات طويلة مسترخية، هو الحساب التأثيري الذي يهتم به السارد ويريد تحويله الى شفرات ورسائل تعبر حدود الزمن المحكي، لتتحول الى ارثيات كونية، تكشف بيسر وامانة ماحدث ومايمكن ان يحدث لحظة يشاء نتيجة تراكمات ارثية تشيع الكراهية والقسوة والاستحواذ، يلجأ السالم الى تدوينات اخرى تورشف افعال الكتابة وماهياتها وضروراتها الفكرية والنفسية، ويوضح كيفيات الاشتغال السردي المطلوب، يقرأ الروح اولاً ثم ينبش الابعاد المحفزة ليعطيها بعداً سردياً غايته التعلم والتعليم معاً، تشكل سرديات السالم ظاهرة تحتاج فعلاً الى دراسة توضيحية من لدن النقدية العراقية، كيف يكتب السالم بهذه السرعة ؟
اهو الخوف من الأتي .. ام ثمة اسباب نفسية خاصة تجعله يتعامل مع الكتابة السردية بوصفها منقذا ومخلصاً من كوابيس الحروب والحصارات والمحطمات التي طالت الانسان العراقي؟
هذه الأشكالية تدفع بالسارد الى لب الحيرة، وتدفع بمتلقيه الى الحفر المقصود ، وهدم عروش سريات السرد لغرض معرفة كينوناتها،!!
Source : https://iraqaloroba.com/?p=1422